خطبة عن (من أُلهم خمسة ،لم يُحرم خمسة)
سبتمبر 11, 2021خطبة عن حديث ( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا)
سبتمبر 11, 2021الخطبة الأولى ( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ رَأَى سَعْدٌ – رضى الله عنه – أَنَّ لَهُ فَضْلاً عَلَى مَنْ دُونَهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ »، وفي مسند الإمام أحمد : (عَنْ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ : الرَّجُلُ يَكُونُ حَامِيَةَ الْقَوْمِ أَيَكُونُ سَهْمُهُ وَسَهْمُ غَيْرِهِ سَوَاءً قَالَ :« ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ابْنَ أُمِّ سَعْدٍ وَهَلْ تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ »، وروى الامام الترمذي في سننه بسند صححه : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ أَخَوَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَالآخَرُ يَحْتَرِفُ فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ أَخَاهُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « لَعَلَّكَ تُرْزَقُ بِهِ ».
إخوة الإسلام
طلَبُ العِلمِ، وكَفالةُ طالبِه ، وكذا كفالة الضعفاء من المسلمين هي مِن أسبابِ التَّوسِعةِ في الرِّزْقِ للشَّخصِ، وهي من أسباب النصر على الأعداء ؛ فمَن سَعى وعَمِل واكتَسَب وتكَفَّل بطالبِ العلمِ، وكذا ضعفاء المسلمين ، فلعلَّ اللهَ أن يُكافِئَه على ذلك، فيُوسِّعَ عليه في رِزقِه، وينصره على أعدائه ، وذلك بفضل كفالتهم ، ودعائهم ، وتوكلهم على الله تعالى . وهذا لا يَعني الدَّعوةَ إلى التَّكاسُلِ والخُمولِ والتَّواكلِ، ولكنَّه تَعريفٌ بفَضلِ اللهِ على الخَلقِ كلِّهم، وبيانٌ أنَّه هو الرَّزَّاقُ ، وأنَّه هو الكافلُ لِمَن شاء بمَن شاء، فلا يَمنُنْ غنيٌّ على فقيرٍ بعَطاءٍ، ولا عائلٌ على مُعيلٍ بكَفالتِه، وأن الله تعالى ينصر من يشاء ، بمن شاء ، فكم مِن نصر أو فضل عبر التاريخ نُسب في الدنيا لأسماء بارزة مِن أعلام المجاهدين والعلماء والقادة، وأما عند الله وفي الآخرة، فقد يكون له سبب آخر خفي، هو دعوة صادقة خالصة من رجل من أغمار الناس لا يعلمه أحد، ولا يفطن أحد إليه ، قال صلى الله عليه وسلم : «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طَمْرَيْنِ لاَ يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى الله لأَبَرَّهُ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني). فطالب العلم ، وكذا هذا الضعيف ،هو فارس نعم ، ولكن ليس في الميدان، وإنما هو من فرسان الأسحار والمحاريب، هو قائد نعم، ولكن ليس في معركة الوغى، وإنما معركته خفية، هي معركة القلوب والإخلاص، قلبه احترق واشتعل غيرة على دين الله، ذرف الدمع وما معه من سبيل إلا سهم دعائه ، يرمي به من وتر قوس قلبه إلى الهدف، إلى السماء، فتصل الاستغاثة ويأتي المدد، وتنقلب الموازين، وتتبدل مجريات الأمور في لطف وخفية من الناس، وبغير سبب ظاهر لهم، ولكن كل ذلك عند ربي في كتاب {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه :52]. فمن الأسباب التي يتهيأ بها النصر بإذن الله -تبارك وتعالى- ويوسع بها في الرزق ، دعاء هؤلاء الضعفاء، وصلاحهم، وحسن مقاصدهم، وسلامة قلوبهم، فغالباً مثل هؤلاء يكون أمرهم لله، وتكون مقاصدهم سليمة، ونياتهم صحيحة، ويكون الواحد منهم أقرب إلى التواضع وأبعد عن الكبر، وذلك يحبه الله تعالى، وهو أقرب إلى استجابة الدعاء، فلا يتحقق الرزق والكسب والبركات وما إلى ذلك، والانتصار على الأعداء بمجرد قوة الأقوياء، سواء كانت تلك قوة عقلية أو فكرية أو علمية أو قوة بدنية، بل إن ذلك يتكون من مجموع هذه الأمور بعد توفيق الله تعالى وإرادته. وبهذا نعرف أن ما يتحقق للأمة من مصالح ، وما يتنزل عليها من ألطاف الله تعالى، لا يحصل بمجرد حذق ومهارة الماهرين، وإنما هو أيضا بدعاء هؤلاء الضعفاء من الخاملين المساكين ، الذين لا شأن لهم في نظر كثير من الناس، فهؤلاء من أسباب قوة الأمة وتمكينها، فلا يكون ضعفهم اختياريًّا، بمعنى يركنون إلى الكسل لا، فهذا مذموم، هذا من أسباب ضعف الأمة، وإنما قصدت بذلك من كان ضعيفاً لم يعطه الله تعالى قوة، ففيه ضعف في خلقته، فيه ضعف في رأيه، فيه ضعف في عقله، مسكين من هؤلاء المساكين، فمثل هؤلاء يكونون سبباً للرزق ، وسبباً أيضاً للنصر. فلا يحقر الإنسان هؤلاء ، وعليه أن يعرف قدرهم، وأن هؤلاء قد يكونون عند الله تعالى بمنزلة ، فيتواضع لهم، ويوفي حقوقهم، ويدنيهم ويقربهم ، ويحبهم ويُكْبرهم. فالأمة وحدة متكاملة منتظمة، ليس هناك أحد لا شأن له ، ولا حظ ولا قيمة لحظه ،ولقلة حيلته، أقل ما يأتي منه -وهو عظيم جدًّا- الدعاء والاستغفار، وفي أخبار فتوح الصين ، هذا قتيبة بن مسلم الباهلي قائد الجيش ، سأل عن محمد بن إبراهيم التيمي، ومحمد بن إبراهيم التيمي عابد كما وصفه بعض من عرفه، يقول: ما أتينا إبراهيم التيمي في ساعة يطاع الله تعالى فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئاً، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً جنازة، أو قاعداً في المسجد، فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى، سأل عنه ،فقيل: ها هو على ميمنة الجيش يُبصبص بأصبعه، يحركها -يعني يدعو بها، فقال: والله إن هذه الأصبع لتعدل عندي ألف فارس ، فهو رجل دعوته تستجاب، وهو من صالحي الأمة وخيارهم وأتقيائهم.
أيها المسلمون
قال الشيخ عبد الكريم الخضير في شرح جوامع الأخبار : نعم الضعيف قريب من الله -جل وعلا-؛ لأنه لا يعتد بقوة، ولا يأوي إلى مال ولا شيء، إنما علاقته وارتباطه بربه، ومثل هذا في الغالب يكون قلبه سليماً ، بخلاف من دخله غرور القوة والغنى، والغنى في الغالب أنه يطغي صاحبه، وكذلك القوة، ولذا يسأل الإنسان ربه صحة ، ولكن لا تلهيه عن شكر الله -جل وعلا-، وعن عبادته، ويسأله غنى ، ولكن لا يطغيه عن معرفة قدر نفسه، فمن اسباب النصر والرزق المعنويّة، قوّة التوكل على الله، وكمال الثقة به، وقوّة التوجّه إليه والطلب منه ، وهذه الأمور تقوى جدّاً من الضعفاء العاجزين ، الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حقّ العلم أنّ كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله، وأنّهم في غاية العجز، فتنكسر بذلك قلوبهم، وتتوجّه إلى الله ثقة به وطمعاً في فضله وبرّه ورجاء لما في يديه الكريمتين ، فيُنْزِل الله لهم من نصره ورزقه ما لا يدركه القادرون، بل ييسّر للقادرين بسببهم من أسباب النصر والرزق ما لم يخطر لهم ببال، ولا دار لهم يوماً في خيال. والسر في ذلك أَنَّ لِلَّهِ جنود السماوات والأرض، جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره، وهي لفرط كثرتها لا يعلم حقيقتها وعددها وقدرتها إلا هو سبحانه، فهو وحده الذي يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها، في الوقت الذي يريد وبالطريقة والهيئة التي يريدها، لذا فهي غيب كما قال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} [المدثر: 31]. وقد يَعْجَبُ الإنسان حين يعلم أَنَّ مِنْ هذه الجنود: الضعفاء والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة، ولولا ورود النصوص الصحيحة في ذلك لكان الأمر محور جدل وأخذ ورَدٍّ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد يظن البعض أَنَّ هناك تعارضاً بين النصوص التي تنسب التوسعة في الرزق وكذا تحقيق النصر بدعاء الضعفاء ، وبين النصوص التي تمدح المؤمن القوي وتأمره بالأخذ بالقوة والاستعداد للأعداء، وعند التأمّل نجد أَنَّه لا تعارض، إذ المراد أَنَّه متى تمكّن المسلم من الأخذ بأسباب القوة المادية وتيسَّرت له، فعليه أنْ يسارع ولا يفرط ولا يقصر. وقد ورد الجمع بين الأمرين في قول الله عز وجل لنبيه: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: ٩٩]. والمعنى: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات البدنية والمالية والقلبية، حتى يأتيك الموت وأنت على ذلك، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمرَ ربه ، فلم يزل دائباً في العبادة بجميع أنواعها حتى أتاه اليقين ، كما جمع النبي الكريم بين الأمرين في قوله كما في صحيح مسلم : «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلى اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجَز…..». فقوله: «احْرِصْ على ما ينفعك» أمر بكل سبب ديني ودنيوي، بل أمر بالجد والاجتهاد فيه والحرص عليه، نية وهمة، فعلاً وتدبيراً. وقوله: «واستعن بالله» أمر بالاعتماد التام على الله في جلب المصالح ودفع المضار، مع الثقة التامة بتحقيق ذلك. أَمَّا إِذا لم يتمكَّن المسلم من الجمع بين الأمرين – كأن حبسه المرض في نفسه أو غيره -، فعليه خفض الجناح ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار. فلنحرص على تذكير الضعفاء ، وكذا طلاب العلم ، وذويهم ، بهذه الْمِنَّةِ، وأن يقبلوا من الله صدقته، وألَّا يستصغروا جهودهم، فدعاؤهم لا يقل تأثيراً في الأعداء عن تأثير المدافع والدبابات.
الدعاء