خطبة عن قدرة الله وعظمته (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ)
مارس 14, 2020خطبة عن التحذير من الابتداع في الدين (وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لم يبلغه ولَنْ يُصِيبَهُ)
مارس 14, 2020الخطبة الأولى (مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِىءٌ مِنْ ثَلاَثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وصححه الألباني : (عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلاَثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ ».
إخوة الإسلام
لقد بيَّنَ لنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الأعمالَ الفاضلةَ الَّتي تُدخِلُ الجنَّةَ برحمةِ اللهِ، كما بين لنا الأعمالَ السَّيِّئةَ الَّتي تحجُبُ عن الجنَّةِ، وتُرْدِي في النَّارِ؛ وذلك ليكونَ المُسلمُ على بَصيرةٍ من أمرِه ، وفي هذا الحديثِ النبوي الكريم ، يروي ثَوبانُ مَولى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: ” مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ “، أي: مَن فارقَتْ رُوحُه جسدَه، وهذا كِنايةٌ عن الموتِ، “وهو بَريءٌ مِن ثلاثٍ”، أي: وهو خالٍ ولم يقَعْ في إحدى هذه الخِصالِ، أو أنَّ مَن وقَعَ فيها، ثمَّ تاب عنها ورَدَّ الحُقوقَ لأصحابِها، “دخَلَ الجنَّةَ”، أي: كان حقًّا على اللهِ أنْ يُدخِلَه الجنَّةَ”، الأُولى : “مِن الكِبْرِ”، والكبر : هو بطَرُ الحقِّ وغَمْطُ الناسِ- كما فسَّره النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حديثٍ آخَرَ، وهو ما يأتي في النَّفْسِ مِن عُجْبٍ وتَعالٍ على خَلْقٍ مِن خلْقِ اللهِ، فالكبر أمره خطير ، وشره عظيم، وهو من كبائر الذنوب، قال الله تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ) (الأعراف 146)، وقال الله تعالى : (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (71) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (71) ،(72) الزمر ، فالنار أعدها الله للمتكبرين عن طاعته ، والمعرضين عن التمسك بدينه وشريعته . والكبر يكون إما في : العلم ، أو الحسب والنسب ،أو المال ،أو الأتباع والأنصار والعشيرة ،فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض فالوصية لكل مؤمن ، ولكل مؤمنة هو الحذر من التكبر، وعلى المؤمن أن يتواضع لله ، وعلى المؤمنة أن تتواضع لله وأن يحذر كل منهما من الكبر، ففي صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ». قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ». والكبر الذي لا يدخل صاحبه الجنة ، ويخلد في النار كما أجمع العلماء هو كبر الكفر ، فإن العبد قد يتكبر على الخالق لفرط جهله فيكفر به ، ولا يعبده ، وربما تكبر على أنبيائه ورسله ، وهذا كافر لا يدخل الجنة أبدا .
أيها المسلمون
أما “الغُلولِ” فهو ما سُرِقَ وأُخِذَ مِن الغَنيمةِ قبلَ أنْ تُقْسَمَ، من طريق الخفية والسر، وهكذا الأخذ من الأمانات : كالوكيل على بيت المال ،أو على أمانة أيتام ، وكذا الهدايا التي يحصل عليها الموظف العام بحكم منصبه – فمن الغلول استغلال المنصب بهدف جمع المال والثراء ، قال الله تعالي : “وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَغُلَّ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ” (161) آل عمران ، فالغلول من المحرمات ومن كبائر الذنوب التي يجب الحذر منها ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى الْيَمَنِ فَلَمَّا سِرْتُ أَرْسَلَ فِي أَثَرِى فَرُدِدْتُ فَقَالَ « أَتَدْرِى لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ لاَ تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ إِذْنِي فَإِنَّهُ غُلُولٌ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِهَذَا دَعَوْتُكَ فَامْضِ لِعَمَلِكَ » ، وفي سنن أبي داود : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًا فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ ». ، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري : (عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – رَجُلاً مِنْ بَنِى أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الأُتَبِيَّةِ عَلَى صَدَقَةٍ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِىَ لِي . فَقَامَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى الْمِنْبَرِ – قَالَ سُفْيَانُ أَيْضًا فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ – فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ « مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ ، فَيَأْتِي يَقُولُ هَذَا لَكَ وَهَذَا لِي . فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَنْظُرُ أَيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ ، وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَأْتِي بِشَيْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ » . ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ « أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ » ثَلاَثًا
أيها المسلمون
وأما “الدَّينِ” فهو أن يَأخُذَ مالَ الغيرِ على وَجهِ الحاجةِ، ثُمَّ يموتَ قَبلَ أنْ يَقضِيَه، وقيل: إنَّ هذا مُقيَّدٌ على مَن قدَرَ على القضاءِ ، وخالفَ في الوَفاءِ به. فالدين شأنه خطير، وقد روى النسائي وأحمد وغيرهما : (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا مُقْبِلاً غَيْرَ مُدْبِرٍ أَيُكَفِّرُ اللَّهُ عَنِّى خَطَايَايَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَعَمْ ». فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ نَادَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَوْ أَمَرَ بِهِ فَنُودِىَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَيْفَ قُلْتَ ». فَأَعَادَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « نَعَمْ إِلاَّ الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ ». فهذا يدل على أن الدين لا يسقط ،ولو دخل صاحب العمل الجنة ،فالشهداء موعودون بالجنة والكرامة ،وهكذا كل مؤمن مات على الإيمان والهدى ،موعود بالجنة والكرامة، كما قال الله سبحانه: (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ) [التوبة:72] ، فكل مؤمن ،وكل تقي ،موعود بالجنة ، ولكن هذا الوعد لا يسقط الدين، فالدين الذي للناس يبقى لهم ،ولا بد أن يعوضوا عنه،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ وَهُوَ بَرِىءٌ مِنْ ثَلاَثٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والمؤمن إذا أخذ الدين بنية الوفاء ، أوفى الله عنه سبحانه وتعالى ، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ » ، فأنت يا عبد الله! متى أخذت الدين قرضاً أو ثمن مبيع أو نحوهما وأنت تقصد الوفاء وتحرص على الوفاء، فالله يوفي عنك، فإذا مت ولم توف من غير تقصير ،وأنت قد نويت الوفاء ،وحرصت عليه ،فالله يوفي عنك جل وعلا، ،وروى الإمام أحمد والنسائي : (مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ قَالَ كُنَّا جُلُوساً بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ حَيْثُ تُوضَعُ الْجَنَائِزُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَيْنَا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بَصَرَهُ قِبَلَ السَّمَاءِ فَنَظَرَ ثُمَّ طَأْطَأَ بَصَرَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ :« سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا نَزَلَ مِنَ التَّشْدِيدِ ». قَالَ فَسَكَتْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا فَلَمْ نَرَهَا خَيْراً حَتَّى أَصْبَحْنَا. قَالَ مُحَمَّدٌ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا التَّشْدِيدُ الَّذِى نَزَلَ ؟ ، قَالَ « فِي الدَّيْنِ ، وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ،لَوْ أَنَّ رَجُلاً قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ،ثُمَّ عَاشَ ثُمَّ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ عَاشَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ ، مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَقْضِىَ دَيْنَهُ » ، فالحذر الحذر من الوقوع في أي شيء من تلك الثلاث المهلكات للحسنات .
الدعاء