خطبة عن: الله سبحانه وتعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)
يناير 15, 2022خطبة حول حديث ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً)
يناير 22, 2022الخطبة الأولى ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا »
إخوة الإسلام
لقد تنوعت أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في توجيه الأمة الاسلامية إلى الخير، بين التوجيه المباشر ، والتوجيه غير المباشر، وفي هذا الحديث النبوي الكريم يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته إلى فعل الخيرات ، والمسارعة إلى الطاعات ، فيقول صلى الله عليه وسلم : (لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ) ، فهذا التوجيه النبوي العظيم فيه ترغيبٌ وتحفيزٌ وحثٌّ على فضائل الأعمال المتعلقة بالأذان والصلاة والتبكير إليها ، والمعنى : لو يعلم الناس فضل الأذان وثوابه ، لحرصوا عليه حرصًا شديدًا ، ولتنافسوا عليه تنافسًا يجعلهم يقترعون على القيام به. وقد ورد في أحاديث أخرى التصريح بثواب الأذان، ومنها: أن المؤذنين يكونون أطول الناس أعناقًا يوم القيامة؛ كما في صحيح مسلم : (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ عَمِّهِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِى سُفْيَانَ فَجَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ يَدْعُوهُ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». ومنها: أنه لا يسمع صوت المؤذن شيء إلا شهد له يوم القيامة، ففي صحيح البخاري : (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ « إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ ، فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ » قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم -) ، وأما فضل الصف الأول : فقد أدرك السلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين عظم ثواب الحرص على تكبيرة الإحرام والصف الأول ، فكانوا يتسابقون إلى ذلك ،ويحرصون عليه، حتى لا يفوتهم فضل ذلك، يقول ربيعة بن يزيد: “ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد، إلا أن أكون مريضًا أو مسافرًا”، ويقول سعيد بن المسيب: “ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة، وما نظرت في قفا رجلٍ في الصلاة منذ خمسين سنة”، ويقول وكيع بن الجراح: “كان الأعمش قريبًا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى”، بل كانوا لا يأبهون بمن يتهاون في الحرص على تكبيرة الإحرام، يقول إبراهيم النخعي: “إذا رأيت الرجل يتهاون بالتكبيرة الأولى فاغسل يديك منه”. ثم قال صلى الله عليه وسلم : «ولوْ يعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِير لاسْتبَقوا إَليْهِ» ، والمعنى: لو يعلم الناس فضل التبكير والمسارعة إلى الصلوات قبل دخول أوقاتها لما تركوا ذلك التبكير أبدًا. وهذه الفضيلة غائبة للأسف الشديد في عصرنا الحاضر بسبب التراخي والتسويف والتكاسل ، بينما كان سلفنا الصالح أحرص ما يكون على التبكير إلى الصلاة، وإدراك تكبيرة الإحرام والصف الأول، بل ومجيئهم إلى الصلاة قبل سماع الأذان؛ لأن منتظر الصلاة يُكتب له أجر الصلاة ما دام ينتظرها، ففي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ ، وَالْمَلاَئِكَةُ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ . مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ صَلاَتِهِ أَوْ يُحْدِثْ » ، وفي رواية مسلم : « لاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاَةُ تَحْبِسُهُ لاَ يَمْنَعُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ الصَّلاَةُ ». ثم يختم النبي صلى الله عليه وسلم الحديث بقوله: «ولَوْ يعْلَمُون مَا فِي العَتَمَةِ والصُّبْحِ لأتوهما ولَوْ حبوًا» يريد فضل اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار في الصبح، لقوله تعالى: {إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، والمقصود بالعتمة هنا: صلاة العشاء ، وإنما سماها العتمة لأنهم كانوا يسمون المغرب عشاء فلو قال العشاء لربما تبادر إلى الأذهان أنه يعني المغرب فيفوت المقصود
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ لاَسْتَهَمُوا عَلَيْهِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويتعلق بهذا الحديث النبوي الكريم فوائد جمة ، وثمرات متعددة ، ومنها : الفائدة الأولى : أن الصف الأول في الصلاة هو أفضل صفوف المصلين، وفيه فضل عظيم؛ فينبغي للمصلي الحرص على أن يكون دائمًا في الصف الأول، ولا ينبغي لمن جاء مبكرًا أن يتأخر عن الصف الأول إلا لعذر، وقد روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ « تَقَدَّمُوا فَائْتَمُّوا بِي وَلْيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لاَ يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ ». قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: من جاء أول الناس وصف في غير الأول، فقد خالف الشريعة ، ومن ترك الصف الأول فقد حرَم نفسه خيرًا كثيرًا، الفائدة الثانية : التهجير هو: التبكير في الذهاب إلى المسجد، وفيه من الفضل العظيم، وما يترتب عليه من الفوائد، ومنها: إدراك الصف الأول، وإدراك الصلاة من أولها، وأداء النافلة، وقراءة القرآن، وحصول استغفار الملائكة له، وأنه لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة، وغير ذلك. الفائدة الثالثة : يجب الاهتمام بأداء الصلوات جميعًا مع الجماعة، وبخاصة صلاتي العشاء والفجر، والاهتمام بهما علامة على صحة الإيمان والبُعد عن النفاق؛ ففي الصحيحين :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّىَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ ». فقد أعد الله لمن حرص عليهما فضلًا كبيرًا، عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : (وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا) يعني: من الأجر، (لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا )، وهذا دليل على فضل كبير ادخره الله تعالى لمن حافظ عليهما مع جماعة المسلمين؛ إذ إن قوله صلى الله عليه وسلم: (لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا)، معناه: حضروا هاتين الصلاتين مع الجماعة في المسجد، ولو مع المرض المقعد لهم عن المشي، وما ذلك إلا لعظيم فضلهما عند الله تعالى، ومع كل هذا الفضل فإن كثيرًا من الناس يتخلفون عن صلاة الفجر مع الجماعة؛ فاحذر أن تكون منهم.
الدعاء