خطبة عن (من وصايا رسول الله)
يوليو 4, 2024خطبة عن (احذر عقوق الوالدين)
يوليو 6, 2024الخطبة الأولى (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا ..لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
رُوي في سنن أبي داود وابن ماجة وصححه الألباني : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». يَعْنِى رِيحَهَا.
إخوة الإسلام
مما لا ريب فيه أن طلب العلم من أفضل القربات، ومن أسباب الفوز بالجنة والكرامة لمن عمل به، ومن أهم المهمات الإخلاص في طلبه، وذلك بأن يكون طلبه لله لا لغرض آخر؛ لأن ذلك هو سبيل الانتفاع به، وسبب التوفيق لبلوغ المراتب العالية في الدنيا والآخرة. والعلوم تنقسم إلى قسمين : قسم يراد به وجه الله ،وهو العلوم الشرعية ،وما يساندها من علوم عربية ، وقسم آخر علم الدنيا : كعلم الهندسة ،والبناء ،والميكانيكا وما أشبه ذلك ، وهذا العلم لا بأس أن يطلب الإنسان به عرض الدنيا ، فيتعلم الهندسة ليكون مهندسا ،يأخذ راتبا وأجرة ، ويتعلم الميكانيكا من أجل أن يكون ميكانيكيا ، يعمل ويكدح وينوي الدنيا ، فهذا لا حرج عليه أن ينوي في تعلمه الدنيا ، ولكن لو نوى نفع المسلمين بما تعلم لكان ذلك خيرا له ، وينال بذلك الدين والدنيا ، بمعنى لو قال أنا أريد أن أتعلم الهندسة من أجل أن أكفي المسلمين أن يجلبوا مهندسين كفارا مثلا لكان هذا طيبا ، أو يتعلم الميكانيكا من أجل أن يسد حاجة المسلمين فيما إذا احتاجوا ميكانيكيين فهذا خير وله أجره على ذلك ،لكن لو لم يرد إلا الدنيا فله ذلك ولا إثم عليه ،كالذي يبيع ويشتري من أجل زيادة المال، أما القسم الأول الذي يتعلم شريعة الله عز وجل ، وما يساندها ،فهذا علم لا يبتغي به إلا وجه الله ، فإذا أراد به الدنيا ، فإنه لا يجد ريح الجنة يوم القيامة ، وفي هذا الحديث وعيد شديد والعياذ بالله ، مما يدل على أن من قصد بتعلم الشرع شيئا من أمور الدنيا ، فإنه قد أتى كبيرة من كبائر الذنوب ، ولا يبارك له في علمه ،فمثلا : من قال أريد أن أتعلم من أجل أن أصرف وجوه الناس إلي ، حتى يحترموني ويعظموني ، وأريد أن أتعلم حتى أكون مدرسا فآخذ راتبا ،وما أشبه ذلك ، فهذا والعياذ بالله لا يجد ريح الجنة يوم القيامة ، وقد رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ رَأَى شَخْصًا يَلْعَبُ فَوْقَ الْحِبَالِ فَقَالَ : إِنَّ هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ،لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا ، وَأَصْحَابُنَا يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ : هَذَا الْوَعِيدُ مُطْلَقٌ إِنِ اسْتَحَلَّ ذَلِكَ ، لِأَنَّ تَحْرِيمَ طَلَبِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْقَصْدِ فَقَطْ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ، وَمَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَخْلَصَ قَصْدَهُ فَتَعَلَّمَ لِلَّهِ لَا يَضُرُّهُ حُصُولُ الدُّنْيَا لَهُ مِنْ غَيْرِ قَصْدِهَا بِتَعَلُّمِهِ ، بَلْ مِنْ شَأْنِ الْإِخْلَاصِ بِالْعِلْمِ أَنْ تَأْتِيَ الدُّنْيَا لِصَاحِبِهِ رَاغِمَةً ، كَمَا وَرَدَ في الحديث الذي رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ: ” مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ وَتَأْتِيهِ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ ” وأخرج الترمذي بإسناد فيه ضعف عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ ».وفي جامع العلوم والحكم : قال ابن مسعود : لا تعلّموا العلم لثلاث: لتماروا به السّفهاء، أو لتجادلوا به الفقهاء، أو لتصرفوا وجوه النّاس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله؛ فإنّه يبقى ويذهب ما سواه …” وقال ابن رجب : حب التفرُّد عن الناس بِفِعْل دِيني أو دنيوي : مذموم ، قال الله تعالى : (تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا) القصص 83، كما ثبت في الحديث الصحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ .. قَالَ نَعَمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ …(وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ وَقَرَأَ الْقُرْآنَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا قَالَ تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ. قَالَ كَذَبْتَ وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ عَالِمٌ. وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ هُوَ قَارِئٌ. فَقَدْ قِيلَ ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِىَ فِي النَّارِ. ) رواه مسلم. وعَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « بَشِّرْ هَذِهِ الأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الأَرْضِ فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الآخِرَةِ نَصِيبٌ » . رواه الإمام أحمد ، فالعِلْم الشرعي يجب أن يقود صاحبه إلى الله ، قال ابن المبارك رحمه الله : طلبنا العلم للدنيا فَدَلَّنَا على ترك الدنيا .
أيها المسلمون
فأوصي كل طالب علم، وكل مسلم بالإخلاص لله في جميع الأعمال عملا بقول الله سبحانه وتعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) الكهف (110) ، وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِى تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ ». فاحذر أخي طالب العلم احذر من النيات السيئة ، فالعلم الشرعي أعز وأرفع وأعلى من أن تريد به عرضا من الدنيا ، والعلم الشرعي هو من أجل العبادات وأفضل العبادات فلا تجعله سلما لتنال به عرضا من الدنيا ، فهذا سفه في العقل ،وضلال في الدين واجعل العلم الشرعي لله عز وجل ،ولحماية شريعة الله ،ورفع الجهل عن نفسك ،وعن إخوانك المسلمين ،وللدلالة على الهدى ،ولتنال ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ،لأن العلماء ورثة الأنبياء
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا .. لاَ يَتَعَلَّمُهُ إِلاَّ لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
واعلموا أن تحقيق الإخلاص لله تعالى، والتحرّز مما يقدح فيه، أمر يسير على من يسَّره الله له، ومفتاح تيسير هذا الأمر هو الالتجاء إلى الله تعالى وتعظيمه وإجلاله، وصدق الرغبة في فضله وإحسانه، والخوف من غضبه وعقابه، وأن تكون الآخرة هي أكبر همِّ المرء؛ ، فإن فساد النية لا يكون إلا بسبب تعظيم الدنيا وإيثارها على الآخرة، ومن ذلك تفضيل مدح الناس وثنائهم العاجل على ثناء الله على العبد في الملأ الأعلى، ومحبَّته له ومحبة الملائكة له تبعاً لمحبة الله تعالى. ، وهذا كله راجع إلى ضعف اليقين ، وإلا فمن أيقن أن الله تعالى يراه ويحصي عمله، ورغب في فضل الله وحسن جزائه في الدنيا والآخرة: لم يلتفت إلى ثناء الناس ومدحهم وطلب إعجابهم، بل يكون همُّه إحسانُ العملِ وإتقانه إرضاء لله تعالى، وتقرباً إليه، وطلباً لمحبته وحسن ثوابه. وقد بين الله تعالى هذا الأمر بياناً جلياً في آيات كثيرة وبينه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة ، فقد قال الله تعالى في محكم آيته لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (217) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (218) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ (219) إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) الشعراء (217) :(220) ، فيستغني العبد المؤمن برؤية الله تعالى له عن مراءاة غيره, وبثنائه جل وعلا عن طلب ثناء غيره. ومتى حصل هذا اليقين للعبد اضمحلت عنه دواعي الرياء والسمعة وتلاشت، وحل محلها عبودية الإحسان العظيمة فيعبد الله كأنه يراه. ثم إن من عرف الناس استراح فهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله، فضلاً عن أن يملكوا لغيرهم شيئاً من ذلك، بل إنهم لا يملكون الحب والبغض في قلوبهم التي في صدورهم حتى إن منهم من يحب ما يضره ويكره ما ينفعه، وربما أحب من لا يحبه، وأبغض من يحبه، وكم من محب أراد نفعاً فأضر، وكم من عدو أراد ضراً فنفع. فمعرفة حقيقة الناس وما يملكون تقطع عن العبد دواعي التعلق بهم ومراءاتهم، بل يرى أنه من السخف والسفه الاشتغال بهم عن طلب رضى الله عز وجل وتحقيق عبودية الإخلاص له جل وعلا. ولذلك كان من جزاء المؤمن المتقرب إلى الله بما يحب أن يحبه الله تعالى ويضع له القبول والمحبة في قلوب عباده كما قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا } مريم (96) ، قال ابن عباس: (محبة الناس في الدنيا). وقال مجاهد: (يحبهم ويحببهم إلى خلقه). وقال قتادة: (ما أقبل عبد إلى الله إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه، وزاده من عنده). وقال ابن كثير رحمه الله: (يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل، لمتابعتها الشريعة المحمدية -يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين مودة، وهذا أمر لا بد منه ولا محيد عنه). وروى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبَّهُ – قَالَ – فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ – قَالَ – ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضْهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِى فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلاَنًا فَأَبْغِضُوهُ – قَالَ – فَيُبْغِضُونَهُ ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ ». ،وفي صحيح ابن حبان (عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من التمس رضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس عنه ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس )
الدعاء