خطبة عن حديث (قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ)
مارس 9, 2019خطبة عن حديث (الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ،وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ)
مارس 9, 2019الخطبة الأولى ( وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري ومسلم في صحيحيهما : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فِي قُبَّةٍ فَقَالَ « أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ، وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يحمل للمسلمين بشريات عظيمة ، ففي هذا الحديث بيان لفضْل هذه الأمة الاسلامية ، ولمكانتها بين الأمم، وكيف أن الله أنعم عليها بأن جعلها أكثر أهل الجنة، وأَقصد هنا ( بالأمة الاسلامية ) أمة الإجابة ، لا أمة الدعوة، والفارق بينهما : أن أمة الإجابة هم الذين استجابوا لله ولرسوله، أما أمة الدعوة فالذين جاؤوا بعد بعثة النبي إلى يوم القيامة؛ سواء أسلموا أو لم يسلموا، وإذا ذُكِر فضْل لهذه الأمة، فالمقصود به أمة الإجابة لا أمة الدعوة . وفي قوله صلى الله عليه وسلم : « أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « تَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . قُلْنَا نَعَمْ . قَالَ « وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ ، ففي ذلك فائدة حسَنة، فالتكرار أوقع في نفوسهم، وأبلغ في إكرامهم، فإن إعطاء الإنسان مرةً بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام مُلاحظته، وفيه فائدة أخرى هي تكريره البشارة مرةً بعد أُخرى، وفيه أيضًا حملُهم على تجديد شُكرِ الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه، وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (وَذَلِكَ أَنَّ الْجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ ) ، فهذا نصٌّ صريح في أن من مات على الكفر لا يدخل الجنة أصلاً، وهذا النص على عمومه بإجماع المسلمين. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَحْمَرِ » ، ففي هذا دليل على أنهم أكثر أهل الجنة مقارنة بالمشركين ، وقد جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ – قَالَ – يَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ. قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ. قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ». قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ : فَقَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا وَمِنْكُمْ رَجُلٌ ».
وفي بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته من بعدهم بأنهم نصف أو ثلثي أهل الجنة إظهار لمدى حبه وشفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بهم وقد قال الله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128) وهو القائل صلى الله عليه وسلم في حرصه وحبه لأصحابه وأمته: (وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي ) رواه البخاري ، وفي صحيح البخاري : (ثُمَّ يُقَالُ يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ أُمَّتِى يَا رَبِّ ، أُمَّتِى يَا رَبِّ فَيُقَالُ يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ) ، وفي بشرى النبيّ صلى الله عليه وسلم لأصحابه رضي الله عنهم بصيغة الاستفهام مرتين وثلاثة ، ففي ذلك إرادة تقرير البشارة لهم ، وتشويقهم لطلب الجنة . هذا وقد جاءت أحاديث كثيرة ومتعددة ، يبين فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الأمة هم أكثر أهل الجنة دخولا ، بل وأول الأمم ورودا ، وأعظمها أجرا ، وأوفرها حظا ، فقد روى الترمذي وحسنه الألباني: (عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الأُمَمِ »
أيها المسلمون
لقد فضل الله تعالى هذه الأمةَ وميزها واختصها على غيرها من سائر الأمم بكرامات كثيرة في الدنيا ليست لغيرها، لم تكن لها أن تتميز وتنبؤا هذه المكانةَ وتلك الفضيلةَ إلا بتعظيمِ الله لرسولها ، وتكريمِ نبيها ، واتباع هذه الأمةِ نبيها صلى الله عليه وسلم، فبهذه الأمة أتم الله الشرائع السماوية، وجعل دينها الأكملَ والأجمل والأصلح للبشرية، وينبغي لأتْباعِ هذه الأمةِ المحافظةُ على خصوصياتِ أمتهم في زمنِ الدعوة إلى إزالةِ الفوارق بين الأمم، في زمن الانجراف وراء تيارات الإلحاد وتمييعِ الإسلام، فهناك الذين ينادون بإزالة هذه الفوارقِ كي لا يكون هناك فرق بين المسلم والكافر، والبرِ والفاجر، وينادون بالأخوة الإنسانية التي تحْطِم قواعدَ الدين وفواصله وحواجزه ، وصدق عمر رضي الله عنه يوم قال” إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين، فمهما نبتغي العزة في غيره أذلنا الله ” إن الفيصل بيننا وبين أولئك القوم من غير المسلمين ، هو موجود في كتاب الله، وقد حكم الله به حين نزول القرآن بقوله تعالى : ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون (6) ، فلا يمكن أن نستوي نحن وإياهم، ولا يمكن أن يستوي الموحد والمشرك، ولا المؤمن والكافر، فقد جعل الله للجنة خلقا ،كما جعل للنار خلقا ، قال الله تعالى :(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (2) التغابن ، وقال الله تعالى : (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18) أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (19) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (18) :(20) السجدة ، فلا بد من تكريسِ الفوارق في نفوس المؤمنين ، ليعتزّ أفراد الأمة الاسلامية بأمتهم، لأنهم إذا لم يروا لأمتهم فضلا على غيرها ،ولم يشعروا بخصوصياتها، فإن هذه العزة ستضمحل في النفوس، وتتلاشى وتندثر وتزول من الأفهام ، فهذه الخصوصيات هي مصدر عزتنا وكرامتنا ، قال الله تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (10) الأنبياء أي شرفكم وفضلكم، وقال تعالى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (8) المنافقون
ومن الخصوصيات في هذه الأمة :إنها تستوعب الحياةَ كلها بأنشطتها المختلفة، قال تعالى :(قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (162) ،(163) الانعام ومن الخصائص العظيمة التي منحها الله وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، أن جعلها أكرمَ الأمم وأخيرها وأحسنها وأفضلها عند الله تعالى، وحسبنا شهادةُ رب العالمين ، قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) 110 آل عمران ،وعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ” كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ” قَالَ: أَنْتُمْ تُتِمُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلى اللَّهِ” [ رواه الترمذي ] ،وعن عَلِيَّ بْنَ أَبي طَالِبٍ رضي الله عنه، قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أُعْطِيتُ مَا لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ” فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا هُوَ؟ قَالَ: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَأُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ، وَسُمِّيتُ أَحْمَدَ، وَجُعِلَ التُّرَابُ لِي طَهُورًا، وَجُعِلَتْ أُمَّتِي خَيْرَ الْأُمَمِ” [رواه أحمد] ، ومن خصائص هذه الأمة : أنها الأكملُ في التشريع والأحسنُ في التنزيل، فدينها كامل شامل صالح ، قال الله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة (3)، ومن خصائص هذه الأمة: أن الله أكرمها فجعلها أمة وسطاً ، قال الله تعالى : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة 143، فهي أمة وسط، والجيل الأولُ منها عُدول خيار، هم بين غلاةِ النصارى وجفاة اليهود، فلا تشديدات وتعقيدات وتنطع ولا تهاون وتمييع للأحكام وانهزامية، ومن الخصائص: ما ميّز الله به هذه الأمة بأن جعلها أمةَ يسر، رفع الحرج عنها، وضع الأغلال والأثقال والآصار التي كانت على الأمم قبلها ، وأحلّ لها كثيراً مما حُرم على غيرها، ولم يجعل عليها في أحكامها عنتاً وشدة ، قال الله تعالى : (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج 78،
ومن خصائص هذه الأمة: أن جُعلت لها الأرض مسجدا وطهورا، فأيما رجل أدركته الصلاة فلم يجد ماء ولا مسجدا فطهوره ومسجده عنده، فيتيمم ويصلي، بخلاف الأمم قبلنا، فإن صلاتهم مقصورة عليهم في كنائسهم وبيعهم وصوامعهم، وقد بشر بهذا المعصوم صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم : (وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُوراً أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلاَةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ) [رواه أحمد] ،ومن خصائصها: أن الله هداها ليوم الجمعة، وهو سيدُ الأيام وخيرُ يوم طلعت فيه الشمس، ففي صحيح البخاري أن (رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « نَحْنُ الآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ، ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمُ الَّذِى فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ ، فَهَدَانَا اللَّهُ ، فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ ، الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ » ، ومن خصائص هذه الأمة: أن الله تجاوز لها عن الخطأ والنسيان وما أكرهوا عليه، ففي سنن ابن ماجة (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِى الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ ».(وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم« إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ» [رواه مسلم] ،ومن الخصائص أيضا: أنها محفوظة من الهلاك والاستئصال، فلا تهلك بالسنين ولا بالجوع ولا بالغرق ولا يسلط الله عليها عدوا من غيرها فيستبيح بيضتها، ففي سنن الترمذي (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَةً فَأَطَالَهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْتَ صَلاَةً لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا قَالَ : « أَجَلْ إِنَّهَا صَلاَةُ رَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ إِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلاَثًا فَأَعْطَانِي اثْنَتَيْنِ وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً سَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُهْلِكَ أُمَّتِى بِسَنَةٍ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لاَ يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَمَنَعَنِيهَا » ،ومن خصائصها: أنها أمة مرحومة، قال عليه الصلاة والسلام ” أُمَّتِي هَذِهِ أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، لَيْسَ عَلَيْهَا عَذَابٌ فِي الْآخِرَةِ، عَذَابُهَا فِي الدُّنْيَا الْفِتَنُ وَالزَّلَازِلُ وَالْقَتْلُ” [رواه أبو داود] ،كما أن من خصائصها: أنها لا تجتمع على ضلالة، فعن كعب بن عاصم الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الله قد أجار أمتي أن تجتمع على ضلالة” حسنه الألباني ،فلا يمكن أن يتجمع علماء الأمة كلهم على إثم أو خطأ أو معصية أو ضلالة أو بدعة أو انحراف أبدا، ولا بد أن يوجد فيهم من يعرف الحق إلى قيام الساعة.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( وَمَا أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلاَّ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الأَسْوَدِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الخصائص أيضا: أن صفوفها في الصلاة كصفوف الملائكة، ولم يكن هذا لأمة قبلها، فعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا، إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ” [رواه مسلم] ،وكذلك أيضا فإن من خصائصها: أن الطاعون شهادة لمن أصيب به من أمته صلى الله عليه وسلم، فعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّاعُونِ؟ فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يشَاءُ، فَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ، فَلَيْسَ مِنْ رَجُلٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ ، فَيَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَّهِيدِ ” [رواه أحمد] ، وكذلك فإن من خصائصها: أن الله يبعث على رأس كل سنة من يجدد لها دينها في العلم والعمل والعبادة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يُشترط أن يكون المجدد واحدا، فقد يكون المجددون كل منهم يجدد في جانب من الجوانب. وكذلك : فإن فيها الطائفة المتمسكة بالحق، ظاهرين به منافحين عنه مبيين له إلى قيام الساعة، فلا يمكن أن يُكبت الحق الذي عندهم، بل هم ظاهرون، فإذا لم يظهروا بالسيف والسنان فهم ظاهرون بالحجة والبيان، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ ». [رواه مسلم] ، وكذلك: فإن لها نصرا وتمكينا في الأرض فعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ، وَالنَّصْرِ، وَالتَّمْكِينِ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ ” [رواه أحمد] ، ولا شك أنه يوجد في حياتها فترات من الضعف والذلة، لكن لها انتصار كبير وشأن عظيم وحُكْم بليغ شامل في الأرض
ومن خصائصها: أنها أقل الأمم عملا وأكثرها ثوابا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ففي صحيح البخاري (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِى إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ ، فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً ، قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لاَ . فَقَالَ فَذَلِكَ فَضْلِى أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ » وكذلك فإن من خصائصها: أن أعمار هذه الأمة بالنسبة لمن سبقها فيها قِصَر، فالقليل من يتجاوز المائة ، ففي سنن الترمذي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عُمُرُ أُمَّتِى مِنْ سِتِّينَ سَنَةً إِلَى سَبْعِينَ سَنَةً ». إلا أن الله عوضها بليال وأزمنة وأمكنة ومناسبات تتضاعف فيها الأجور، كليلة القدر وعشر ذي الحجة، وصيام عرفة، وغير ذلك. ومن خصائصها: أنهم يأتون يوم القيامة غراء محجلين من آثار الوضوء، وبهذه الصفة يعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته من غيرهم عندما يكون منتظرُهم على الحوض، ففي صحيح مسلم يقول صلى الله عليه وسلم : (وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا ». قَالُوا أَوَلَسْنَا إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ». فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ « أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلاَ يَعْرِفُ خَيْلَهُ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ) ، ومن خصائص هذه الأمة: أنه يدخل الجنة منها سبعون ألفا بغير حساب ولا عذاب بما عملوا بصلاح بدينهم وتقواهم ،وكذلك: فإن لها عيدين في السنة لا ثالث لهما، عيدُ الفطر وعيد الأضحى، ومن خصائصها: اختصاصها باللغة العربية، الذي شرفت بنزول القرآن به، فهي أفضل لغات الأرض وأعظمها وأقومها وأشملها وأكملها وأفصحها وأبينها، ومن خصائصها: أنها أول من يجتاز الصراط، وأول من يدخل الجنة، ومن خصائصها: أحل لها الغنائم، وقد كانت محرمة على الأمم قبلنا
أيها المسلمون
وهكذا تتألق هذه الأمة المباركة، ويترادف عليها فضل الله وكرمُه، وتتقلب في إنعامه وإحسانه، فيا فوزنا ، ويا سعدنا ، أن كنا من أمة هذا النبي الكريم العظيم صلى الله عليه وسلم ، فما علينا إلا أن نحافظ على هذه الخيرة ، لتكون لنا هذه الخصائص ، وهي ممثلة في قوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) آل عمران 110، فلا بد عباد الله أن نحقق في أرض الواقع هذه الخيرية ونحملَ هذا الإسلام فنبشرَ به العالمين ونحيي به موات الدنيا، فإن الأرض عطشى إلى مطر المسلمين، مشتاقة إلى وقع أقدامهم وهتاف تكبيرهم،
الدعاء