خطبة عن حديث (فَتَخْرُجُ بِطَاقَةٌ فِيهَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ)
يوليو 20, 2019خطبة عن قوله تعالى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ)
يوليو 20, 2019الخطبة الأولى ( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن ، وصححه الألباني : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلاَنِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِى مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِى إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِى عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ».
إخوة الإسلام
لقد حذرنا الله عز وجل ، وحذرنا رسوله صلى الله عليه وسلم من مخالفة شرعه ،واتباع سنن الكافرين ، وخاصة أهل الكتابين، وأخبرنا في هذا الحديث المتقدم أن بعض أمته ستتبع السنن الماضية الضالة، وأنها ستفترق كما افترقوا. وفي هذا بيان أن تقليد الكفرة ،واتباع طريقتهم ،وسيرتهم ،من أسباب الفرقة التي دبت في الأمة، وفي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِى بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا ، شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ »فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ .فَقَالَ « وَمَنِ النَّاسُ إِلاَّ أُولَئِكَ » ،وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ أَبِى وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا خَرَجَ إِلَى خَيْبَرَ مَرَّ بِشَجَرَةٍ لِلْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ يُعَلِّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «سُبْحَانَ اللَّهِ هَذَا كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) الأعراف: 138 ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَرْكَبُنَّ سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ » ،ويقول ابن تيمية: ” فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيكون في أمته مضاهاة لليهود والنصارى ،وهم أهل الكتاب، ومضاهاة لفارس والروم وهم الأعاجم. وقد كان صلى الله عليه وسلم ينهى عن التشبيه بهؤلاء وهؤلاء ” ،ولقد جاءت نصوص كثيرة تأمرنا بمخالفة الكفار، وتنهى عن التشبه بهم، ولقد خصت الفرقة بمزيد ذكر في كتاب الله عز وجل حيث جاء النهي عن مشابهة الكافرين في تفرقهم خاصة ، يقول الله عز وجل في محكم آياته : (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران : 105] . ويأمر الله عز وجل نبيه بمخالفة الكافرين وعدم اتباع أهوائهم، يقول عز وجل في كتابه الكريم : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ) [ الجاثية: 18]،
وإن الناظر لأحوال الأمة الآن يجد أن الفرقة قد دبت بين المسلمين ، وأن البدعة قد فشت فيهم، وأن في كثير منها مشابهة ومضاهاة للكافرين، مثل الغلو في الصالحين، وكتم العلم أو تحريفه كما فعلت اليهود، أو جحد الحق الذي مع المخالف كما فعلت اليهود والنصارى، والغلو في الدين ،والابتداع فيه ،من البناء على القبور، واتخاذ العبادات والأعياد التي لم يشرعها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ،وحاضر المسلمين اليوم شاهد على ذلك ،من ترك أكثرهم نصوص الوحيين ،وجريهم خلف الكافرين ،ومتابعة عوائدهم ،وسننهم ،سواء أكان على مستوى الدولة ،في السياسة والحكم، أو على مستوى الفرد في الأخلاق والسلوك ،مما يوهن جسد الأمة، ويبث الفرقة والاختلاف فيها كما هو واقع الآن. ولقد بين ابن تيمية رحمه الله الحكمة من النهي عن مشابهة الكافرين، والأمر بمخالفتهم، وأن في ذلك مزيد تمسك بالصراط المستقيم فقال: وإنما الغرض أن نبين ضرورة العبد وفاقته إلى هداية الصراط المستقيم، وأن ينفتح باب إلى معرفة الانحراف . وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالحكمة، وكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يباين سبيل المغضوب عليهم والضالين، فأمر بمخالفتهم في الهدي الظاهر لأمور منها: أن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تناسبا وتشاكلا بين المتشابهين، يقود إلى موافقة ما؛ في الأخلاق والأعمال. ومنها: أن المخالفة في الهدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب الانقطاع عن موجبات الغضب وأسباب الضلال، والانعطاف على أهل الهدى والرضوان، وتحقق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين. وكلما كان القلب أتم إيمانا، وأعرف بالإسلام ، كان إحساسه بمفارقته اليهود والنصارى باطنا وظاهرا أتم وأكمل، وبعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشد. ومنها: أن مشاركتهم في الهدي الظاهر توجب الاختلاط الظاهر حتى يرتفع التميز ظاهرا بين المهديين المرضيين، وبين المغضوب عليهم والضالين ” وإن صاحب هذا التقليد للكافرين هوى في النفوس كان أدهى وأمر، وأشد تفريقا للأمة، لما في اتباع الهوى من صد عن الصراط المستقيم، كما يتضح بالآتي..
أيها المسلمون
وقد عين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الفرقة الناجية ،وببين بأنها المتمسكة بما كان هو صلى الله عليه وسلم وأصحابه عليه، وقد عرف بحمد الله من له أدنى همة في الدين ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ،ونقلت إلينا أقوالهم وأفعالهم ،حتى أكلهم وشربهم ونومهم ويقظتهم ،حتى كأنا رأيناهم رأي عين ، فما كان عليه صلى الله عليه وسلم قد ظهر بحمد الله لكل إنسان فلا يمكن التباس المبتدع بالمتبع ،والفرقة الناجية هم المرادون بحديثه صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ » وروى الطبراني في معجمه : (عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لهذا الدين إقبالا وإدبارا ألا وإن من إقبال هذا الدين أن تفقه القبيلة بأسرها حتى لا يبقى إلا الفاسق والفاسقان ذليلان فيها إن تكلما قهرا واضطهدا ،وإن من إدبار الدين أن تجفوا القبيلة بأسرها فلا يبقى إلا الفقيه والفقيهان فهما دليلان إن تكلما قهرا واضهدا )
اقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِى مَا أَتَى عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويقول الدكتور/ سلمان بن فهد العودة تعليقا على هذا الحديث : هذه الأمة هي أفضل الأمم عند الله -تبارك وتعالى- فهي بيقين قطعي ، وبمحكمات الكتاب والسنة أفضل من الأمم السابقة، وأفضل من أمم أهل الكتاب؛ من اليهود في زمانهم، ومن النصارى في زمانهم، ولذلك قال الله سبحانه :(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس) [آل عمران:110]، وقال سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة:143]. والنصوص النبوية في ذلك متواترة مقطوع بها؛ فهذه الأمة هي أفضل الأمم، وينبغي ألا يفهم من الحديث أن الأمم السابقة أقل اختلافاً من هذه الأمة، وبالتالي هي أفضل أو أقل شراً. وقد عفا الله -تبارك وتعالى- لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان، كما في آخر سورة البقرة : (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286] وفي الحديث الصحيح: “إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ”. ورفع الله سبحانه وتعالى عن هذه الأمة الآصار والأغلال التي كانت على من كان قبلنا ، قال الله تعالى : (وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِم) [الأعراف:157]. وقد استشكل جمعٌ من أهل العلم كثرة الفرق في هذه الأمة، كما هو مذكور في الحديث، ويمكن أن يُجاب عن ذلك بأجوبة؛ منها: – طول عمر هذه الأمة وامتدادها كما هو معروف. – وأن تفرقها أهون شراً من تفرق غيرها من الأمم قبلها، وهو مُقابل بألوان من الخير والفضل تقابل النقص الحاصل به، والفرقة لا يلزم أن تكون كثيرة العدد؛ فلو أن اثنين افترقا لاعتبر فرقة، اذاً قد تكون ثلاث وسبعين فرقة، ومع ذلك لا تشمل إلا قسماً محدوداً من الأمة. – وإنما الإشكال الحقيقي لدى من يجعل نفسه الفرقة الناجية، ثم يصمُ الآخرين بالضلال ويتوعدهم بالنار، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : “إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ” . يعني: أشدهم هلاكاً، وفي رواية “أَهْلَكَهُمْ ” أي تسبب في هلاكهم. – ولم يكن من شأن السلف -رضي الله عنهم- الاشتغال بتعين هذه الطوائف، كما ذكر الشاطبي في الموافقات وابن تيمية وغيرهم، فإن ابن تيمية -رحمه الله- يقول: من كان من الثنتين والسبعين فرقة منافقاً؛ فهو كافر في الباطن، ومن لم يكن منافقاً في الباطن بل كان مؤمناً بالله ورسوله لم يكن كافراً وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه، وإذا قال المؤمن: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ) [الحشر:10]؛ فإنه يقصد كل من سبقه من قرون الأمة بالإيمان، وإن كان قد أخطأ في تأويل تأوله فخالف السنة، أو أذنب ذنباً؛ فإنه من إخوانه الذين سبقوه بالإيمان؛ فيدخل في العموم، وإن كان من الثنتين والسبعين فرقة؛ فإنه ما من فرقه إلا وفيها خلق كثير ليسوا كفاراً؛ بل مؤمنون فيهم ضلال وذنب يستحقون به الوعيد. وإن مثل هذا الحديث ينبغي أن يوضع في إطاره الصحيح، وإن كان ثابتاً عندنا إلا أنه ينبغي ألا يُتعدى به قدره، وألا يكون سبباً لإشاعة الفرقة والخلاف بين المؤمنين.
الدعاء