خطبة عن (من أسباب النصر وعوامل الهزيمة
أكتوبر 20, 2018خطبة عن عدم اليأس والقنوط (وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ)
أكتوبر 20, 2018الخطبة الأولى (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين البخاري ومسلم : ( عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ، قَالَ « فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ » . قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ » . أَوْ قَالَ « بِالْمَعْرُوفِ » . قَالَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قَالَ « فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الشريف ، نتناول ما جاء فيه ، ونتفهم معانيه ، ونستخلص منه الدروس والعبر التي ننتفع بها في دنيانا ، وتكون لنا زخرا في آخرتنا ،ففي قوله- صلى الله عليه وسلم – « عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ » : فهذه العبارة تفيد أن كل مسلم مطالب بالصدقة، أيا كان حاله ، فهي من الغنى والفقر ، ومع القدرة والعجز، ولكن السؤال : هل هذه الصدقة هي على سبيل الإلزام والإيجاب؟ أم على سبيل الندب والاستحباب؟ أم على ما هو أعم من ذلك؟ بحيث يشمل الإيجاب والاستحباب جميعا، قال العلماء : إن العبارة صالحة لذلك كله، فقد يأمر الشرع بأشياء وينصح المسلمين بفعلها، ويكون فيها الواجب والمندوب، وقد يكون الوجوب كفائيا على جماعة المسلمين ، بحيث إذا قام به البعض سقط الوجوب عن غيرهم. وقد جاءت أحاديث أخرى تبين لنا الحكمة والهدف من هذه الصدقة ، ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ ، فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ ، وَيُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ »، ففي قوله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ ) : بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه على المسلم أن يتصدق كل يوم عن كل مفصلٍ من مفاصله صدقة لله تعالى؛ وذلك شكرًا لنعمة الله عليه، وقد ثبت أيضا أن لابن آدم ستين وثلاثمائة مفصل، وأنه إذا أدى شكرها يوميًّا زحزحه الله تعالى عن النار؛ فعن عَائِشَةَ تَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ بَنِى آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاَثِمَائَةِ مَفْصِلٍ فَمَنْ كَبَّرَ اللَّهَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَهَلَّلَ اللَّهَ وَسَبَّحَ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَعَزَلَ حَجَرًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ شَوْكَةً أَوْ عَظْمًا عَنْ طَرِيقِ النَّاسِ وَأَمَرَ بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ عَدَدَ تِلْكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاَثِمِائَةِ السُّلاَمَى فَإِنَّهُ يَمْشِى يَوْمَئِذٍ وَقَدْ زَحْزَحَ نَفْسَهُ عَنِ النَّارِ ». رواه مسلم ، وفي الحديث: (قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) : فكأن الصحابة فهموا من لفظ الصدقة العطية، فسألوا عمن ليس عنده شيء، فبين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المراد بالصدقة ما هو أعم من ذلك، ولو بإغاثة الملهوف والأمر بالمعروف، وفي قولهم: (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) : فليس المقصود من اجابة الرسول صلى الله عليه وسلم الترتيب في فعل هذه الصدقات ، وإنما هو للإيضاح لما يفعله من عجز عن خصلة من الخصال المذكورة ، فإنه يمكنه خصلة أخرى، فمن أمكنه أن يعمل بيده ،فيتصدق ،وأن يغيث الملهوف، وأن يأمر بالمعروف ،وينهى عن المنكر، ويمسك عن الشر ،فليفعل الجميع، ومقصود هذا الباب أيضا أن أعمال الخير تنزل منزلة الصدقات في الأجر، ولا سيما في حق من لا يقدر عليها. ويفهم منه أيضا أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة، كما تظهر في تنوع الصدقات الشفقة على خلق الله، وهي إما بالمال أو غيره، والمال إما حاصل أو مكتسب، وغير المال إما فعل وهو الإغاثة، وإما ترك وهو الإمساك. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : « فَيَعْمَلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ » ، ففي ذلك إشارة واضحة جلية في أهمية العمل ، والكسب الحلال ، وأن العمل فيه نفع للنفس وللغير ، وفي سنن البيهقي : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَرَّ بِهِمْ رَجُلٌ فَتَعَجَّبُوا مِنْ خُلُقِهِ فَقَالُوا : لَوْ كَانَ هَذَا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَأَتَوُا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْهِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى وَلَدٍ صِغَارٍ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ». وروى البخاري في صحيحه 🙁عَنِ الْمِقْدَامِ – رضى الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ » .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : « فَيُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ » أي يعين المستغيث والملهوف سواء كان عاجزاً أو مظلوماً، فيعينه بالفعل أو بالقول أو بهما معاً. والمعنى: أنه إن لم يستطع أن يكتسب فيعين غيره من أصحاب الحاجات الذين قد اشتدت حاجاتهم، حتى إن ذلك صار يلح عليهم فأصبحوا مستغيثين وملهوفين ، ولا يدرون كيف يتصرفون، فهم كأنهم في شدة وضيق لا يعرفون المخرج منه، “ذا الحاجة الملهوف”، كالذي يكون له حاجة ولا يستطيع الوصول إلى صاحب نفوذ أو سلطان أو نحو ذلك، من أجل أن يخلص مشكلته أو معاملته أو نحو هذا، فيأتي هذا الإنسان ويتصرف دونه، وكذلك أيضاً قد تكون المرأة ضعيفة، أو نحو ذلك، ليس عندها عائل أو يكون عندها عائل لا يبالي، وهذه المرأة تكون بحاجة إلى القيام ببعض شئونها ولا تستطيع الذهاب إلى أماكن الرجال ومزاحمتهم ومراجعة البلديات، والمحاكم، وشركة الكهرباء، ونحو ذلك، وقد تضطر هي إلى البناء، بناء بيت يكنها، وما معها من أيتام، ثم لا تعرف كيف تتصرف فيتلاعب بها الناس، هذا يبتزها، وهذا يستغل ذلك في أخذ مالها، وذاك يستغله لشيء آخر، ويتلاعبون بها، ولا يأتون بالعمل على وجهه، ويتقطع عملهم، وما إلى ذلك، فيأتي إنسان ويقدم خدمة لمثل هذه المرأة الضعيفة المسكينة. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : « فَيَأْمُرُ بِالْخَيْرِ » . أَوْ قَالَ « بِالْمَعْرُوفِ » أي يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ والمعروف وينهى عن المنكر، لأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر متلازمان ، والمعروف: اسم لكل فعل يعرف حسنه بالشرع والعقل معا ، وفي سنن الترمذي بسند حسن 🙁عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ ». وفي قوله صلى الله عليه وسلم : « فَيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهُ لَهُ صَدَقَةٌ » والمراد بالشر هنا: ما منعه الشرع ، وكره أن يطلع عليه الناس ،إنما يحصل ذلك للممسك عن الشر إذا نوى بالإمساك القربة إلى الله ،بخلاف محض الترك، والإمساك أعم من أن يكون عن غيره، فكأنه تصدق عليه بالسلامة منه، فإن كان شره لا يتعدى نفسه ،فقد تصدق على نفسه ، بأن منعها من الإثم.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الفوائد الجليلة ، والدروس العظيمة ،المستخلصة ، والمستنبطة من هذا الحديث : أولا : أنه يجب على كل مسلم أن يشكر نعمة الله تعالى عليه، والله يحب أن يحمد وأن يشكر ، ثانيا : بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث سَعة مفهوم الصدقة في الإسلام، وأنها لا تقتصر ،على مجرد دفع المال للمحتاجين، بل إن كل كلمة طيبة، وكل معروف تعمله لنفسك، أو تقدمه للناس، فهو صدقة من الصدقات، وأن الصدقة بمعناها العام لا تختص بأهل اليسار، بل كل واحد قادر على أن يفعلها في أكثر الأحوال بغير مشقة. ثالثا : صلاة الضحى ركعتان، وهي سنة مؤكدة، ثبتت الأحاديث بمشروعيتها وفضلها، وهي مجزئةٌ عن شكر كل يوم إذا هي صليت فيه؛ فلذلك حريٌّ بالمسلم أن يغتنم الفرصة، ويحافظ على صلاة الضحى كل يوم؛ ليكون بذلك مؤديًا لشكر يومه. رابعا : الحث على فعل الخير بقدر الاستطاعة والامكان ، وأن من قصد فعل خصلة من خصال الخير فتعسر عليه ذلك ، فلينتقل إلى فعل غيرها. خامسا : الحث على العمل والكسب الحلال ،وبيان لفضل التكسب وعمل الإنسان بيده لما فيه من الإغناء عن ذل السؤال، وإفادة الغير. سادسا : أن أعمال الخير تنـزل منزلة الصدقات في الأجر ،ولاسيما في حق من لا يقدر عليها ، وأن الصدقة في حق القادر عليها أفضل من الأعمال القاصرة. سابعا : في الحديث تسلية للعاجز عن فعل المندوبات إذا كان عجزه عن ذلك عن غير اختيار. ثامنا : أن الأحكام تجري على الغالب، لأن في المسلمين من أخذ الصدقة المأمور بصرفها وقد قال: ((على كل مسلم صدقة)). تاسعا : تقديم النفس والبدء بالأهم فالمهم لقوله: ((فينفع نفسه ويتصدق)). عاشرا : أن كل شيء يفعله المرء أو يقوله من الخير يكتب له صدقة. الحادي عشر : أن خصال الخير تتفاضل وبعضها أولى من بعض، وفيه الحث على إعانة المحتاج ولاسيما الملهوف. الثاني عشر : الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان أن ترك السيئة عمل وكسب للعبد يثاب عليه إذا كان من أجل الله. الثالث عشر : أن الإحسان إلى الغير والشفقة على الخلق متأكد، وهو إما بمال حاصل أو ممكن التحصيل، أو بغير مال وذلك إما فعل وهو الإعانة، أو قول وهو الأمر بالمعروف، أو ترك وهو الإمساك عن الشر مع قصد القربة. الرابع عشر : بيان حرص الصحابة رضوان الله عليهم على معرفة الحق وتبين درجات الخير.
الدعاء