خطبة عن (السمعة الحسنة والسيرة الطيبة )
أكتوبر 19, 2022خطبة عن ( بشرى المؤمن) مختصرة
أكتوبر 19, 2022الخطبة الأولى (عَبْدِي امْشِ إِلَيَّ أُهَرْوِلْ إِلَيْكَ)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا تَقَرَّبَ عَبْدِي مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً». وروى الامام أحمد في مسنده بسند صحيح: (عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ قُمْ إِلَيَّ أَمْشِ إِلَيْكَ وَامْشِ إِلَيَّ أُهَرْوِلْ إِلَيْكَ»
إخوة الإسلام
اللهُ عَزَّ وجَلَّ واسِعُ الرَّحمةِ والمغفرة، وجَزيلُ العَطاءِ، يعامل عباده بيْنَ العَدلِ والفَضلِ، فيعامل الكافر بالعدل، ويعامل المؤمن بالفضل، ومِن لُطفِ اللهِ تَعالَى بأُمَّةِ مُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ضاعَفَ لها حَسناتِها ،ولم يُضاعِفْ لها سيِّئاتِها. ففي الصحيحين: (فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً، فَإِنْ هُوَ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللَّهُ لَهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً»، وفي صحيح البخاري: (أن النَّبِيّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ، ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى ثُمَّ، قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ فَأَنْتُمْ هُمْ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالُوا مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً، وَأَقَلَّ عَطَاءً قَالَ هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ قَالُوا لاَ. قَالَ فَذَلِكَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ»، ففضل الله تعالى على عباده المؤمنين عظيم، وجزاؤه فوق ما يدور في الخيال، فإنه ـ جل في علاه ـ عظيم الإحسان، كريم العطاء، يقابل السيئة بمثلها، والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقوله تعالى في الحديث القدسي المتقدم: «وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيهِ باعًا، وإنْ أتاني يَمْشي أتَيْتُهُ هَروَلةً»، أي: أنَّ إقبالَ اللهِ على العَبدِ إذا أقبَلَ العَبدُ عَليه سُبحانَه وتَعالى يكونُ أكثَرَ وأسرع من إقبالِ العَبدِ عَليه، فالعبد إن تقرب إلى ربه تقرباً قليلاً ،تقرب الله تعالى منه كثيراً، وإذا تقرب منه كثيراً تقرب الرب منه أكثر، وإذا جاءه يمشي ،أتاه -تبارك وتعالى- هرولة، وفي هذه الجُمَلِ الثَّلاثِ بَيانُ فَضلِ اللَّه عزَّ وجلَّ، وأنَّه سبحانه يُعطي أكثَرَ ممَّا فُعِلَ من أجلِهِ، فيُعطي العامِلَ أكثَرَ مِمَّا عَمِلَ. فمن تقرَّب إلى الله بشيء من الطاعات ولو كان قليلًا، قابله الله بأضعاف مضاعفة من الإِثابة والإِكرام، وكلما زاد العبد في الطاعات، زاده الله في الثواب، وهذا من رحمة الله تعالى وفضله، وجوده وكرمه واحسانه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية(عَبْدِي امْشِ إِلَيَّ أُهَرْوِلْ إِلَيْكَ)
الحمد لله رب العالمين .وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إذا استشعر المؤمن كرم الله وفضله ،وجوده واحسانه، فإنه يقبل على طاعة الله تعالى بانشراح صدر، وعظيم حب ،فهذا الرب الذي نعبده سبحانه، هو أرحم الراحمين، وفي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مَهْلَكَةٍ مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ ثُمَّ قَالَ أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَاللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ » .فينبغي للمؤمن أن يحسن الظن بالله تعالى، وأن يكثر من الأعمال الصالحة، ويكثر من ذكر الله تعالى، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « .. وَمَا تَقَرَّبَ إِلَىَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَىَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِى يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِى يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطُشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ)، فمن تعامل مع الله تعالى لم يعد إلا بربح وافر، وتجارة لن تبور، فالتجارة مع الله هي أربح التجارات، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ فاطر (29) ، فالتجارة مع الله ـ عز وجل ـ لا بوار فيها ،سواء أكان ذلك في الفرائض، أو كان في المستحبات
أيها المسلمون
وبعد أن علم المؤمن أن الله تعالى يتقرب إلى عباده بأسرع مما يتقربون إليه ،فليبادر الى الطاعات، وإلى جنة عرضها الأرض والسموات، قال الله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (133): (136) آل عمران، وقال الله تعالى: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (21) الحديد، وليعلم العبد المؤمن أنه بقدر إقباله على الله تعالى يدرك من إقبال الله تعالى عليه، وإقبال الله تعالى على العبد مفتاح كل الخيرات في الدنيا والآخرة .
الدعاء