خطبة عن اختلاف الناس في أعمالهم ( قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا )
سبتمبر 4, 2021خطبة عن ( التغيير للأفضل والأحسن يبدأ من هنا )
سبتمبر 4, 2021الخطبة الأولى ( كُلْ مَا شِئْتَ ، وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
جاء في صحيح البخاري : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – :« كُلُوا ،وَاشْرَبُوا ،وَالْبَسُوا ،وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كُلْ مَا شِئْتَ ،وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ )
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الشريف ، والذي يرشدنا فيه صلى الله عليه وسلم إلى التوسط والاعتدال وعدم الاسراف والتبذير في المأكل والمشرب والملبس والصدقة ، وأيضا ألا يخالطنا العجب والكبر والسمعة والرياء والمخيلة في طعامنا وشرابنا ولباسنا وصدقاتنا ، فالإسلام دين الفضيلة ، والفضيلة كما قيل هي بين رزيلتين ، فهي تعني التوسط والاعتدال ، وهي تعني التوازن وعدم الافراط والتفريط .فالوسط مفهوم يتّسع ليشمل حقوق الروح والجسد، والفرد والجماعة، وهو فضيلةٌ بين رذيلتين، وقد حاد عن الوسط ومال إلى الشطط من تجاوز الحدود التي حدّها الشارع بالعصيان والبغي، كذا من خالف سنن الفطرة، وحمل نفسه على مشقةٍ وعنتٍ ما أنزل الله بهما من سلطان، وحاد عن الوسط من تجبّر على خلق الله وتكبر عليهم، سواءً بسواءٍ بمن أذلّ أنفه وأرغمها ضعةً، ولم يحفظ وسط النّفس هنا من الكرامة، وحاد عن الوسط من أسرف في مشربه ومأكله، وبالغ في الشبع، وعرض نفسه للتخمة، وكذا من واصل الصيام، وحرّم على نفسه الطيبات التي أحلها الله، وقد نهى الشارع عن مجاوزة الحدّ إسرافًا أو تقتيرًا في حقّ النفس، فقال الله سبحانه: “وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا”{ الإسراء: 29}. وقال الله سبحانه: “وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا” {الفرقان: 67} ، فعاقبة السرف وخيمة المآل، تُذلّ بعد عزّ، وتفقر بعد غنى، وتهوي بصاحبها في المهلكة إنْ هوَ أسرفَ في العصيان، فكم أفضى التّوسع في المباحات إلى طرق باب المحرمات، ثم إلفها، وصعوبة الانفكاكِ عنها، ومن أوتي القصد في أمره كلّه فقد أوتي من فقه النّفس أوفر النّصيب.
أيها المسلمون
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم : « كُلُوا ،وَاشْرَبُوا ،وَالْبَسُوا ،وَتَصَدَّقُوا ، فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ » . وَفي قول ابن عَبَّاسٍ : (كُلْ مَا شِئْتَ ،وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ) ،فالمعنى : أنفق ما شئت في طعامك أو ملبسك، ولكن انظر اذا كان هذا الانفاق ينطلق اختيالاً ومباهاة وتظاهراً، أم لسد حاجة النفس التقية، واشباع ضرورتها؟ ، فإن كان للأولى فأنت في معصية الله أنفقت، ونفقتك حرام، اما اذا كانت الأخرى فهي حلال، وفي رضا الله عز وجل، وعبادة لله يثاب عليها الانسان ، فالإسراف والتبذير كبيرة من الكبائر، وغنى عن البيان أن مقياس الحاجة عند كل انسان، هو شيء يخصه، طبقا للاستعداد الجسمي والنفسي، ولذلك فالقوام الذي يفرق الافراط والاسراف ، عن الامساك والتقتير، يختلف من انسان لآخر، ومن أسرة لأسرة، فما يُعد بخلاً عند انسان، قد يكون اسرافاً وتبذيراً عند انسان آخر، لأن الأرزاق ليست بمستوى تتحد فيه الاقدار والأنواع، وإنما تختلف من فرد إلى فرد، فالتوسط في الانفاق واجب على كل عاقل ، حسبما كان رزقه، فإن الله يوسع في الرزق ويبسط لمن يشاء ، كما أنه سبحانه يقدر ويضيق على من يشاء، والمسلم يحتاج عقله ونيته لتدبير امره،فالتوسط والاتزان هو الأصل في كل شيء، وأي عمل يخالف ذلك الأصل فضرره أكثر من نفعه، وشره أكثر من خيره، لأنه يعارض الفطرة، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الاعراف:31]، وقد نهى الحق تبارك وتعالى عن المخيلة والعجب والكبر والأشر والبطر: فقال الله تعالى: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان:18]، وقال تعالى: {وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا} [الاسراء:37]، وقال الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص:83]، وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». وفي صحيح مسلم أيضا : (حَدَّثَنِي إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلاً أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِشِمَالِهِ فَقَالَ « كُلْ بِيَمِينِكَ ». قَالَ لاَ أَسْتَطِيعُ قَالَ « لاَ اسْتَطَعْتَ ». مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الْكِبْرُ. قَالَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ). كما نهى الشرع الحكيم عن التفاخر والتكاثر: فقال الله تعالى: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد:20]، فالنفس البشرية ترغب دائمًا في الاستزادة وتشتهى الثناء وتميل إلى المدح كميلها واشتهائها للطعام والشراب، وهى في سبيل ذلك مستعدة متأهبة لفعل أي شيء يسكن تلك الشهوة ، حتى ولو كان على حساب الأخرين، ولذا نهانا الله عن ذلك وأمرنا بتزكية النفوس ، وأخبرنا أن ذلك ينافى العبودية الخالصة لله تعالى، فضلًا عن أنه مرض اجتماعي يحدث الضغينة والحسد.
أيها المسلمون
روى البزار في مسنده وصححه الألباني : (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَمِنَ الْكِبْرِ أَنْ تَكُونَ لِي حُلَّةٌ فَأَلْبَسُهَا ؟ قَالَ : لاَ ، قُلْتُ : أَمِنَ الْكِبْرِ أَنْ تَكُونَ لِي رَاحِلَةٌ فَأَرْكَبُهَا ؟ قَالَ : لاَ ، قُلْتُ : أَمِنَ الْكِبْرِ أَنْ أَصْنَعَ طَعَامًا فَأَدْعُو أَصْحَابِي ؟ قَالَ : لاَ ، الْكِبْرُ أَنْ تُسَفِّهَ الْحَقَّ ، وَتَغْمِضَ النَّاسَ ). فتلك هي الفضيلة التي بين رزيلتين ، فترى صنفا من الناس : يمتنعون عما أباح الله من الملابس والمطاعم والمناكح تزهدًا وتعبدًا، وطائفة أخرى من الناس ، لا يلبسون إلا الذي فيه إسراف، ومغالاة، ولا يأكلون إلا ألين الطعام، ويرون لبس الخشن من الثياب يعتبرونه إزراءً، ولذلك لا يلبسونه، أو يعرضون عنه تكبرًا وتجبرًا، وكلا الفريقين جانب الصواب ، وهو على خطإ ، والاعتدال والتوسط هو ما شرعه الله ، وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم 0
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( كُلْ مَا شِئْتَ ،وَالْبَسْ مَا شِئْتَ ، مَا أَخْطَأَتْكَ اثْنَتَانِ: سَرَفٌ أَوْ مَخِيلَةٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن المعلوم أن لِبَاس الرَّجُلِ أو الْمَرْأَةِ من الأمور العادية التِي تخضع لِمُتَعارف كُلِّ أُمَّةٍ أو أُسْرَةٍ ولِزَمَانِهَا ومَكَانِهَا، ولتحقق المصلحة أو الضَّرَر في اسْتِعْمَالِهَا، ولَيْسَت مِمَّا يُتَعَبَّدُ به حتَّى يَتَقَيَّد لابسها بنوع أو زيٍّ منها، فهي على أَصْلِ الإِبَاحَةِ، أَمَّا إِذَا اقترن باللِّبْسِ ما يحرم شرعًا كَأَنْ يلبس نَوْعًا من اللِّبَاسِ إِعْجَابًا وخيلاء، أو تلبس المرأة لِبَاسًا يُظْهِرُ عَوْرَتَهَا أو يلبس زِيًّا يَقْصِدُ بلبسه التَّشَبُّه بزي الكُفَّارِ كان ذلك غير جَائِزٍ شَرْعًا، لا لِذَات الْمَلْبَسِ ، ولكن لِمَا قَارَنَهُ من الْمَعَانِي الممنوعة، والْمَمْنُوع هو ما كان فيه إِسْرَافٌ ، وما قُصِدَ به الخيلاء، وإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج.
أيها المسلمون
أما عن الأكل والطعام : فقد حثَّ الإسلام على الانتفاع بما خلق الله لعباده من الطيبات ، بغية التعرف على نعمه وعطاياه، والتي من أظهرها أنواع الطعام المختلفة، كما أباح الاسلام التمتع والتلذذ بطيبات ما أحل الله تعالى من الرزق، وفي نفس الوقت تؤكد آيات القرآن الكريم على عدم التبذير والإسراف في تناول الطعام، وعلى سلوك منهج التوسط والاعتدال. فقال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا) البقرة: 168 ، ومع هذا فقد وضع الله عز وجل لنا قاعدة صحية عريضة حين قال في كتابه العزيز: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (31) الأعراف ،يقول أحد العلماء إن الله جمع الطب كله في نصف تلك الآية. وفي مسند أحمد : (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ مَخِيلَةٍ وَلاَ سَرَفَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُرَى نِعْمَتُهُ عَلَى عَبْدِهِ » ، وقد جعل الله تعالى في غريزة الإنسان ميلا للطعام، وقضت حكمته أن يرافق هذا الميل لذة ليتمتع الإنسان بطعامه، فليست اللذة والتمتع في الطعام والشراب هي الغاية، فالذين يعيشون من أجل التلذذ بالطعام والشراب شبههم الله سبحانه بالأنعام، وهي صفة من صفات الكافرين، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) (12) محمد ، ولقد كان الاعتدال واقعاً في حياة الرسول صلى عليه وسلم وحياة صحابته، فلم تقتصر توجيهاته على عدم الإفراط في الطعام، بل حذر أيضاً من التقتير، ومنع أقواماً من الصوم أياماً متتاليات بلا إفطار أي صوم الوصال ، وقد ذكر ابن القيم في كتابه الطب النبوي : (أن أفضل الغذاء : ما كان كثير النفع ،قوي التأثير، خفيفاً على المعدة، سريع الهضم ).
الدعاء