خطبة عن ستر الله وحديث (سَتَرْتُ عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا،فَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ)
سبتمبر 2, 2017خطبة عن ( كتائب الحق )
سبتمبر 9, 2017الخطبة الأولى (لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا) (71) النساء 71، وقال الله تعالى : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ) النساء 102، وروى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – أَنَّهُ قَالَ « لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ »
إخوة الإسلام
إن المؤمن كيس فطن ، فهو حازم لا يستغفل ، وهو حذر فلا يخدع مرة بعد أخرى ، وقد ورد في أسباب هذا الحديث « لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ »، ما جاء في سنن البيهقي :(عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ : أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزَّةَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيَّ وَكَانَ شَاعِرًا وَكَانَ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي خَمْسَ بَنَاتٍ لَيْسَ لَهُنَّ شَيْءٌ فَتَصَدَّقْ بِي عَلَيْهِنَّ فَفَعَلَ وَقَالَ أَبُو عَزَّةَ : أُعْطِيكَ مَوْثِقًا أَنْ لاَ أُقَاتِلَكَ وَلاَ أُكَثِّرَ عَلَيْكَ أَبَدًا فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إِلَى أُحُدٍ جَاءَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ فَقَالَ : اخْرُجْ مَعَنَا. فَقَالَ : إِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُ مُحَمَّدًا مَوْثِقًا أَنْ لاَ أُقَاتِلَهُ. فَضَمِنَ صَفْوَانُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِهِ مَعَ بَنَاتِهِ إِنْ قُتِلَ وَإِنْ عَاشَ أَعْطَاهُ مَالاً كَثِيرًا فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى خَرَجَ مَعَ قُرَيْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ فَأُسِرَ وَلَمْ يُؤْسَرْ غَيْرُهُ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّمَا أُخْرِجْتُ كَرْهًا وَلِى بَنَاتٌ فَامْنُنْ عَلَىَّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَيْنَ مَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ لاَ وَاللَّهِ لاَ تَمْسَحُ عَارِضَيْكَ بِمَكَّةَ تَقُولُ سَخِرْتُ بِمُحَمَّدٍ مَرَّتَيْنَ ». قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنَ يَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ قَدِّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ». فَقَدَّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ ).
أيها المسلمون
الأصل في المؤمن أن يكون فطناً حذرا ، آخذاً بالأسباب ، رابطاً إياها بالمسببات والنتائج ، وهذا الحديث المتقدم إنما هو مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم: لبيان كمال احتراز المؤمن ويقظته، وأن المؤمن يمنعه إيمانه من اقتراف السيئات التي تضره مقارفتها، وأنه متى وقع في شيء منها، فإنه في الحال يبادر إلى الندم والتوبة والإنابة. فالمؤمن يحذر غاية الحذر من ذلك السبب الذي أوقعه في الذنب، كحال من أدخل يده في جحر فلدغته حية أو عقرب ، فإنه بعد ذلك لا يكاد يدخل يده في ذلك الجحر، لما أصابه فيه أول مرة. ومن أمثلة ذلك أن ينخدع المؤمن بقول كاذب أو عهد منافق بعدما جرب عليه الكذب والخيانة ، فإذا كان زيد من الناس خدعه مرة، فليحذره حتى لا يخدعه مرة أخرى، وإذا كان عمرو ظلمه في معاملة، فليحذر أن يخدعه ويظلمه في معاملة أخرى، وهكذا، ينبغي للمسلم توقي الشر ممن خدعه أولاً أو أضره أولاً.وكما أن الإيمان يحمل صاحبه على فعل الطاعات، ويرغبه فيها، ويحزنه لفواتها، فكذلك يزجره عن مقارفة السيئات، وإن وقعت بادر إلى النزوع عنها، ولم يعد إلى مثل ما وقع فيه. وفي هذا الحديث المتقدم : يحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحزم والكيس في جميع الأمور. ومن لوازم ذلك: أن يعرف المسلم الأسباب النافعة ليقوم بها، والأسباب الضارة ليتجنبها. فالمعنى الاجمالي للحديث : التحذير من التغفل وتكرار الخطأ، والحث على التيقظ واستعمال الفطنة. وقد نقل الحافظ في الفتح عن أبي عبيد قال: معناه لا ينبغي للمؤمن إذا نكب من وجه أن يعود إليه.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لاَ يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لقد ضرب لنا سلفنا الصالح المثل في الذكاء والفطنة وسرعة البديهة ، وفي فطنة وذكاء سلفنا الصالح لنا دروس ، ولنا فيها عبر : قال أبو عاصم النبيل: رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يُفْتِي وقد اجتمع النَّاس عليه وآذَوْه، فقال: ما هاهنا أحدٌ يأتينا بشرطيٍّ؟ فقلت: يا أبا حنيفة، تريد شرطيًّا؟ قال: نعم. فقلت: اقرأ عليَّ هذه الأحاديث التي معي. فقرأها، فقمتُ عنه، ووقفتُ بحذائه، فقال لي: أين الشرطيُّ؟ فقلت له: إنَّما قلتُ تريد، لم أقل لك أجيء به!! فقال: انظروا، أنا أحتال للنَّاس منذ كذا وكذا، وقد احتال عليَّ هذا الصبيُّ ، وقال الحميدي: كنا عند سفيان بن عيينة فحدَّثنا بحديث زمزم؛ أنه لما شرب له فقام رجلٌ من المجلس، ثمَّ عاد، فقال له: يا أبا محمدٍ، أليس الحديث الذي حدثتنا في زمزم صحيحًا؟ فقال: نعم. قال: فإني قد شربت الآن دلوًا من زمزم على أنك تحدثني بمائة حديثٍ. فقال سفيان: اقعد. فحدَّثه بمائة حديثٍ . وعن الرشيد أنه كان في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين. ولم يُرِدْ أن يقول الخيزران، لموافقته اسم أُمِّ الرشيد ، وقال إبراهيم بن المنذر الحزاميُّ: قدم أعرابيُّ من أهل البادية على رجلٍ من أهل الحضر، فأنزله، وكان عنده دجاجٌ كثيرٌ، وله امرأة وابنان وبنتان، قال: فقلت لامرأتي: اشوي دجاجةً، وقدميها إلينا؛ نتغدى بها. وجلسنا جميعًا ودفعنا إليه الدجاجة، فقلنا: اقسمها بيننا. نريد بذلك أن نضحك منه، قال: لا أُحْسِن القسمة، فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم. قلنا: نرضى. فأخذ رأس الدجاجة فقطعه، فناولنيه، وقال: الرأس للرئيس. ثم قطع الجناحين، وقال: الجناحان للابنين. ثم قطع الساقين، وقال: الساقان للابنتين. ثم قطع الزَّمِكَّى، وقال: العجز للعجوز. ثم قال: والزَّوْر للزائر. فلمَّا كان من الغد، قلت لامرأتي: اشوي لي خمس دجاجاتٍ. فلمَّا حضر الغداء، قلنا: اقسم بيننا. قال: شفعًا أو وترًا؟ قلنا: وترًا. قال: أنت وامرأتك ودجاجةٌ ثلاثةٌ. ثم رمى بدجاجةٍ، وقال: وابناك ودجاجةٌ ثلاثةٌ. ورمى إليهما بدجاجةٍ، وقال: وابنتاك ودجاجةٌ ثلاثةٌ. ثم قال: وأنا ودجاجتان ثلاثةٌ. فأخذ الدجاجتين، فرآنا ننظر إلى دجاجتيه، فقال: لعلَّكم كرهتم قسمتي الوتر. قلنا: اقسمها شفعًا. فقبضهن إليه، ثم قال: أنت وابناك ودجاجةٌ أربعةٌ. ورمى إلينا دجاجة، ثم قال: والعجوز وابنتاها ودجاجةٌ أربعة. ورمى إليهنَّ دجاجةٌ، ثم قال: وأنا وثلاث دجاجات أربعةٌ. وضمَّ ثلاث دجاجاتٍ، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال: الحمد لله أنت فهَّمْتَنِيهَا .. أيها المسلمون : فليكن المؤمن حازما حذرا لا يؤتى من ناحية الغفلة فيخدع مرة بعد أخرى، وقد يكون ذلك في أمر الدين ،كما يكون في أمر الدنيا ،وهو أولاهما بالحذر.
الدعاء