خطبة عن (عمارة الأرض واجب إسلامي )
ديسمبر 29, 2022خطبة عن ( احذروا محبة الكافرين )
ديسمبر 29, 2022الخطبة الأولى ( غَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في الصحيحين: (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ «إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ». وفي رواية: «الْمُؤْمِنُ يَغَارُ وَاللَّهُ أَشَدُّ غَيْرًا».
إخوة الإسلام
قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ): فيه إثبات أن صفة الغيرة من صفات الله تعالى، وهي الغيرة على محارمه، وهذه الصفة من الصفات الفعلية لله تبارك وتعالى، التي لا يجوز تأويلها أو تفويض معناها، بل إن معنى الغيرة معروف، وكيفيتها بحق الله مجهولة، فغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها، فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته، مثل الغضب، والرضا، ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها، والمعنى: أن الله تعالى شديد الغيرة على عباده، لا أحد أشد منه غيرة عليهم، وغيرة الله عز وجل على العباد معناها: أنه سبحانه لا يرضى أن يمس عباده أحد بسوء، ولا أن يلحق بهم أي ضرر، أو عدوان، أو يصيب أحداً منهم بأذى في دينه، أو نفسه، أو عرضه، أو عقله، فحرّم سبحانه الزنا غيرة على أعراض الناس وأنسابهم، وحرّم سبحانه السرقة والغصب والربا غيرة على أموال الناس أن يُعتدى عليها، وحرّم شرب الخمر غيرة على عقول الناس ومحافظة على سلامتها، وجميع ما حرمه الله من الفواحش إنما حرمه غيرة على حقوق عباده وحماية لها، ولذلك جاء في الصحيحين : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ ..)، أي أنه عز وجل إنما حرم الفواحش غيرة على عباده، وحفظاً لمصالحهم، فالله سبحانه حكيم ورحيم، ولا يحرِّم علي عباده شيئًا بخلًا منه عليهم به، ولكن من أجل مصلحتهم، ومن أقبح المعاصي التي يغار الله تعالى عليها: جريمة الزنا والفاحشة، ففي الصحيحين: يقول صلى الله عليه وسلم: (يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنْ مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ)، وفي الصحيحين 🙁عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لَوْ رَأَيْتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفِحٍ عَنْهُ. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ وَلاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلاَ شَخْصَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ ». وفي رواية في مسند الامام أحمد بسند حسن لغيره: (حَضَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وَجَدْتُ عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي رَجُلاً أَأَضْرِبُهُ بِسَيْفِي قَالَ أَيُّ بَيِّنَةٍ أَبْيَنُ مِنَ السَّيْفِ قَالَ «كِتَابُ اللَّهِ». ثُمَّ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ قَالَ «كِتَابُ اللَّهِ وَالشُّهَداءُ». قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ بَيِّنَةٍ أَبْيَنُ مِنَ السَّيْفِ قَالَ «كِتَابُ اللَّهِ وَالشُّهَداءُ يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ هَذَا سَيِّدُكُمُ اسْتَفَزَّتْهُ الْغَيْرَةُ حَتَّى خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ». قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَعْدٌ غَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي». قَالَ رَجُلٌ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يَغَارُ اللَّهُ قَالَ « عَلَى رَجُلٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُخَالُفُ إِلَى أَهْلِهِ». فالزنا طريق سافل، وفعل سيِّئ، ومِن ثَمَّ فقد حرَّم الله على عباده الزنا وجميع وسائله، فإذا زنى العبد، فإنَّ الله يغار غيرة أشد وأعظم من غيرته على ما دونه من المحارم، وكذلك أيضا (اللِّوَاط): وهو إتيان الذَكَر، فإِنَّه أعظم وأعظم؛ ولهذا جعله الله تعالى أشدَّ في الفُحش من الزنا. وكذلك أيضا، السرقة، وشرب الخمر، وكل المحارم يغار الله منها، لكن بعض المحارم تكون أشد غيرة من بعض، حسب الجُرم، وحسب المضَّار التي تترتَّب على ذلك.
أيها المسلمون
قال ابن القيم: والله سبحانه وتعالى يغار على قلب عبده أن يكون معطلا من حبه وخوفه ورجائه، وأن يكون فيه غيره فالله سبحانه وتعالى خلقه لنفسه، واختاره من بين خلقه؛ كما في الأثر الإلهي: (ابن آدم خلقتك لنفسي، وخلقت كل شيء لك، فبحقي عليك لا تشتغل بما خلقته لك، عما خلقتك له). وفي أثر آخر: خلقتك لنفسي، فلا تلعب، وتكفلت لك برزقك فلا تتعب. يا ابن آدم اطلبني تجدني؛ فإن وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا خير لك من كل شيء). ويغار الله تعالى على لسان عبده المؤمن أن يتعطل من ذكره، ويشتغل بذكر غيره، ويغار على جوارحه أن تتعطل من طاعته، وتشتغل بمعصيته. فيقبح بالعبد أن يغار مولاه الحق على قلبه ولسانه وجوارحه وهو لا يغار عليها. وإذا أراد الله بعبده خيرا سلط على قلبه إذا أعرض عنه واشتغل بحب غيره، أنواع العذاب حتى يرجع قلبه إليه. وإذا اشتغلت جوارحه بغير طاعته، ابتلاها بأنواع البلاء، وهذا من غيرته سبحانه وتعالى على عبده) ( روضة المحبين). وفي مدارج السالكين: وقال بعضهم: احذره (سبحانه)، فإنه غيور، لا يحب أن يرى في قلب عبده سواه. فالله – تبارك وتعالى- أمر عباده بالتوحيد، ونهاهم عن أعظم جرم وأكبر جناية وأقبحها، وهي الإشراك بالله – تبارك وتعالى، لأن ذلك يحصل فيه شكر غير المنعم، وعبادة غير المنعم، فالله تعالى الذي أولانا، وأعطانا، وأكرمنا ينبغي أن نعبّد قلوبنا وجوارحنا له – تبارك وتعالى- وحده لا شريك، فإذا توجه العبد بشيء من عمله إلى غير المنعم فشكَرَه وعبده من دون الله – تبارك وتعالى- فإن ذلك هو أعظم جرم، وأعظم جناية على الإطلاق، ولهذا قال الله تعالى: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) [لقمان:13]، ولذلك كانت جناية الشرك لا تعادلها جناية، فكتب الله تعالى على صاحبها الخلود في النار، فقال الله تعالى : ( إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا ) [النساء:48]، فالله يغار على عبده أن يعبد غيره، أو أن يتوجه إلى غيره، بتذليل نفسه وتعبيدها إلى هذا الغير، سواء أكان ذلك بعبادته عبادة مباشرة، أو كان ذلك بتعلق القلب، فإن الله يغار على قلب عبده المؤمن أن يتوجه إلى غيره، وأن يشتغل بغيره، وأن يمتلئ بحب غيره محبة تزاحم محبة الله تعالى في هذا القلب.
أيها المسلمون
وإذا كان الله سبحانه وتعالى يغار ويغضب على من عصى وارتكب المحارم، فالواجب الحذر من ارتكاب المحارم، ومراقبة الرب سبحانه، فلا تحسبن الله تعالى غافلاً عنك، وأنت بمرأى من الله ومسمع، قال الله تعالى: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه:46]، وقال سبحانه: (لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ) [الحاقة:18] ، وقال تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ ) [الحديد:4] ،ويقول سبحانه: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُوا مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ) [يونس:61]، فهو سبحانه يعلم ويرى، يعلم حالك ويرى مكانك في المعصية والطاعة، فاحذر غضب الله عليك، وانتقامه منك، بسبب إقدامك على محارمه، قال تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) [إبراهيم:42] ، فهو سبحانه قد يمهل، قال تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [الأعراف182:183 ] ، ثم يؤخذ، فالواجب الحذر.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( غَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالحذر الحذر من الوقوع في المعاصي، فمن تلاعب به الشيطان، واستسلم لهواه، وارتكاب الحرام، فقد أهان نفسه وأذلها, قال الحسن رحمه الله: ويحك يا ابن آدم هل لك بمحاربة الله طاقة, إنه من عصى الله فقد حاربه”, وقال العلامة السعدي رحمه الله: ( فليستحِ المجرم من ربه, أن تكون نعم الله عليه نازلة في جميع الحالات, ومعاصيه صاعدة إلى ربه في كل الأوقات, وليعلم أن الله يمهل ولا يهمل, وأنه إذا أخذ العاصي أخذه أخذ عزيز مقتدر. فليتُب إليه, وليرجع إليه في جميع أموره فإنه رءوف رحيم. فالبدار البدار إلى رحمته الواسعة, وبره العميم, وسلوك الطرق الموصلة إلى فضل الرب الرحيم, ألا وهي تقواه والعمل بما يحبه ويرضاه. فمن رام نجاة نفسه فليصحو من سكرته), واعلم أخي المسلم: إنك إذا أصررت على الصغيرة صارت كبيرة، فإن الإصرار على الصغائر من جملة الكبائر. وأنك لا تأمن إذا تهاونت بالصغيرة أن تجرك إلى كبيرة. واعلم أن المعاصي بريد الكفر, فإنك إذا أكثرت من الصغائر جرتك إلى الكبائر ثم جرتك الكبائر إلى مقدمات الكفر والشرك، ثم إلى الكفر والشرك. ولا تأمن من عقاب الله لك على هذه المعصية حتى ولو كنت مسلماً موحداً ،فإن الله قد يعذب على المعصية، ولا سيما من تهاون بها مع معرفته بعظم الجرم، فالإنسان لا يتحمل شيئاً من غضب الله ومن ناره،
الدعاء