خطبة عن حديث (المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ)
أغسطس 25, 2018خطبة عن اسم الله (الباقي)
سبتمبر 1, 2018الخطبة الأولى ( لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ » . قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ « كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله تعالى مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يربي فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته على الاعتقاد الصحيح ، ونبذ الاعتقادات الباطلة ، والخرافات المسيطرة على بعض العقول والافهام ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ) ، والعدوى : هي انتقال المرض من المريض إلى الصحيح ، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون أيضا في الأمراض المعنوية الخلقية ، ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن جليس السوء كنافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة كريهة. فقوله صلى الله عليه وسلم : (لاَ عَدْوَى) يشمل الحسية والمعنوية ، وإن كانت في الحسية أظهر ، وقد كان بعض الناس يعتقد أن العدوى والمرض ينتقل بذاته ، وينتقل بنفسه، ويعدي بطبعه ،من دون قدر الله ولا مشيئته، وهذا الاعتقاد ،وهذا الفهم بهذه الصورة باطل، لأن الأمور كلها تقع بمشيئة الله وتقديره ، فما شاء الله كان ، وما لم يشأ لم يكن ، وكانت العرب تعتقد العدوى ، ويقولون: إنه إذا خالط المريض الأصحاء؛ أصيبوا بمثل مرضه، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ عَدْوَى » . فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ أَرَأَيْتَ الإِبِلَ تَكُونُ فِي الرِّمَالِ أَمْثَالَ الظِّبَاءِ فَيَأْتِيهِ الْبَعِيرُ الأَجْرَبُ فَتَجْرَبُ . قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « فَمَنْ أَعْدَى الأَوَّلَ » فالمعنى نفي العدوى التي كان يعتقدها الجهال من المشركين، وأن المرض كالجرب ونحوه يعدي بطبعه ، وكل هذا يخالف عقيدة المؤمن ، والذي يعتقد أن الأمر كله لله ، وبمشيئته وتقديره ، وأنه قادر على أن يمرض هذا ، ولا يمرض ذاك ، ويشفي هذا ، ولا يشفي الآخر ، فهو على كل شيء قدير ، وبكل شيء محيط ، وهو صاحب الأمر من قبل ومن بعد . أما كون الخلطة تؤثر، فهذا لم ينفه النبي ﷺ، بل الخلطة قد تؤثر، وقد لا تؤثر ، كل ذلك بحسب مشيئة الله ، وقد ينتقل المرض من المريض إلى الصحيح بسبب الخلطة بأمر الله وبإذنه جل وعلا ، وفي الصحيحين : (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ » والمعنى: لا يورد صاحب إبل مراض على صاحب إبل صحاح؛ من باب تجنب أسباب حصول المرض، وقد روى البخاري في صحيحه : أن (أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ عَدْوَى وَلاَ طِيَرَةَ وَلاَ هَامَةَ وَلاَ صَفَرَ ، وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ »؛ فالأمر بالفرار من المجذوم لكي لا تقع العدوى منه إليك ، وفيه إثبات لتأثير العدوى ،ولكن تأثيرها ليس أمرا حتميا ، بحيث تكون علة فاعلة ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالفرار ، وأن لا يورد ممرض على مصح ،من باب تجنب الأسباب ،لا من باب تأثير الأسباب نفسها ؛ فالأسباب لا تؤثر بنفسها ، لكن ينبغي لنا أن نتجنب الأسباب التي تكون سببا للبلاء لقوله تعالى : (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) البقرة 195 ،فلا يمكن أن يقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ينكر تأثير العدوى ؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الواردة في هذا الشأن .
ومن المعلوم أن الشيء قد يكون له سبب معلوم ،وقد لا يكون له سبب معلوم ، فَجَرَبُ الأول ليس سببه معلوما ؛ إلا أنه بتقدير الله تعالى ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم ، لكن لو شاء الله تعالى لم يجرب ، ولهذا أحيانا تصاب الإبل بالجرب ، ثم يرتفع ولا تموت ، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية ، وقد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ويسلم آخرون ولا يصابون .فعلى الإنسان أن يعتمد على الله ، ويتوكل عليه ، وفي سنن ابن ماجة وغيره (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَخَذَ بِيَدِ رَجُلٍ مَجْذُومٍ فَأَدْخَلَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ ثُمَّ قَالَ : « كُلْ ثِقَةً بِاللَّهِ وَتَوَكُّلاً عَلَى اللَّهِ ». فالشريعة أمرت باجتناب أسباب المرض ، مع الإيمان بأن الأمور بيد الله ،وأنه لا يقع شيء إلا بقضائه وقدره، أما اعتقاد المشركين بأن العدوى تنتقل حتماً بنفسها وطبعها فهذا باطل، وأما كونه ينتقل بإذن الله إذا شاء فهذا واقع، وإنما قال صلى الله عليه وسلم (لاَ عَدْوَى) ، لبيان أن الأمور بيد الله، وليتضح للناس أن المرض لا يعدي بطبعه، وأنه إنما ينتقل بقدر الله، وهذا الحديث يتوافق مع أحدث معطيات الطب في موضوع العدوى، فلا ينبغي لك أن تدخل بلدةً موبوءة، ولا أن تخرج من بلدةٍ موبوءة، ولو كنت صحيحاً، فربَّما كنت تحمل المرض ولست مريضاً، والنبي أشار إلى أرقى الحقائق التي عرفها العلم الصحيح بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ أُسَامَةُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ ». وَقَالَ أَبُو النَّضْرِ « لاَ يُخْرِجُكُمْ إِلاَّ فِرَارٌ مِنْهُ ».
أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وَلاَ طِيَرَةَ) فالطيرة هي التشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم ، والعرب كانوا إن طار طائرٌ عن يمينهم تفاءلوا، وإن طار طائرٌ عن شمالهم تشاءموا، فالطائر الذي يطير عن اليمين اسمه السانح، والطائر الذي يطير عن الشمال اسمه البارح، فإذا طار طائرٌ عن شمالهم تشاءموا، وهذا التشاؤم ليس له أصل إطلاقاً، ولا ينطبق على الحقيقة، وهو من فعل الشيطان، فلذلك لا ينبغي للإنسان أن يتشاءم ؛ لا من رقم، ولا من يوم، ولا من شخص قال الله تعالى :(طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) [يس : 19]،فالإنسان أخطاؤه وذنوبه تسبب له المتاعب ؛ واستقامته وإخلاصه تسبب له البهجة والسعادة، فسعادتك منك، وشقاؤك منك، ولا علاقة لأحدٍ بذلك، وهذه هي الحقيقة، أما أن تعزو هذا الشر إلى فلان، وهذا الشر إلى هذا الرقم، وهذا الشر إلى هذا اليوم، وهذا البيع الذي لم ينعقد إلى فلان، لما دخل لم ينعقد البيع، فهذا كله كلام لا معنى له، أما الذي يقرأ في الأبراج في المجلات فقد وقع في الكفر، وهو لا يدري، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(مَنْ أَتَىْ كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) [من سنن ابن ماجة : عن أبي هريرة] ،فهذه كهانةٌ لا معنى لها ،وقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) [رواه مسلم]
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم : (وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ ، قَالُوا وَمَا الْفَأْلُ قَالَ « كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ »، وفي رواية للبخاري: (وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ ، الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ »، وفي رواية لمسلم : (وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ». فالتفاؤل سنة نبوية، وصفة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه سلامة نفس ،وهمة عالية، ويزرع فيه الأمل، ويحفزه على الهمة والعمل، والتفاؤل ما هو إلا تعبير صادق عن الرؤية الطيبة والإيجابية للحياة . وفي المقابل هناك علاقة وطيدة بين التشاؤم وكثير من مظاهر الاعتلال النفسي وضعف الهمة، حيث يجعل صاحبه ينتظر حدوث الأسوأ، ويتوقع الشر والفشل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره التشاؤم، ويحب الفأل الحسن الذي له علاقة بالعمل والأمل، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك) رواه أبو داود، قال النووي: «الطيرة شرك أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد». والتفاؤل نور في الظلمات، ومخرج من الأزمات والكربات، وهو سلوك نفسي حث عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله وفعله، وهو مقرون بالإيمان بالله ـ عز وجل ـ، ومعرفته بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، لأن المؤمن يستشعر معية الله {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}التوبة: 40 ، كما يعرف ربه بأسمائه الحسنى وأنه أرحم الراحمين : {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:64)، وأنه سبحانه لطيف بالعباد، قال تعالى : {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} (الشورى: 19)، وأنه تعالى وسعت رحمته كل شيء ، قال تعالى :{وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف: 156)، وأنه يدافع عن المؤمنين، قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج: 38)، وأنه تعالى واسع المغفرة ، وقابل التوب ،وغافر الذنب، قال تعالى :{غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غافر:3)، وأنه سبحانه ناصر لعباده المؤمنين، قال تعالى : {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51)، وغيرها من صفات الله الحسنى التي تجعل المؤمن في تطلع للأمل، وتوقع للخير، وانتظار دائم للفرج، وهذه كلها تصب في معنى التفاؤل الذي أمر به وحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وربَّى عليه أصحابه رضوان الله عليهم ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ عَدْوَى ، وَلاَ طِيَرَةَ ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بتحقق سمة التفاؤل في شخصه، بل كان يربي أصحابه عليها ويعلمهم إياها، ففي أشد المواقف وأصعبها كان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس أصحابه الضعفاء والمضطهدين التفاؤل والأمل، وعدم اليأس، واليقين بموعود الله ونصره لعباده المؤمنين. وروى البخاري في صحيحه : (عَنْ عَدِىِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ ، فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ . فَقَالَ « يَا عَدِىُّ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ » . قُلْتُ لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا . قَالَ « فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ ، حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ ، لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ » – قُلْتُ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِى فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ « وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى » .قُلْتُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ قَالَ « كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ ، لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ ، فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ ، وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ .فَيَقُولَنَّ أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ فَيَقُولُ بَلَى . فَيَقُولُ أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ فَيَقُولُ بَلَى . فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ » . قَالَ عَدِىٌّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقَّةِ تَمْرَةٍ ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شِقَّةَ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ » . قَالَ عَدِىٌّ فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ ، لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ ،وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ – صلى الله عليه وسلم – « يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ » ، وعَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ ، قُلْنَا لَهُ أَلاَ تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا قَالَ « كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ ، فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ ، فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ ، مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ ، لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ » رواه البخاري. وفي مقابل اعتنائه صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه وتربيتهم على التفاؤل الذي يبعث على الأمل والعمل، والصبر والثبات على الدين، كان يحذرهم من النظرة التشاؤمية التي تقعدهم عن العمل والدعوة، وتدفعهم للإحباط واليأس الذي لا يرى في الناس أملاً لصلاح أو هداية، فقد روى مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ . فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ ». قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لاَ أَدْرِى أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ. قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: «الرفع أشهر ومعناه أشدهم هلاكا، وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين، لا أنهم هلكوا في الحقيقة».
أيها المسلمون
وإن المتأمِّل في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدها نبعًا ثريَّا لكل الأخلاق الطيبة، والصفات النبيلة، وكيف لا تكون سيرة ـ نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك وقد اصطفاه الله على بني آدم، وختم به أنبياءه ورسله .. فما أحوجنا إلى اتباع هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التفاؤل بل في حياته وأخلاقه كلها، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21). وللتفاؤل فوائد متعددة ، وثمار كثيرة ، فمن فوائد التفاؤل: – حسن الظن بالله تعالى، وأنه يجلب السعادة إلى النفس والقلب ،وأن فيه ترويح للمؤمن وسرور له ، وفي الفأل تقوية للعزائم، ومعونة على الظفر، وباعث على الجد. وفي التفاؤل اقتداء بالسنة المطهرة، وأخذ بالأسوة الحسنة، حيث كان المصطفى -صلى الله عليه وسلم- يتفاءل في حروبه وغزواته
الدعاء