خطبة عن (دروس وعبر من قصة ذي القرنين)
ديسمبر 2, 2017خطبة عن ( صلاة الجماعة وفضائلها )
ديسمبر 9, 2017الخطبة الأولى ( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه أن (جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : لَدَغَتْ رَجُلاً مِنَّا عَقْرَبٌ وَنَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْقِى قَالَ « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ ».
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر في قوله صلى الله عليه وسلم « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ » يجد أن فيه حثا وتنبيها للمسلمين بالمسارعة في تقديم العون ، والنفع للمسلمين ، فخير الناس أنفعهم للناس ، وكل معروف تبذله للناس فهو صدقة ،كما في الصحيحين :(عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ ». وفي الصحيحين : (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كُلُّ سُلاَمَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ – قَالَ – تَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ – قَالَ – وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ وَكُلُّ خَطْوَةٍ تَمْشِيهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ ». ولا ينبغي للمسلم أن يحتقر معروفا مهما كان قليلاً ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ »، فالوجه الطلق نفع متعدي يدخل السرور على أخيك هذا صدقة في ميزانك ، وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُؤْمِنُ يَأْلَفُ وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ لاَ يَأْلَفُ وَلاَ يُؤْلَفُ ». واعلم أخي أن الأجر في نفع المسلمين عظيم ، فقد جاء في صحيح مسلم (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وزاد ابن أبي الدنيا في رواية بسند حسن : ( ومن مشى مع مظلوم حتى يُثبت له حقه ثبَت الله قدميه على الصراط يوم تزل الأقدام ) . وكان علي بن الحسين العالم العابد – رحمه الله – يحمل الخبز إلى بيوت المساكين في الظلام فلما مات فقدوا ذلك ، فعلم هؤلاء الفقراء أنه هو الذي كان يتصدق عليهم رحمه الله .وقال ابن القيم – رحمه الله – في وصف شيخ الإسلام ابن تيميه : كان شيخ الإسلام يسعى سعيا شديداً لقضاء حوائج الناس .
أيها المسلمون
ومما يحث عليه قوله صلى الله عليه وسلم « مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ »، تعليم الناس العلم ،ويشمل ذلك علوم الدين ،وعلوم الدنيا النافعة ،والتي يحتاجها المسلمون، وثواب من علم الناس الخير عظيم ، ومن ذلك أن له مثل ثواب من عمل بذلك العلم، فقد ثبت (أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا فَلَهُ أَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهِ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْعَامِلِ ».رواه ابن ماجه ، وروى البخاري :(عَنْ عُثْمَانَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ » ، وقد ضرب الرسول – صلى الله عليه وسلم – مثلا لهذا الذي يعلم الناس الخير كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا فقبلت الماء وانبتت الكلأ والعشب الكثير ، ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَثَلِ الْغَيْثِ الْكَثِيرِ أَصَابَ أَرْضًا ، فَكَانَ مِنْهَا نَقِيَّةٌ قَبِلَتِ الْمَاءَ ، فَأَنْبَتَتِ الْكَلأَ وَالْعُشْبَ الْكَثِيرَ ، وَكَانَتْ مِنْهَا أَجَادِبُ أَمْسَكَتِ الْمَاءَ ، فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ ، فَشَرِبُوا وَسَقَوْا وَزَرَعُوا ..) ، ومن صور النفع للناس : إرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم ، وستر عوراتهم ، وسد خلتهم ، دفع المضرة عنهم ، وجلب المنفعة لهم ،والذب عن أموالهم وحماية أعراضهم ، والدعاء لهم ، والإصلاح بين المتخاصمين منهم .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي الحديث المتقدم أيضا استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم ،بما لا بأس به من الرقى ، وذلك ما كان معناه مفهوما ومشروعا ، ففي الصحيحين (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا – أَوْ أُتِىَ بِهِ – قَالَ :« أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا » ، وفي صحيح الأدب المفرد للبخاري عن ابن عباس قال : ” كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا عاد المريض جلس عند رأسه ثم قال سبع مرات : (أسأل الله العظيم ـ رب العرش العظيم ـ أن يشفيك ) فإن كان في أجله تأخير عوفي من وجعه ذلك ” فللمسلم بذلك أجر عيادة المريض ، وأجر نفع أخيه برقيته . وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ ، فغير جائز . قال المناوي :” وقد تمسك ناس بهذا العموم ، فأجازوا كل رقية جربت منفعتها ، وإن لم يعقل معناها ، ولكن دل الحديث أن ما لا يعرف معناه لا يؤمن أن يؤدي إليه ، فيمنع احتياطا ” .ويؤيد هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن يرقي إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية ، و رآها مما لا بأس به . وأما الاسترقاء ، و هو طلب الرقية من الغير ، فهو و إن كان جائزا ، فهو مكروه ، كما يدل عليه الحديث ،الذي في الصحيحين واللفظ لمسلم :(عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِى سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ». قَالُوا مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « هُمُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَرْقُونَ وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَلاَ يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ».
الدعاء