خطبة عن ( اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا )
سبتمبر 4, 2022خطبة حول قوله تعالى ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى )
سبتمبر 8, 2022الخطبة الأولى ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الامام مسلم في صحيحه: (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ». قَالُوا أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ « لاَ مَا صَلَّوْا ».، وفي رواية له أيضا: (عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ « إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ « لاَ مَا صَلَّوْا ». أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.
إخوة الإسلام
الأَمْرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ له منزلةٌ كبرى ومكانة عُظمى في الاسلام؛ وقد نالتْ الأمَّةُ الإسلامية الخيريَّةَ على سائرِ الأُمم لأنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، فقال الله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران (110) ، ولو طُوِي بساطُ الأمر بالمعروفِ ،وأُهْمِل عِلْمُه وعَمَلُه، لاضمحلَّتِ الدِّيانة، وفَشَتِ الضَّلالة، وشاعتِ الجَهالة، واسْتَشرى الفسادُ، واتَّسَعَ الخَرْقُ وخَرِبَتِ البلادُ، وهَلَك العبادُ، وفي هذا الحديثِ الذي بين أيدينا اليوم : يقولُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : “إنَّه سيَكونُ عليكم أئمَّةٌ تَعرِفون وتُنكِرون”، أي: سيَلِي أمْرَكم أُمَراءُ مِن صِفاتِهم أنَّهم يَعمَلون فيكم بأعمالٍ، بعضُها حسَنٌ، وتَعرِفونه بصِفاتِه وعَلاماتِه، وبعضُها قبيحٌ تُنكِرونها عليهم، “فمَن أنكَر”، أي: قَوِي على الإنكارِ عليهم بيَدِه ولسانِه، “فقد بَرِئ”، أي: مِن النِّفاقِ أو مِن الإثمِ، “ومَن كَرِه”، أي: لم يَرْضَ فِعلَهم وأنكَر عليهم بقلبِه؛ لِعَدمِ قُدرتِه على الإنكارِ باليدِ أو اللِّسانِ، “فقد سَلِم”، أي: مِن مُشارَكتِهم أوزارَهم، “ولكنْ مَن رَضِي وتابَعَ”، أي: ولكن لم يَبْرَأْ مِنهم ولم يَسلَمْ مِن مُشاركتِهم في الوِزْرِ: الَّذي رَضِي بفِعْلِهم وتابَعَهم في أعمالِهم، فقيل: “يا رسولَ اللهِ أفلا نُقاتِلُهم؟”، أي: نَخرُجُ عليهم فنُقاتِلُ هؤلاء الأُمراءَ؟ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: “لا”، أي: نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الخروجِ عليهم وقِتالِهم، “ما صَلَّوْا”، أي: لا يَحِقُّ قِتالُهم إذا ظَلُّوا يُصلُّون فإن ترَكوا الصَّلاةَ أو منَعوها قُوتلوا. وقال ابن الملقن في (التوضيح): إن قلت: الإنكار على الأمراء في العلانية من السنة؛ لما روى أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الجهاد أفضل؟ قال: “كلمة حق عند سلطان جائر”. قلت: اختلف السلف في تأويله ـ فقيل: إنه محمول على ما إذا أمن على نفسه القتل، أو أن يلحقه من البلاء ما لا قبل له به، فالواجب على كل من رأى منكرا أن ينكره، إذا لم يخف على نفسه عقوبة لا قبل له بها؛ لورود الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة للأئمة، وقوله عليه السلام: “لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه” قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: “يتعرض من البلاء لما لا يطيق”
أيها المسلمون
ويقول العلماء: للحاكم أحوال ثلاثة لا يخرج عنها: إما أن يكون عادلا ،أو جائرا ،أو كافرا. فالأول: الحاكم المؤمن العادل: وهذا اتفقت الأمة جمعاء على وجوب طاعته في غير معصية الله تعالى، وعلى حرمة الخروج على ولايته، قال الله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (59) النساء، وفي الصحيحين: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ الإِمَامُ الْعَادِلُ ، وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ . وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ »، وفي صحيح مسلم مرفوعاً : “مَنْ أَطَاعَ الأمير فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى الأمير فَقَدْ عَصَانِي”.. فالحاكم إن أمر بطاعة الله ، وجبت طاعته لله ثم لأمر ولي الأمر بها ، وإن أمر بما تختلف في مثله آراء الناس ،مما فيه تنظيم لحياتهم كأنظمة العمل والمرور والبناء ونحوها ،وجبت طاعته أيضاً لأن أمور الناس لا تنتظم إلا بهذا ، بل عاصيه عاص لله ورسوله صلى الله عليه وسلم إن كان عدلا آمرا بالقسط ، وهذا الجنس من الولاة عزيز عزيز . والثاني : الكافر كفراً طارئاً أو أصلياً: والكفر الأصلي واضح كأن يتغلب كافر على بلد مسلم ،كما يجري اليوم في فلسطين ونحو هذا، وأما الكفر الطارئ: بأن يكون في الأصل مسلم، ثم يطرأ عليه الكفر بشرك أكبر ،أو باستباحة محرم معلوم من الدين بالضرورة وغيرها، وهذه مرجعها لأهل العلم المتحققين في هذه المسائل من أهل السنة ،ممن لم يتلوثوا بلوثة الإرجاء ،فيداهنوا الحكام، أو يتلطخوا ببدعة الخوارج ،فيكفروا بالشبهة، فمن ثبت كفره وجب الخروج عليه حين القدرة، بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء :141]، وفي الصحيحين واللفظ لمسلم: (عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ فَقُلْنَا حَدِّثْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَ دَعَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ قَالَ « إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ ». وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: (إنه ـ أي الحاكم ـ ينعزل بالكفر إجماعا فيجب على كل مسلم القيام في ذلك، فمن قوي على ذلك فله الثواب، ومن داهن فعليه الإثم ومن عجز وجبت عليه الهجرة من تلك الأرض . وقال : وإذا وقع من السلطان الكفر الصريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها. وهذه الحالة تنطبق على الحكومات التي أقرت الشرك الأكبر وحمته مما هو من نواقض التوحيد ، ومن المقرر عقلًا وشرعاً أن القدرة المانعة من حصول الهرج العام ، واستحار القتل بالناس ،وانتهاك الأعراض ،وضياع الأموال بصورة ظاهرة شرط لجواز الخروج ، وإلا حرم ، درءاً للمفسدة الكبرى. والثالث: الحاكم الجائر: فهو ليس بعدل ولا كافر :وهذا تجب مناصحته ،والأخذ على يديه ،ويحرم الخروج عليه، فالواجب هنا يقع في صراطٍ بين الخروج والخنوع، فإذا كان الخروج في هذه الحال لا يجوز ،فالخنوع كذلك، وإذا كان الخنوع لا يجوز ،فالخروج أيضا كذلك لا يجوز. وهذه المناصحة درجاتها راجعة إلى السياسة الشرعية ،فكل ما أمكن إزالة المنكر بالأدنى وجب المصير إليه دون الأعلى، فإن زال المنكر بمناصحة السر اكتفى به، فإن لم يتحقق المقصود جهر برفق، فإن لم جهر واشتدد بحسب القدرة وبحسب مقدار المنكر، شريطة ألا يؤدي ذلك إلى منكر أشد ،أو يثير فتنة الخروج على الحاكم الجائر. فتقييد الإنكار بالإشهار أو الإسرار أمر تحكمه مقاصد الشريعة، ويجب ضبطه بضوابطها، وينظر إليه من خلال المصالح المترتبة على القيام به، والمفاسد المترتبة على تركه، وهذا يختلف بحسب الأمور المنكرة، وحال المنكِر، والمنكَر عليه، وأسلوب الإنكار، لذلك رأينا أئمة السلف ينكرون المنكر على الحاكم علانية تارةً، وخفيةً تاراتٍ أُخَر، فيما بينهم وبين الحاكم، دون أن يتحجَّر أحدهم واسعاً، أو يحمل الناس على رأيه مكرَهين .
وقد جاء في سورة النساء آية سماها أهل العلم آية الأمراء ، وهي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء : 58] ، فالآية أوجبت على الحكام أمرين عظيمين : 1- أداء الأمانات . 2- والحكم بالعدل .وهذان جماع السياسة الربانية . فمن لم يؤد الأمانة ،أو لم يحكم بالعدل ،كأن : ولى شخصا لقرابة أو معرفة وغيرُه أكفأ وأصلح منه ، وقد قال عمر بن الخطاب : من ولى من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين . أو لم يقسم بيت المال بالعدل بل استأثر به هو أو قرابته أو حاشيته بما ليس لهم من بيت المال ، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ”. أو ظلم أو بغى ، أو أمر بمنكر أو نهى عن واجب أو نشر الفساد أو حماه فقد قال صلى الله عليه وسلم : “مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ .” مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، – أو لم يقم بأمر الصحة أو التعليم أو المواصلات أو الاتصالات ونحو ذلك ؛ كما يجب ،و….
فما العمل إذا جار الحاكم على الناس لكن لم يروا الكفر البواح منه ؟: ففي صحيح مسلم : (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِىَ وَتَابَعَ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نُقَاتِلُهُمْ قَالَ « لاَ مَا صَلَّوْا ». أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.. فالحديث يجمع ركني التعامل مع أئمة الجور، فلا يجوز منابذتهم بالسلاح ، ولا يجوز السكوت على منكراتهم. وفي صحيح مسلم أيضاً في حديث الأمراء: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ ».والجهاد باليد على الأمراء مشروع للقادر ما لم يكن بالسيف نص عليه الإمام أحمد. وعند الثلاثة قال صلى الله عليه وسلم: (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا : (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ) المائدة (105) ، قَالَ عَنْ خَالِدٍ وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ ». وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ هُشَيْمٍ وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وفي سنن أبي داود: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ ». ثُمَّ قَالَ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) إِلَى قَوْلِهِ (فَاسِقُونَ) ثُمَّ قَالَ « كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا ».. وقد ثبت عند البخاري في تاريخه الكبير وغيره “أن عمر بن الخطاب قال في مجلس، وحوله المهاجرون والأنصار: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال ذلك مرتين، أو ثلاثا: أرأيتم لو ترخصت في بعض الأمور ما كنتم فاعلين؟ فقال بشير بن سعد : لو فعلت ذلك قومناك تقويم القِدْح ـ أي عود السهم ـ فقال عمر: أنتم إذاً أنتم .”
فالواجب هنا أن تمتد جسور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الحكام والشعوب: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران :110] فكل بحسبه: فمن كان يستطيع إيصال النصيحة مباشرة إلى المسؤول فهذا واجبه ، فإن كان الرفق أحرى بقبول النصيحة فليترفق، وإن كانت الشدة أبلغ في تأثير النصيحة فلا عليه ،فإن “أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ”، ومن لم يستطع فليوصل نصحه بالبرقية أو الفاكس أو بلقاء مدير المكتب وغير ذلك من الوسائل، مع تتابع النصح على الحاكم أو من ينيبه بخصوص هذا الفاسد . فإن لم يجدِ ذلك فيجري التشهير به وفضحه في كل ميدان كما قال تعالى : (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : 148] وسرقة أموال المشاريع العامة من الظلم البين ، وإذا كان الزاني والزانية يأمر الله بالتشهير بهما ، قال تعالى :(وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور : 2] ، فكيف بالفساد المالي وسرقة الملايين التي رصدت لحاجة الناس الضرورية ،ومرافقهم الهامة من المستشفيات والمواصلات والاتصالات وغيرها ؛ فهذه من باب أولى . وما أجمل أن نكون كما قال صلى الله عليه وسلم : “خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ ” لا كما في تتمة الحديث “وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ” رواه مسلم ، ومن سنن الله الجارية في كونه أن من أمن العقوبة أساء الأدب حاكماً كان أو محكوماً .
الدعاء