خطبة عن ( الاستعداد للآخرة وقصر الأمل في الدنيا)
مارس 27, 2016خطبة عن (عمر بن الخطاب: الفتوحات والوفاة)
مارس 27, 2016الخطبة الأولى ( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )
الحمد لله رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – قَالَ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – بِمَنْكِبِي فَقَالَ : « كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ )
إخوة الاسلام
« كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ » هذه الوصية من رسول الله صلى الله عليه وسلم هي متضمنة لنهاية قصر الأمل ، وأن الإنسان إذا أمسى لم ينتظر الصباح ، وإذا أصبح لم ينتظر المساء ، بل يظن أن أجله يدركه قبل ذلك ، وبهذا فسر غير واحد من العلماء الزهد في الدنيا ،فإن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطنا ومسكنا فيطمئن فيها ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر يعني جهازه للرحيل وقد اتفقت على ذلك وصايا الأنبياء وأتباعهم ، وقال تعالى حاكيا عن مؤمن آل فرعون أنه قال : { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ (39) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ } غافر 38 : 40، وفي المستدرك للحاكم ومسند أحمد ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا لِي وَلِلدُّنْيَا إِنَّمَا مَثَلِى وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رَاكِبٍ قَالَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا » ، ويضرب الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه مثلا لحاله مع أمته ، ولمن تبعه وسار على طريقته ، ومن فارق دينه ، وأعرض عن ملته ، ففي المستدرك للحاكم ، ومسند أحمد ( عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَتَاهُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ مَلَكَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ وَالآخَرُ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ الَّذِى عِنْدَ رِجْلَيْهِ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِهِ اضْرِبْ مَثَلَ هَذَا وَمَثَلَ أُمَّتِهِ. فَقَالَ إنَّ مَثَلَهُ وَمَثَلَ أُمَّتِهِ كَمَثَلِ قَوْمٍ سَفْرٍ انْتَهَوْا إِلَى رَأْسِ مَفَازَةٍ فَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مَا يَقْطَعُونَ بِهِ الْمَفَازَةَ وَلاَ مَا يَرْجِعُونَ بِهِ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَتَاهُمْ رَجُلٌ فِي حُلَّةٍ حِبَرَةٍ فَقَالَ أَرَأَيْتُمْ إنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضاً مُعْشِبَةً وَحِيَاضاً رُوَاءً أَتَتَّبِعُونِي فَقَالُوا نَعَمْ. قَالَ فَانْطَلَقَ بِهِمْ فَأَوْرَدَهُمْ رِيَاضاً مُعْشِبَةً وَحِيَاضاً رُوَاءً فَأَكَلُوا وَشَرِبُوا وَسَمِنُوا فَقَالَ لَهُمْ أَلَمْ أَلْقَكُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَجَعَلْتُمْ لِي إِنْ وَرَدْتُ بِكُمْ رِيَاضاً مُعْشِبَةً وَحِيَاضاً رُوَاءً أَنْ تَتَّبِعُونِي. فَقَالُوا بَلَى. قَالَ فَإِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ رِيَاضاً أَعْشَبَ مِنْ هَذِهِ وَحِيَاضاً هِيَ أَرْوَى مِنْ هَذِهِ فَاتَّبَعُونِي . قَالَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ صَدَقَ وَاللَّهِ لَنَتَّبِعَنَّهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ قَدْ رَضِينَا بِهَذَا نُقِيمُ عَلَيْهِ ) ، فهذا المثل في غاية المطابقة بحال النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته ، فإنه أتاهم والعرب إذ ذاك أذل الناس ، وأقلهم ، وأسوؤهم عيشا في الدنيا وحالا في الآخرة ، فدعاهم إلى سلوك طريق النجاة ، وظهر لهم من براهين صدقه ، كما ظهر من صدق الذي جاء إلى القوم الذين في المفازة ، وقد نفد ماؤهم ، وهلك ظهرهم ، فدلهم على الماء والرياض المعشبة ، فاستدلوا بهيئته وحاله على صدق مقاله ، فاتبعوه ، ووعد من اتبعه بفتح بلاد فارس والروم ، وأخذ كنوزهما وحذرهم من الاغترار بذلك ، والوقوف معه ، وأمرهم بالتجزي من الدنيا بالبلاغ ، وبالجد والاجتهاد في طلب الآخرة والاستعداد لها ، فوجدوا ما وعدهم به كله حقا ،
أقول قولي وأستغفر اله لي ولكم
الخطبة الثانية (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )
الحمد لله رب العالمين .اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فلما فتحت عليهم الدنيا – كما وعدهم – اشتغل أكثر الناس بجمعها واكتنازها ، والمنافسة فيها ، ورضوا بالإقامة فيها ، والتمتع بشهواتها ، وتركوا الاستعداد للآخرة التي أمرهم بالجد والاجتهاد في طلبها ، وقبل قليل من الناس وصيته في الجد في طلب الآخرة والاستعداد لها . فهذه الطائفة القليلة نجت ، ولحقت نبيها في الآخرة حيث سلكت طريقه في الدنيا ، وقبلت وصيته ، وامتثلت ما أمر به .ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يكون بلاغهم من الدنيا كزاد الراكب . ففي مسند أحمد وغيره (عَنِ الْحَسَنِ قَالَ لَمَّا احْتُضِرَ سَلْمَانُ بَكَى وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَهِدَ إِلَيْنَا عَهْداً فَتَرَكْنَا مَا عَهِدَ إِلَيْنَا أَنْ يَكُونَ بُلْغَةُ أَحَدِنَا مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ. ) وقال الحسن : إنما أنت أيام مجموعة ، كلما مضى يوم مضى بعضك . وقال : ابن آدم إنما أنت بين مطيتين يوضعانك ، يوضعك النهار إلى الليل ، والليل إلى النهار ، حتى يسلمانك إلى الآخرة ، فمن أعظم منك يا بن آدم خطرا ، وقال : الموت معقود في نواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم . وقال داود الطائي : إنما الليل والنهار مراحل ينزلها الناس مرحلة مرحلة حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم ، فإن استطعت أن تقدم في كل مرحلة زادا لما بين يديها ، فافعل ، فإن انقطاع السفر عن قريب ما هو ، والأمر أعجل من ذلك ، فتزود لسفرك ، واقض ما أنت قاض من أمرك ، فكأنك بالأمر قد بغتك .
الدعاء