خطبة عن (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)
نوفمبر 13, 2023خطبة عن (وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى)
نوفمبر 13, 2023الخطبة الأولى (وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
جاء في الصحيحين: (أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ ». قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ « الْقَتْلُ ».
إخوة الإسلام
لقدْ دلَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه على كلِّ خيرٍ، وحَذَّرَهم مِن كلِّ شرٍّ، ومِن ذلك: إخبارُه صلى الله عليه وسلم بعَلاماتِ السَّاعةِ التي تكونُ في آخِرِ الزَّمانِ؛ وذلك لِيَقْوَى إيمانُ مَن يُشاهِدَها، ويُحسِنَ التَّعامُلَ معها. والاستعداد لها، والتحذير مما يقع فيها من الفتن، والتمسك بشرع الله ودينه، ومما أخبر به صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ)، فقد روى الإمام أحمد: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ فَتَكُونَ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَيَكُونَ الشَّهْرُ كَالْجُمُعَةِ وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَاحْتِرَاقِ السَّعْفَةِ الْخُوصَةُ » (كَاحْتِرَاقِ وَرَقَةِ النَّخْلِ وَجَرِيدِهِ)».
وتقارب الزمان يعني: قلة البركة في الوقت، وعدم الانتفاع به: فقد نزعت البركة من الوقت، فأصبح الوقت يمر بسرعة، والأيام والشهور والسنون تجري مسرعة، ولا يستفيد الانسان منها، وتقارب الزمان يعني: نُقصانُ العَمَلِ بالطَّاعاتِ، لاشتغالِ النَّاسِ بالدُّنيا، والانغماس في الملهيات، فهذا الذي يجلس أمام الاذاعات والشاشات، أو على شبكات الانترنت، ومواقع التواصل، بل أصبح المرء ممسكا (بالموبايل) وهو يسير في الطريق، أو في وسائل المواصلات، فلا يحس بمرور الوقت، ولا يشعر بقيمة الزمن، وكل ذلك من صور تقارب الزمان، رغم أن هذا الوقت المهدر هو رأس مال المسلم: فالوقت نعمة وأمانة، يضيعها كثير من الناس في هذا الزمان، ففي صحيح البخاري: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضي الله عنهما – قَالَ قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، وكل من اشتغل بما لا يرضي الله فقد ضيع وقته، وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك).رواه البخاري موقوفاً في الرقاق،
فالعاقل يتحسر على فوات الأوقات بدون فائدة وبدون طاعة لله، وإذا تذكر ما مضى من أيام عمره، فإنه يندم على الساعات التي قضاها في اللهو والبطالة، وأشد ساعات الندم حين يقبل المرء بصحيفة عمله، فيرى فيها الغفلة، قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) الفجر (23)، (24). وقال تعالى: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) الزمر (56)، فالعاقل من ندم على وقته وعمره، واستقبل لحظات عمره فعمرها بالطاعات قبل أن يأتي اليوم الذي لا ينفع فيه الندم،
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ): أي: يُنزَعَ العِلمُ الشرعي مِن الأرضِ بموت علماء الدين، العلماء الربانيين، العلماء بالكتاب والسنة، ففي الصحيحين: (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ». فرَفع العِلمِ لا يَكونُ بمَحوِه مِنَ الصُّدورِ، بَل بموتِ العُلَماءِ وبَقاءِ الجُهَّالِ الذينَ يَتَعاطونَ مَناصِبَ العُلَماءِ في الفُتيا والتَّعليمِ، يُفْتونُ بالجَهْلِ ويُعلِّمونَه، فيَنتَشِرُ الجَهْلُ ويَظهَرُ، وقَد ظَهَرَ ذلك ووُجِدَ على نَحوِ ما أخبَرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ففي وقتنا الحاضر قل العلم، وتزبب كثير من الناس بالعلم قبل أن يتعلموا، فقالوا في دين الله بغير علم، فضلوا أنفسهم وأضلوا غيرهم. وفي صحيح البخاري: (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – «إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ، وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ)، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذرنا من هؤلاء الجهال، الذين يفتون في دين الله بغير علم، فيغيروا ويبدلوا، ويقولوا في شرع الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، فلا تسمعوا لهم، ولا تأخذوا عنهم دينكم، ولا تلتفتوا إلى فتاويهم وأحكامهم، ولكن عليكم بالعلماء الربانيين، الذين يقولون قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم: (وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ): أي: تكثر فتن الشبهات من العقائد الفاسدة، والآراء المنحرفة المضللة، الَّتي تفتن الناس عن دينهم؛ وتبعدهم عن طريق رسولهم صلى الله عليه وسلم ، كما تكثر فتن الشهوات: من الزنا، والخمر، وأكل أموال الناس بالباطل، والربا، وانْتِشار المَعاصي، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوقوع في الفتن، ففي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ». وفيه أيضا: (قال صلى الله عليه وسلم: (وَسَيُصِيبُ آخِرَهَا بَلاَءٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا وَتَجِيءُ فِتْنَةٌ فَيُرَقِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ مُهْلِكَتِي. ثُمَّ تَنْكَشِفُ وَتَجِيءُ الْفِتْنَةُ فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ هَذِهِ هَذِهِ. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ)، وفيه أيضا: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ ».
أيها المسلمون
ثم نأتي إلى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (وَيُلْقَى الشُّحُّ ): أي: يَنتشِرَ البُخلُ الشَّديدُ عَلى اختِلافِ أنْواعِه، ويَتمكَّنَ مِن قُلوبِ النَّاسِ حَتَّى يَبخَلَ الغَنيُّ بِمالِه، ويَبخَلَ العالِمُ بِعِلمِه، ويَبخَلَ الصَّانِعُ بِصِناعتِه، وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشح والبخل، ففي صحيح مسلم: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ ». وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الشح والبخل، ففي الصحيحين: (كَانَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ »، فإياكم من الشح والبخل، بل كونوا من أهل الانفاق والتصدق والكرم والعطاء، ففي سنن الترمذي: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّخِيُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ »
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ )
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ». قَالُوا وَمَا الْهَرْجُ قَالَ «الْقَتْلُ»: فيَكثُرُ في هذا الزمان قَتْلُ النَّاسِ بَعضِهم لِبَعضٍ ظُلمًا وعُدوانًا؛ لِمُجَرَّدِ هَوى النَّفسِ وإشْباعِ رَغَباتِها الخَبيثةِ، أو استِجابةً لِبَعضِ الأفْكارِ والآراءِ الهَدَّامةِ الَّتي تَخْدُمُ أعْداءَهم وهُم لا يَشعُرونَ، كما فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الهرج والقتل: استِباحةُ دِماءِ المسلمينَ بَعضِهم لبعضٍ دونَ وَجْهِ حقٍّ، ففي سنن ابنِ ماجَهْ (قال أَبُو مُوسَى حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ بَيْنَ يَدَىِ السَّاعَةِ لَهَرْجًا ». قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْهَرْجُ قَالَ « الْقَتْلُ». فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَقْتُلُ الآنَ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَيْسَ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَذَا قَرَابَتِهِ ». فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَعَنَا عُقُولُنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ تُنْزَعُ عُقُولُ أَكْثَرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَيَخْلُفُ لَهُ هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ لاَ عُقُولَ لَهُمْ »،
فالقتْلُ المقصودُ هنا هو أنْ يَقتُلَ المسلِمونَ بَعضُهم بعضًا دونَ مُراعاةٍ لِحُرمةِ دَمٍ، أو دِينٍ، أو قَرابةٍ. وفي صحيح مسلم: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لاَ يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ». فَقِيلَ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَالَ «الْهَرْجُ. الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»،
فالرسول صلى الله عليه وسلم يحذرنا من جريمة القتل، واستباحة الدماء بغير حق، وألا نكون من الفاسدين المفسدين، الخارجين عن الدين في هذا الزمان، الذي يكثر فيه الهرج والقتل بدون وجه حق، وقال الله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) [النساء:93]. وعند البخاري عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: “لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا”، وعند الترمذي والنسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ”.
والدماء لها الصدارة يوم القيامة في القضاء في الحقوق؛ ففي الصحيحين: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ ». وفي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا يَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ »، وعند الترمذي عن أبي هُرَيْرَةَ أن رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: “لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الأَرْضِ اشْتَرَكُوا فِي دَمِ مُؤْمِنٍ لأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ”. كل هذا لحرمة دم المسلم، ألا ، فاحذروا الدماء، والقتل بغير الحق.
الدعاء