خطبة عن (من أخلاق المسلم: (مراقبة الله)
سبتمبر 29, 2018خطبة عن: (حسن الظن بالله) من أخلاق المسلم
أكتوبر 6, 2018الخطبة الأولى ( سيصيب أمتي داء الأمم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الحاكم في مستدركه بسند صححه الذهبي : (حدثني أبو سعيد الغفاري أنه قال : سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيصيب أمتي داء الأمم فقالوا : يا رسول الله وما داء الأمم ؟ قال : الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي ) ، وروى الترمذي في سننه 🙁عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ حَدَّثَهُ أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لاَ أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلاَمَ بَيْنَكُمْ ».
إخوة الإسلام
من الأدواء الخبيثة، والأمراض المستعصية، والتي تصيب القلوب، وتبعد المسلم عن علام الغيوب، وقد كانت سببا في هلاك الأمم التي كانت قبلنا ، وقد انتقلت وتفشت في أمتنا ، وحذر منها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته : داء : (الأشر والبطر والتكاثر والتناجش والتباغض والتحاسد والبغي) ،قال ابن الأثير وفي هذا الحديث: نقل الداء من الأجسام إلى المعاني ،ومن أمر الدنيا إلى الآخرة. وقال الطيبي: “الدب يستعمل في الأجسام، فاستعير للسراية على سبيل التبعية. وكذا قوله صلى الله عليه وسلم الحالقة، فإنها تستعمل في حلق الشعر، فاستعملت فيما يستأصل الدين ) ،ومن الملاحظ : أن تكرُر هذا الداء في الأمم السابقة واللاحقة هو علامة على أنه سنة الله فيهم، وأنهم سيصابون بها كلما وقعوا في الأسباب الجالبة لها .
أيها المسلمون
أما عن الأشر والبطر: فالأشر: كفر النعمة. والبطر: الطغيان عند النعمة وشدة المرح والفرح وطول الغنى. قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: البطر دَهَش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها). وهذا هو ما حدث لقارون حينما َخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ،وقَالَ : (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) (القصص 78) ، وفي صورة مشابهة للأشر والبطر ما كان من صاحب الجنتين ، والذي قال الله تعالى في شأنه : (فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) (34) :(36) الكهف ، فالإنسان بطبعه يطغى إذا استغنى ويحدث له فرح ، وهذا فرح مذموم ، لأنه فرح بالدنيا، قال تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) (6)، (7) العلق ، أما الفرح بما عند الله ،وبما يحبه ويرضاه الله ،فهو محمود ،مأمور به ، بشرط أن لا يدفع صاحبه للتكبر على الخلق ، والاستعلاء عليهم ، قال الله تعالى : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (يونس 58) ، والفرق بين المؤمن الذي يفرح بفضل الله ،وقارون وأمثاله ، أن الأول : ينسب الفضل لله ولرحمته، ويستعمل نعم الله في طاعة مولاه. أما الثاني : فينسب الفضل إلى علمه وذاته، ويستعمل نعم الله في معصيته.
أيها المسلمون
أما التكاثر والتناجش : فالتناجش قد يكون في البيع، وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها، إما لنفع البائع لزيادة الثمن له، أو بإضرار المشتري بتكثير الثمن عليه)، ومما يترتب عليه الاحتيال والمكر والمخادعة لإيصال الأذى إلى المسلم. والدافع على التناجش هو التكاثر من الأموال، ومن الدنيا عامة، وليس جمع المال لبذله في سبيل الله منهيا عنه، وإنما واقع النهي عن فعل ذلك من أجل الدنيا فقط، بانقطاع عن الآخرة. وأما التباغض والتحاسد: فقد حرم الله على المؤمنين ما يوقع بينهم العداوة والبغضاء ،قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة، 91). بل لقد امتن الله تعالى على عباده المؤمنين بالتأليف بين قلوبهم ، فقال الله تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) آل عمران، 103). ولتحقيق هذا المقصد العظيم ، فقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم المشي بالنميمة والتفريق بين الأحبة ، فقد روى أحمد في مسنده (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- « خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا رُءُوا ذُكِرَ اللَّهُ وَشِرَارُ عِبَادِ اللَّهِ الْمَشَّاءُونَ بِالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ الْبَاغُونَ الْبُرَآءَ الْعَنَتَ ». وأمر الله عز وجل بالإصلاح بين الناس في قوله عز وجل: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (النساء، 114)، وقال تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) (الأنفال، 1)، وفي مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلاَةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ ». قَالُوا بَلَى. قَالَ « إِصْلاَحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ ».
أيها المسلمون
وداء الحسد أصل من أصول المعاصي التي عُصي الله بها، وهو من أوائلها، فـقد قالوا : “أصول الخطايا كلها ثلاثة: الكبر وهو الذي أصار إبليس إلى ما أصاره، والحرص وهو الذي أخرج آدم من الجنة، والحسد وهو الذي جرأ أحد ابني آدم على أخيه، فمن وُقي شر هذه الثلاثة فقد وُقي الشرّ” . وقال ابن تيمية: “قيل: أول ذنب عصي الله به ثلاثة: الحرص والكبر والحسد، فالحرص من آدم، والكبر من إبليس، والحسد من قابيل حيث قتل هابيل” وبسبب الحسد ، كان إلقاء نبي الله يوسف -عليه السلام- في غيابة الجُب، قال تعالى : {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} يوسف(8) ، والحسد صفة من صفات اليهود –قال الله تعالى -: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم…} البقرة(109). وعليه فلا يليق بالمسلم أن يتصف بهذه الصفة الذميمة ، فالحسد يدل على خسة ودناءة صاحبه، قال ابن القيم: “والحسد خلق نفس ذميمة، وضيعة ساقطة ليس فيها حرص على الخير، فلعجزها ومهانتها تحسد من يكسب الخير والمحامد ويفوز بها دونها، وتتمنى أن لو فاته كسبها حتى يساويها في العدم؛ كما قال تعالى: {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء} النساء(89).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( سيصيب أمتي داء الأمم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والحسد داء غالب على النفوس لا يسلم منه إلا القليل، بل قد يحصل من الفضلاء، ولهذا قيل: “ما خلا جسد من حسد، لكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه. وقد قيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ فقال: ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك، ولكن عمّه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعذبه يداً ولساناً” وقد قيل: (ثلاث لا ينجو منهن أحد: الحسد والظن والطيرة: فإذا حسدت فلا تبغض، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا تطيرت فامض) ،ولأنّ الحسد متأصل في النفوس، وقليل من يسلم منه، فقد تظاهرت نصوص الشرع، وإجماع العلماء على تحريم الحسد؛ فمن ذلك أن الله أمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يتعوذ من شر الحاسد كما أمر بالاستعاذة من شر الشيطان، فقال الله تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} الفلق(5). والحسد من طباع البشر المتجذرة إذ الإنسان يكره أن يفوقه أحد في شيء من الفضائل. والناس في الحسد أقسام : فمنهم من يسعى في زوال نعمة المحسود بالبغي عليه، ومنهم من يسعى في نقل ذلك إلى نفسه، ومنهم من يسعى في إزالته عن المحسود فقط، من غير نقل إلى نفسه. والذي تسبب لإبليس في لعنة الله عز وجل هو حسده لآدم عليه السلام ،لما رآه قد فاق الملائكة ،حيث خلقه الله بيده، وأسجد له ملائكته، وعلمه أسماء كل شيء، وأسكنه في جواره، فما زال يسعى في إخراجه من الجنة ، حتى أخرجه منها. ويروى عن ابن عمر أن إبليس قال لنوح: اثنان أهلك بهما بني آدم الحسد، وبالحسد لعنت وجعلت شيطانا رجيما، والحرص، أبيح آدم الجنة كلها فأصبت حاجتي منه بالحرص). وقد وصف الله عز وجل اليهود بالحسد في مواضع من كتابه العزيز كقوله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) (البقرة 109)، وقوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ )( النساء، 54). وروى أبو داود في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ ». أَوْ قَالَ « الْعُشْبَ ». وفي سنن النسائي وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« لاَ يَجْتَمِعَانِ فِي النَّارِ مُسْلِمٌ قَتَلَ كَافِرًا ثُمَّ سَدَّدَ وَقَارَبَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي جَوْفِ مُؤْمِنٍ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ وَلاَ يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ الإِيمَانُ وَالْحَسَدُ ». وعن ضمرة بن ثعلبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا” رواه الطبراني ، أما البغي : فالبغي: هو مجاوزة الحد والظلم والتعدي، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ».
أيها المسلمون
وهكذا ينتقل الداء من مرحلة إلى مرحلة :فهناك أشر ، ثم تكاثر ، ثم تباغض ،ثم بغي ، ثم هرج وقتل وفساد في الأرض . وهذا هو التطور الطبيعي للبشرية الغافلة عن الله ، المعرضة عن شرعه ودينه ، المخالفة لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ، المتنعمة في الدنيا ، والفرحة بها ، والمنقطعة عن الموت ، وعن ذكر هادم اللذات ، وعن لقاء المولى عز وجل. فالحذر الحذر من هذه الداءات ، والعمل على طاعة رب السموات ، قبل أن تعرضوا على من لا تخفى عليه خافية ، ولا ينفع مال ولا بنون ، إلا من عمل صالحا ، وأتى بقلب سليم
الدعاء