خطبة حول حديث ( اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي )
ديسمبر 3, 2022خطبة عن (نعم الله تعالى ظاهرة وباطنة)
ديسمبر 5, 2022الخطبة الأولى ( ناسٌ صالِحُونَ قَلِيلٌ في ناسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام أحمد في مسنده وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: (عن عبدالله بن عمرو قال: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم «طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ». فَقِيلَ مَنِ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «نَاسٌ صَالِحُونَ فِي نَاسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ»، وفي رواية: (طوبى للغرباءِ قيل: من الغرباءُ؟ قال: ناسٌ صالحون قليلٌ في ناسِ سوءٍ كثيرٍ من يعصيهم أكثرُ ممن يطيعُهم) .
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع قوله صلى الله عليه وسلم : (أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ)، فمن المعلوم أن غربة المسلمين في بداية الإسلام في مكة كانت على هذا الوصف؛ فكان المسلمون قلة، في وسط يغلب عليه أهل الكفر، وكان من يعصيهم ويؤذيهم أكثر ممن يستجيب لهم ويطيعهم، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ودعا الناس إلى الإسلام، لم يستجب له في أول الأمر إلا الواحد بعد الواحد من كل قبيلة، وكان المستجيب له خائفًا من عشيرته وقبيلته، يؤذى غاية الأذى، وينال منه، وهو صابر على ذلك في الله عز وجل، وكان المسلمون إذ ذاك مستضعفين، يطردون ويشردون كل مشرد، ويهربون بدينهم إلى البلاد النائية، فقد هاجروا إلى الحبشة مرتين، ثم هاجروا إلى المدينة، وكان منهم من يعذب في الله، وفيهم من قتل، فكان الداخلون في الإسلام حينئذ غرباء،
ثم بعد ذلك ظهر الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة وعزّ، وصار أهله ظاهرين كل الظهور، ودخل الناس بعد ذلك في دين الله أفواجا، وأظهر الله لهم الدين، وأتم عليهم النعمة، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، وأهل الإسلام على غاية من الاستقامة في دينهم، وهم متعاضدون، متناصرون، وكانوا على ذلك في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ثم أعمل الشيطان مكائده على المسلمين، وألقى بأسهم بينهم، وأفشى بينهم فتنة الشبهات والشهوات، ولم تزل هاتان الفتنتان تتزايدان شيئا فشيئا، حتى استحكمت مكيدة الشيطان، وأطاعه أكثر الخلق، فمنهم من دخل في طاعته في فتنة الشبهات، ومنهم من دخل في فتنة الشهوات، ومنهم من جمع بينهما، وكل ذلك مما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوعه، ففي صحيح البخاري: (يقول صلى الله عليه وسلم : (فَوَاللَّهِ لاَ الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»، وفي رواية: (وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّى أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تَنَافَسُوهَا»، وفي مسند أحمد: « إِنَّ مِمَّا أَخْشَى عَلَيْكُمْ شَهَوَاتِ الْغَيِّ فِي بُطُونِكُمْ وَفُرُوجِكُمْ وَمُضِلاَّتِ الْفِتَنِ»، فالنبي صلى الله عليه وسلم يخشى على أمته الفتن، فلما دخل أكثر الناس في الفتن، أصبحوا متقاطعين متباغضين، بعد أن كانوا إخوانا متحابين متواصلين، ففتنة الشهوات عمت غالب الخلق، ففتنوا بالدنيا وزهرتها، فغاية قصدهم لها يطلبون، وبها يرضون، ولها يغضبون، ولها يوالون، وعليها يعادون، فتقطعوا لذلك أرحامهم، وسفكوا دماءهم، وارتكبوا معاصي الله بسبب ذلك، وأما فتنة الشبهات والأهواء المضلة فبسببها تفرق أهل القبلة، وصاروا شيعا وكفر بعضهم بعضا، وصاروا أعداءً وفرقا وأحزابا، بعد أن كانوا إخوانا قلوبهم على قلب رجل واحد، فلم ينج من هذه الفرق إلا الفرقة الواحدة الناجية، ففي صحيح البخاري: (أن مُعَاوِيَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ » ،وهؤلاء هم الغرباء في آخر الزمان ،لأنهم قليلون، فلا يوجد في كل قبيلة منهم إلا الواحد والاثنان، وقد لا يوجد في بعض القبائل منهم أحدٌ، كما كان الداخلون إلى الإسلام في أول الأمر كذلك.
أيها المسلمون
وهكذا يتبين لنا أن أهل الإسلام بين أكثر الناس غرباء، وأن أهل الإيمان بين أهل الإسلام غرباء، وأن أهل العلم في المؤمنين غرباء، وأن أهل السنة الذين تميزوا بها عن الأهواء والبدع، فيهم غرباء، وأن الدّعين إليها، الصابرين على أذى المخالفين لهم، أشد غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقا، فلا غربة عليهم، قال تعالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦] .فهؤلاء الغرباء ينتسبون إلى الله تعالى بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده؛ وهؤلاء هم القابضون على الجمر، وفي سنن الترمذي : (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْىٍ بِرَأْيِهِ فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ». قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلاً مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ قَالَ « لاَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ ».
ومن صفات هؤلاء الغرباء -الذين غبطهم النبي -صلى الله عليه وسلم- – التمسك بالسنة إذا رغب عنها الناس وترك ما أحدثوه، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، فهؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله بالاتباع لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، فإذا أراد المؤمن الذي رزقه الله بصيرة في دينه، وفقهاً في سنة رسوله، وفهماً في كتابه، أن يسلك هذا الصراط فليوطن نفسه على قدح الجهال وأهل البدع فيه وطعنهم عليه واذدرائهم به، وتنفير الناس عنه ، وتحذيرهم منه كما كان سلفهم من الكفار يفعلونه مع متبوعه وإمامه -صلى الله عليه وسلم- ،فهو غريب في دينه لفساد أديانهم ، وغريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، وغريب في اعتقاده لفساد عقائدهم، وغريب في صلاته لسوء صلاتهم، وغريب في طريقه لضلال وفساد طرقهم،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( ناسٌ صالِحُونَ قَلِيلٌ في ناسِ سَوْءٍ كَثِيرٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الأوزاعي: (أما إنه ما يذهب الإسلام ولكن يذهب أهل السنة، ترفقوا – يرحمكم الله- فإنكم من أقل الناس)، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ: … طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، أَشْعَثَ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٍ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَةِ، إِنِ اسْتَأْذَنَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، وَإِنْ شَفَعَ لَمْ يُشَفَّعْ»، وفي سنن الترمذي: (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّهُ)، وفي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ ». وفي سنن ابن ماجه: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الأَبْرَارَ الأَتْقِيَاءَ الأَخْفِيَاءَ الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا وَلَمْ يُعْرَفُوا قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ ».
أيها المسلمون
فكونوا إخوة الاسلام من هؤلاء الغرباء القليلين، ومن أحب أن يبلغ مراتب الغرباء فليصبر على جفاء الجافين، فإن صبر على خشونة الطريق أياماً يسيرة ،واحتمل قدح المنكرين مدة قصيرة، وزهد في هذه الدار الحقيرة، أعقبه الصبر إلى دار العافية، أرضها طيبة ورياضها خضرة، وأشجارها مثمرة ، وأنهارها عذبة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول كما في سنن الترمذي: (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي»،وفي مسند أحمد : (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ ». قِيلَ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ قَالَ « النُّزَّاعُ مِنَ الْقَبَائِلِ »، وهم كما قال صلى الله عليه وسلم: (أُنَاسٌ صَالِحُونَ، فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ) .
الدعاء