خطبة عن ( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ يُؤْمِنُونَ)
نوفمبر 6, 2022خطبة عن ( حروز الرحمن من كيد الشيطان)
نوفمبر 6, 2022الخطبة الأولى عن حديث ( مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الطبراني في الأوسط وصححه الألباني: (عن أبي هريرة أن رسول الله قال: مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه)
إخوة الإسلام
للعلم في الشريعة الاسلامية مقام عظيم، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء، وقد فُضل العالم على العابد ،ففي سنن الترمذي وأبي داود : (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ ذُكِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا عَابِدٌ وَالآخَرُ عَالِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِى عَلَى أَدْنَاكُمْ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ »، وفي رواية : « مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ » رواه أبو داود، فالعُلُماءُ هُمْ وَرَثَةُ الأنْبياءِ، يُعلِّمون الناسَ الخيرَ، ويَهْدُونَهم طريقَ الهدايةِ إلى الآخِرَةِ، ولا بُدَّ للعالِمِ من أنْ يَنْقُلَ عِلمَهُ إلى غيرِهِ؛ ممَّنْ هو له أهْلٌ، فينالُ الجميعُ الأجْرَ والثَّوابَ والنَّفْعَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، فالعلماء هم أمناء الله على خلقه؛ لحفظهم الشريعة من تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين ، وقد أوجب الحق سبحانه وتعالى سؤالهم عند الجهل، فقال الله تعالى: (فاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ) [النحل: 43] ،فهم أطباء الناس على الحقيقة، إذ مرض القلوب أكثر من الأبدان، فالجهل داء، والعلم شفاء هذه الأدواء، ففي سنن أبي داود : (عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلاً مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ ثُمَّ احْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ فَقَالُوا مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ « قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَلاَّ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ ». أَوْ « يَعْصِبَ ». شَكَّ مُوسَى « عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ».
ولأهمية العلم في الإسلام؛ فقد أنزَلَ الله تعالى أول خمس آيات من القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم تتحدث عن العلم بصفة شاملة، وهي قوله تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1 – 5] ،وعلى العالم أن يفيض من علمه على مستحقه لوجه الله تعالى, ولا يرى نفسه عليهم منةً, كما ينبغي الإخلاص لله في طلب للعلم، فقد روى أبو داود بسند صحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللهِ عز وجل لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» يَعْنِي رِيحَهَا .
أيها المؤمنون
وإذا كان طلب العلم أجره عظيما، فإن كتمان العلم ذنب عظيم، وقد حَذَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ كِتْمَانِ العِلْمِ وَعَدَمِ تَبْلِيغِهِ، لَاسِيَمَا إِذَا دَعَتِ إِلَيْهِ الْحَاجَةُ، وَبَيَّنَ صلى الله عليه وسلم أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ سَيُجَازَى عَلَى فِعْلِهِ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهِ، ففي سنن أبي داود : (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». أَيْ أُدْخِلَ فِي فَمِهِ لِجَامٌ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَزَاءً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ مَا إِذَا كَانَ السَّائِلُ لَيْسَ أَهْلًا لِلإِجَابَةِ أَوْ كَانَ الْعِلْمُ غَيْرَ ضرُورِيٍّ، فزكاةُ العِلمِ نَشرُه وإذاعتُه، وقدْ أخَذَ اللهُ الميثاقَ على الذين أُتوا الكتاب والعلمَ أنْ يُبيِّنوه للناسِ، وحذَّرَ مِن منْعِه وكتْمِه عن النَّاسِ مع حاجتهم إليه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (159) ،(160) البقرة، وهذه الآية – وإن نزلت في اليهود فإنها عامة في كل كاتم ، إذ العبرة بعموم اللفظ ، لا بخصوص السبب.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
فمن علم من الدين شيئاً، فيجب عليه أن يعلمه لكل من كان في حاجة إليه، سواء تعلمه في الأصل لمجرد أن يعمل به أم لا، ومن المعلوم أن بث العلم ونشره من الأعمال التي لا تنقطع بموت صاحبها ، بل يظل أجره سارياً عليه ما دام هنالك من يعلمه أو يعمل به، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ». فالواجب على أهل العلم بيان الحق وعدم كتمانه، وكذلك يجب القول فيما سُئلوا عنه مما يعلمونه، ويجب عليهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالله تعالى أخذ على أهل العلم الميثاق بأن يبينوا العلم ولا يكتموه، وذم كاتميه فقال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ} [آل عمران: 187]،
الدعاء