خطبة عن ( وقفات تأملية مع سورة الكهف)
يناير 13, 2018خطبة عن (مؤمنات عفيفات في زمن المغريات
يناير 13, 2018الخطبة الأولى ( كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه أن : (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ ، وَإِنَّ مِنَ الْمَجَانَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ ، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا ، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ » .
إخوة الإسلام
( إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسِّتْرَ) ، فيجب على من ابتلي بمعصية من المعاصي أن يستتر، وأن يستر نفسه، وألا يجاهر بها ، ولا يفضح نفسه أمام الناس، فإذا جاهر المرء بمعصيته ، فقد هتك الستر الذي ستره الله به، وأحل للناس عرضه. فمن ستر نفسه ،وتاب ورجع، ستره الله في الدنيا والآخرة ، وأما من جاهر بمعصيته ، أو كشف ستر الله عليه بعدما ستره الله، فقد حرم نفسه من عفو الله وعافيته ، وعرض نفسه لغضبه وعقوبته، وفي موطإ مالك قَالَ صلى الله عليه وسلم : « أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِى لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ ». ولكن من المؤسف والمحزن، أن المجاهرة بالمعصية والمفاخرة بها، أصبحت سمة من سمات بعض الناس في هذا الزمان، فنراهم ونسمعهم يفاخرون بالمعاصي ، ويتباهون بها، فصارت المجاهرة بالمعاصي شيئاً عادياً، فهذا يعلق صورة محرمة فاضحة ليراها الناس ، وآخر يلصق على سيارته عبارات بذيئة ، وهذا يشرب الخمر أو يتناول المخدرات على قارعة الطريق ، وآخر يستمتع برؤية الأفلام الإباحية في النوادي والمقاهي والأماكن العامة ، وآخر يرقص ويتمايل على أنغام الموسيقى الماجنة والاغاني الفاضحة وهو يسير في الشوارع ، وآخرون خلعوا ملابسهم على الشواطي ، واختلط الرجال بالنساء ، والفتيات والشباب ، وهذه مرأة متبرجة متزينة لطخت وجهها بالاصباغ ،وخرجت متعطرة كاشفة عن الأقدام والسيقان، وعن الشعر، وتتمايل في مشيتها أمام الناس ، وهذا يجاهر بمحاداة دين الله عز وجل عبر الصحف والمجلات ، وهذا شاب يتحدث عن مغازلاته ومغامراته، وهذه فتاة تتحدث عن علاقاتها الآثمة عبر الهاتف. وهذا صاحب عمل يعطي زملاءه دروسا مجانية في ظلم العمال وأكل الأموالهم ، وهذا عامل يتحدث لأصدقائه عن سرقته لصاحب العمل ويعلم أصدقاءه بعض الحيل في ذلك، ومن المجاهرة أيضا أن يجلس الرجل في المجلس كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: عملت البارحة، كذا وكذا، يتحدث بما فعل، ويكشف ما ستر، هؤلاء جميعا ومن كان على شاكلتهم ، يقول فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى) أي (من العافية، أو من العفو) ، فالله سبحانه وتعالى يغفر الذنب، ويقبل التوبة، ويستر على عبده المؤمن في الدنيا والآخرة ، ويعافيه ويشفيه من الذنب ، ويعفو عنه ويسامحه فلا يعاقبه عليه ، (إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ )، فهؤلاء المجاهرون لا يعافون، لأنهم تمردوا ، وأعلنوا معصيتهم لله ، وعدم خشيتهم وخوفهم منه سبحانه ، بل هم يبارزونه بالمعصية ، فهؤلاء ماتت قلوبهم ، وفسدت طباعهم ، وانتكست فطرتهم ، فأصبحوا بعيدين كل البعد عن العفو والعافية ، بعيدين كل البعد عن الأمل في التوبة والرجوع إلى الله، لأن قلوبهم قد ماتت، وفقدت كل أمل في الحياة ، ولن يفيقوا من سكرتهم إلا في جهنم
أيها المسلمون
وللمجاهرة بالذنوب آثارها السيئة على الفرد والمجتمع ،فمن المفاسد المترتبة على المجاهرة بالمعاصي، أنها : – استخفاف بأوامر الله عز وجل ونواهيه. – وأنها تؤدي إلى اعتياد القبائح واستمرائها وكأنها أمور عادية لا شيء فيها.– وأنها بمثابة دعوة للغير إلى ارتكاب المعاصي وإشاعة الفساد ونشر للمنكرات. – وأنها ربما أدت إلى استحلال المعصية فيكفر بذلك والعياذ بالله. – وأنها دليل على سوء الخلق والوقاحة وقلة أدب صاحبها. – وأنها دليل على قسوة القلب واستحكام الغفلة من قلب المجاهر. – وأن المجتمع الذي يعلن ويجهر فيه بالمعصية يُعرض لعقاب الله ، ففي سنن ابن ماجة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ….)
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلُّ أُمَّتِى مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي الجهر بالمعصية استخفاف بمن عُصي وهو الله عز وجل، واستخفاف بحقه، وبحق رسوله صلى الله عليه وسلم، واستخفاف بصالحي المؤمنين، وإظهار العناد لأهل الطاعة، ولمبدأ الطاعة، والمجاهرة بالمعاصي دليل على نزع الحياء من المرء الذي هو لب الدين وخلقه , عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا ، وَخُلُقُ الإِسْلاَمِ الْحَيَاءُ) .أخرجه ابن ماجة . وعَنْ أَنَسٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا كَانَ الْفُحْشُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ شَانَهُ ، وَلاَ كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلاَّ زَانَهُ ) .أخرجه أحمد والبُخَارِي في (الأدب المفرد) وعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ عَبْدًا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ فَإِذَا نَزَعَ مِنْهُ الْحَيَاءَ لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ مَقِيتًا مُمَقَّتًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ مَقِيتًا مُمَقَّتًا نُزِعَتْ مِنْهُ الأَمَانَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الأَمَانَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ خَائِنًا مُخَوَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ خَائِنًا مُخَوَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ فَإِذَا نُزِعَتْ مِنْهُ الرَّحْمَةُ لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ رَجِيمًا مُلَعَّنًا فَإِذَا لَمْ تَلْقَهُ إِلاَّ رَجِيمًا مُلَعَّنًا نُزِعَتْ مِنْهُ رِبْقَةُ الإِسْلاَمِ) .أَخْرَجَهُ ابن ماجة ، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ ِللهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ : أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ ، فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) .أخرجه أحمد ، ودخل رجل على أحمد بن حنبل وأنشده : إذا قال لى ربى أما استحييت تعصيني
وتخفى الذنب عن خلقي وبالعصيان تأتيني
فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني
فكررها احمد بن حنبل وهو يبكى. فنزع الحياء يجعل المرء يألف المعصية ويستمرأها ، لذا ينبغي على الإنسان المسلم إذا وقعت منه هفوة أو زلة أن يستر على نفسه، وأن يتوب بينه وبين الله عز وجل، ولا يستحب له رفع أمره إلى القاضي، ولا يَكشِفُ شأنه لأحد كائناً ما كان، والله تعالى يقول: { لاّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ } [النساء:148] ، والله تعالى يستر على عبده ما لم يفضح العبد نفسه , فهو الغفار،والله لا يفضح عبده إلا إذا انتهك حماه , ولم يخش عقابه . وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِىِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ رضى الله عنهما آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أي رَبِّ. حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ : (هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) هود 18. وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِى الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». رواه مسلم
أيها المسلمون
والستر ليس محموداً على كل حال ، وليس مذموماً على كل حال ، فهو نوعان : النوع الأول : ستر الإنسان الستير ، الذي لم تجر منه فاحشة ، ولا يقع منه عدوان إلا نادراً ، فهذا ينبغي أن يُستر ويُنصح ويُبين له أنه على خطأ ، وهذا الستر محمود . والنوع الثاني : ستر شخص مستهتر متهاون في الأمور، معتدٍ على عباد الله شرير ، فهذا لا يستر ؛ بل المشروع أن يبين أمره لولاة الأمر ،حتى يردعوه عما هو عليه ، وحتى يكون نكالاً لغيره .فالستر يتبع المصالح ؛ فإذا كانت المصلحة في الستر ؛ فهو أولى ، وإن كانت المصلحة في الكشف فهو أولى ، وإن تردد الإنسان بين هذا وهذا ؛ فالستر أولى
الدعاء