خطبة عن ( نداء إلى المذنبين)
أغسطس 22, 2017خطبة عن ( قذائف الحق )
سبتمبر 2, 2017الخطبة الأولى (مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ ، وَهْىَ النَّخْلَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (24)،(25) ابراهيم ، وروى البخاري في صحيحه :(عن ابْن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : (مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ ، وَهْىَ النَّخْلَةُ » ،وفي رواية للبخاري: « مَثَلُ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ ، لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا ، وَلاَ يَتَحَاتُّ » .فَقَالَ الْقَوْمُ هِىَ شَجَرَةُ كَذَا . هِىَ شَجَرَةُ كَذَا ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ هِىَ النَّخْلَةُ . وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ فَاسْتَحْيَيْتُ ، فَقَالَ « هِىَ النَّخْلَةُ » .وفي رواية لمسلم :« إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً لاَ يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِى مَا هِىَ ».
إخوة الإسلام
لا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما شبه المؤمن بالنخلة فهو يريد تنبيهنا إلى أوجه الشبه بين المؤمن المطيع لله الذي قامت في قلبه ورسخت كلمة { لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ } وانغرست في صدره وأخذت تثمر الثمار اليانعة والخير المتنوع ، وبين النخلة التي تثمر وتؤتي أكلها وينتفع بها الناس . فالنخلة إنما حازت هذه الفضيلة العظيمة ،بأن جُعلت مثلاً لعبد الله المؤمن، لأنها أفضل الشجر وأحسنه ،وأكثره فائدة ، ويكفيها فضيلة أنها خُصت من بين سائر الشجر بأن جُعلت مثلاً للمؤمن ؛ مما يدل على كريم فضلها ،ورفيع قدرها ،وتنوع فضائلها ، كثبات أصلها ،وارتفاع فرعها ،وإيتائها أكُلَها كل حين ،ووصفها بالبركة ،وأنها لا يؤخذ منها شيء إلا نفع ، ونحو ذلك ،مما يدل على فضل النخلة وتميزها وتشابهها مع المؤمن المطيع لله . وتتبع أوجه الشبه بين المؤمن وبين النخلة ،والحرص على معرفة ذلك ،والفقه في هذا الأمر لشأن جدير بالاهتمام والعناية ، لعظم فائدته ، وكثرة منافعه ، فمن يتأمل في النخلة والمؤمن المطيع لله ،يجد بينهما أوجهاً من الشبَه كثيرة ، وأذكر لكم منها : أن النخلة لابد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر ، وكذلك الإيمان لابد له من أصل وفروع وثمر ؛ فأصله الإيمان بأصول الإيمان الستة المعروفة ، وفروعه الأعمال الصالحة والطاعات المتنوعة والقربات العديدة ، وثمراته كل خير يحصِّله المؤمن وكل سعادة يجنيها في الدنيا والآخرة . والنخلة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنمِّيها ، فهي لا تحيا ولا تنمو إلا إذا سقيت بالماء ، فإذا حُبس عنها الماء ذبلت ، وإذا قُطع عنها تماماً ماتت ؛ وهكذا الشأن في المؤمن لا يحيا الحياة الحقيقية ولا تستقيم له حياته إلا بسقي من نوع خاص ؛ وهو سقي قلبه بالوحي : كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام:122] . وبهذا يُعلم أن شجرة الإيمان في القلب ، إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعلم النافع والعمل الصالح وإلا أوشكت أن تزبل وتيبس . وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)) رواه الحاكم في المستدرك . ومن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلة : أن النخلة شديدة الثبوت كما قال الله تعالى : { أَصْلُهَا ثَابِتٌ } ، وهكذا الشأن في الإيمان إذا رسخ في القلب ؛ فإنه يصير في أشد ما يكون من الثبات لا يزعزعه شيء بل يكون ثابتاً كثبوت الجبال الرواسي ، سُئل الأوزاعي رحمه الله عن الإيمان أيزيد ؟ قال : ” نعم حتى يكون مثل الجبال ” قيل : أينقص ؟ قال ” نعم حتى لا يبقى منه شيء ” ، والنخلة لا تنبت في كل أرض ، بل لا تنبت إلا في أراضٍ معيَّنة طيبة التربة ، فهي في بعض الأماكن لا تنبت مطلقاً ، وفي بعضها تنبت ولكن لا تثمر ، وفي بعضها تثمر ولكن يكون الثمر ضعيفاً ، فليست كل أرض تناسب النخلة . وهكذا الشأن في الإيمان ؛ فهو لا يثبت في كل قلب ، وإنما يثبت في قلب من كتب الله له الهداية وشرح صدره للإيمان ، والقلوب أوعية متفاوتة وبعضها أوعى من بعض . وقد وصفت النخلة في الآية بأنها شجرة طيبة ، وهذا أعم من طيب المنظر والصورة والشكل ،ومن طيب الريح ،وطيب الثمر، وطيب المنفعة ؛ والمؤمن كذلك أجلُّ صفاته الطيب في شؤونه كلها وأحواله جميعها ، في ظاهره وباطنه وفي سره وعلنه ، ولهذا عندما يدخل المؤمنون الجنة تتلقاهم خزنتها قائلة لهم : {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:??] ، وقال تعالى : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32] . والنخلة وصفت بأنها ما أخذت منها من شيء إلا نفعك ،كما في مسند أحمد يقول صلى الله عليه وسلم (وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّباً وَوَضَعَتْ طَيِّباً وَوَقَعَتْ عَلَى عُودٍ فَلَمْ تَكْسِرْ وَلَمْ تُفْسِدْ ». ، فكل شيء في النخلة ينفع ، وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن مع إخوانه وجلسائه ؛ لا يُرى فيه إلا الأخلاق الكريمة والآداب الرفيعة والمعاملة الحسنة والنصح لجلسائه وبذل الخير لهم ، ولا يصلُ إليهم منه ما يضر ، بل لا يصل إليهم منه إلا ما ينفع . ثم إن قلب النخلة وهو الجمار ، وهو من أطيب القلوب وأحلاها ؛ فإذ هو حلو الطعم ، جميل المذاق ، وكذلك قلب المؤمن ، فهو من أطيب القلوب وأحسنها ، وهو قلب لا يحمل إلا الخير ، ولا يبطن سوى الاستقامة والصلاح والسلامة . أما ثمر النخلة فهي من أنفع ثمار العالم ، ولها حلاوة لا تدانيها حلاوة ، وكذلك الإيمان له حلاوة ولذة لا يذوقها إلا صحيح الإيمان . عن أنس رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) رواه البخاري ، وإذا نظرت إلى النخل وجدت بينه تفاوت عظيم في شكله ونوعه وثمره ، فليست النخيل في مستوى واحد في الحسن والجودة ، بل بينها من التفاوت والتمايز الشيء الكثير ؛ وهكذا الشأن بين المؤمنين ، فالمؤمنون متفاوتون في الإيمان ، وليسوا في الإيمان على درجة واحدة ، بل بينهم من التفاوت والتفاضل كما بين السماء والأرض ، كما قال الله تعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر:32] . والنخلة كلما طال عمرها ازداد خيرها وجاد ثمرها ، وكذلك المؤمن، إذا طال عمره ازداد خيره وحسن عمله . عن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه : أن أعرابياً قال : يا رسول الله من خير الناس ؟ قال : (( مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ )) رواه الترمذي وغيره ،والنخلة صبورة حليمة كريمة ، فهي تُرمى بالحجر فتسقط أطيب الثمر. والمؤمن كذلك ، فهو مُعرض عن اللغو، وإذا خاطبه الجاهلون قال سلاماً، ويصفح عن المسيئين ، ولا يظلم ولا يجهل على الجاهلين كما قال الشاعر: كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا يرمى بحجر فيلقي بأطيب الثمر
والنخلة قطوفها دانية في كل أحوالها، في حال قصرها وطول جذعها لسهولة الصعود إليها، والصعود إليها لا ينال من أوراقها، ولا يكسر أغصانها، ولا ينال جُمارها ،وهكذا المؤمن ، فهو سهل القطوف، يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة، ويطعم الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيرا، يحب الناس ويغدق عليهم، ولا يتخلى عن أخلاقه وثوابته مهما زادت الألفة والمحبة والمخالطة بينه وبين الناس. والنخلة غير مدادة، فهي لا تعتدي على جيرانها بسيقانها أو بفروعها، ولها حرم معلوم، وهي محكومة في انتشارها في البيئة لذلك لا تؤذي المحيطين بها. وكذلك المؤمن ، فهو محكوم بالضوابط الشرعية مع المحيطين به، متوقع السلوك، لا يدخل بيت غيره إلاﱠ بإذنه، ولا يطلع على عورات غيره، ولا يترك لبصره العنان، تجده حيث أمره الله، وتفتقده حيث نهاه، ويتقي الله حيثما كان. والنخلة قد يخالطها دخل ونبت غريب ليس من جنسها قد يؤذي النخلة ويضعف نموها ويزاحمها في سقيها ، ولهذا تحتاج النخلة في هذه الحالة إلى رعاية خاصة وتعاهد من صاحبها بحيث يزال عنها هذا الدغل والنوابت المؤذية ، فإن فعل ذلك كمل غرسه وإن أهمله أوشك أن يغلب على الأصل فيكون له الحكم ويضعف الأصل ، وهكذا الأمر بالنسبة للمؤمن ، فلا شك أنه يصادفه في الحياة أمور كثيرة ،قد توهي إيمانه ،وتضعف يقينه ،وتزاحم أصل الإيمان الذي في قلبه ،ولهذا يحتاج المؤمن أن يحاسب نفسه في كل وقت وحين ،ويجاهدها في ذلك ،ويجتهد في إزالة كل وارد سيء على القلب ،ويبعد عن نفسه كل أمر يؤثر على الإيمان ،كوساوس الشيطان أو النفس الأمارة بالسوءة ،أو الدنيا بفتنها ومغرياتها ، أو غير ذلك ، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (69) العنكبوت ، والنخلة فيها بركة في كل جزء من أجزائها ، فليس فيها جزء لا يستفاد منه ، وهكذا الشأن بالنسبة للمؤمن ، وقد جاء في صحيح البخاري في بعض ألفاظ حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ » وبركة النخلة موجودة في جميع أجزائها ، ومستمرة في جميع أحوالها
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ ، وَهْىَ النَّخْلَةُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والنخلة لا يتعطل نفعها بالكلية أبداً . بل إن تعطلت منها منفعة ففيها منافع آخر ، حتى لو تعطلت ثمارها سنة لكان للناس في سعفها وخوصها وليفها منافع ، وهكذا المؤمن لا يخلو عن شيء من خصال الخير، بل إن أجدب منه جانب من الخير أخصب منه جانب آخر، فلا يزال خيره مأمولاً ، وشره مأموناً ،وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ وَشَرُّكُمْ مَنْ لاَ يُرْجَى خَيْرُهُ وَلاَ يُؤْمَنُ شَرُّهُ ». ولذا ورد عن عكرمة في قوله تعالى { كشجرة طيبة } قال : هي النخلة لا تزال فيها منفعة . وهكذا الشأن في المؤمن لا يزال فيه منفعة بل منافع وذلك بحسب حظه ونصيبه من الإيمان ،والنخلة سهل تناول ثمرها ومتيسر ، فهي إما قصيرة فلا يحتاج المتناول أن يرقاها ، وأما باسقة فصعودها سهل بالنسبة إلى صعود الشجر الطوال غيرها ،فتراها كأنها قد هيأت منها المراقي والدرج إلى أعلاها ، وكذلك المؤمن خيره سهل قريب لمن رام تناوله ، وفي مسند أحمد ، يقول صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُ كَالْجَمَلِ الأَنِفِ حَيْثُمَا انْقِيدَ انْقَادَ » ،وأخيرا ، فها هي النخلة تبكي جزعا لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما بكى عليه الصحابة من بعدها ، ففي البخاري (فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَعَدَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِى صُنِعَ ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ أَنْ تَنْشَقَّ ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ ، فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِىِّ الَّذِى يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ . قَالَ « بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ » … هذه هي بعض أوجه الشبه بين المؤمن وبين النخلة ؛ يحيا بتأملها قلب المؤمن ، ويزيد إيمانه ، ويقوى يقينه ، ويعظم شكره وحمده لربه . قال الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} إبراهيم 24، 25 .
أيها المسلمون
وتتوقف حياة الأبدان على الأرض على النبات , وتتوقف صحة الأبدان والقلوب على الإيمان , لذلك ربط الله سبحانه وتعالى بين المؤمنين والنبات ، ففي القرآن الكريم شبه الله سبحانه وتعالى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن معه بالزرع ، فقال تعالى: ” مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ” (الفتح 29). ومما تقدَّم يعلم : أن الإيمان شجرة مباركة ،عظيمة النفع ،غزيرة الفائدة ،كثيرة الثمر ، لها مكان خاص تغرس فيه ،ولها سقي خاص، ولها أصل وفرع وثمار :أما مكانها : فهو قلب المؤمن ، فيه توضع بذورها وأصولها ، ومنه تتفرع أغصانها وفروعها . وأما سقيها : فهو الوحي المبين ؛ كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فبه تسقى هذه الشجرة ، ولا حياة لها ولا نماء إلا به .وأما أصلها : فهو أصول الإيمان الستة ، وأعلاها الإيمان بالله تعالى فهو أصل أصول هذه الشجرة المباركة . وأما فروعها : فهي الأعمال الصالحة والطاعات المتنوعة والقربات العديدة التي يقوم بها المؤمن . وأما ثمراتها : فكل خير وسعادة ينالها المؤمن في الدنيا والآخرة ، فهو ثمرة من ثمار الإيمان ونتيجة من نتائجه .نعم (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : “مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ تَكُونُ مِثْلَ الْمُسْلِمِ ، وَهْىَ النَّخْلَةُ »
الدعاء