خطبة عن قوله تعالى (فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أبريل 21, 2018خطبة عن: من أخلاق المسلم :(الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
أبريل 21, 2018الخطبة الأولى ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ »
إخوة الإسلام
إن المتأمل والمتدبر لهذا الحديث النبوي ، يتضح له ،أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يبَيِّن لنا فيه ، أنَّ المَلائِكةَ تَتَناوَب على حِراسةِ البَشرِ ،فطائِفة تَحرُسهم لَيلًا، وطائِفة أُخرى تَحرُسهم نهارًا، ويَجتمِعون في صَلاةِ الفَجرِ، أي: تَجتمِع ملائكةُ النَّهارِ بملائِكةِ اللَّيلِ في صَلاةِ الفَجرِ؛ حيثُ يَنزِل ملائكةُ النَّهارِ عِندَ أوَّلِ الصَّلاةِ، ولا زال ملائكةُ اللَّيل مَوجودينَ فيَلتَقون بِهم. وصَلاة العَصرِ، أي: ويَجتمِع مَلائكةُ اللَّيلِ بمَلائكةِ النَّهارِ في صَلاةِ العَصرِ. ثُمَّ يَعرُج الَّذينَ باتوا فيكُم، أي: ثُمَّ يَصعَد مَلائِكةُ اللَّيلِ بعد صَلاةِ الفَجرِ فيَسأَلهم الرَّبُّ عزَّ وجلَّ وهو أعلَم بهِم: كَيفَ تَركْتُم عِبادي؟ أي: يَسأَلُهم كَيفَ تَركتُم عِبادي، وهو في غِنًى عَن سُؤالِهم هذا؛ لأنَّه عَليم بِهم، وإنَّما يَسأَلُهم عَن ذلِك في المَلأ الأعْلى؛ تَنويهًا بِشأنِ بَني آدَمَ وبَيانًا لِفَضلِهم، ولِيُباهي بهِم المَلائكةَ فيَقولون تَركْناهم وهُم يُصلُّون صَلاةَ الصُّبحِ وأَتَيْناهم وهُم يُصلُّون صَلاةَ العَصرِ، فَهم في صَلاةٍ دائِمةٍ. وكذَلِك يَسألُ عزَّ وجلَّ مَلائكةَ النَّهارِ، فيُجيبون بِمِثل ما أجابَ به مَلائكةُ اللَّيلِ فواجب علينا أن نحرص على هاتين الصلاتين في جماعة ، وأن ترانا الملائكة الأطهار ونحن في أحسن حال من العبادة والخشوع حين يتعاقبون علينا صباحاً ومساء، ومن المعلوم أن الإيمان بالملائكة ركن من أركان الإيمان، لا يقوم بنيان الإيمان إلا به، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما الإيمانُ؟ فقال: «أن تُؤمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكتابِه، ولقائِه، ورُسُلِه، وتُؤمِنَ بالبَعْثِ، وتُؤمِنَ بالقَدَرِ كلِّه» (رواه مسلم)، وهذا الإيمان الجازم يثمر ثمرات طيبات في حياة المؤمن، فتزكو روحه ويطهر قلبه وتطمئن نفسه وتسعد حياته، ويمكن للمسلم أن يجعل من هذا الركن الإيماني حقلاً خصباً لزرع بذور الإيمان والخشية والمراقبة في نفسه ، والملائكة إذا تحدثتَ عنهم فثَم الطاعة الدائمة والنور والبهاء، والإيمان الراسخ والطهر والنقاء، والأمانة العالية والقوة والحياء! ، وإذا ذكرتَهم تذكرتَ أنبياء الله تعالى عليهم الصلاة والسلام، وتذكرت أولياءه من عباده الصالحين، فبمجرد ذِكرهم يغمر النفس في بحار من السكينة والراحة والأمان، كما يملأ القلب رهبة وخوفاً وفرقاً، ولِمَ لا، وهم عباد الله المكرمون الذين (لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) {6} (التحريم). إنهم ملائكة الله، الكرام البررة الذين خلقهم سبحانه تعالى من نور، وهم الأطهار الذين لا يكتمل إيمان العبد إلا بالإيمان بهم، وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم، ووصف الله عز وجل كل من يكفر بهم بأنه ضل طريق الهداية، فقال تعالى: (وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً) {136} (النساء).
أيها المسلمون
كما يظهر ويتبين للمتأمل والمتدبر لهذا الحديث أيضا ، منزلة ومكانة صلاتي الصبح والعصر ، فلصلاة الفجر مذاق خاص يعلمه من حافظ عليها في جماعة، ويشعر به من التزم أداءها في وقتها، فالأجواء صافية نقية، وما زالت أجهزة الإنسان لم تقم بكل وظائفها، فتستفتح بآيات من كتاب الله – تعالى – تترنم بها لتسمو في مراتب العارفين، وتحلق في فضاء الخاشعين، وتسجل في سجلات الذاكرين، فما أجملها من حياة من كانت هكذا بدايته يقول سيد قطب – رحمه الله تعالى -: “وللقرآن كما للصلاة إيقاعه في الحس في مطلع الفجر ونداوته، ونسماته الرخية، وهدوئه السارب، وتفتحه بالنور، ونبضه بالحركة، وتنفسه بالحياة..” ،وإن المحافظ على صلاة الفجر قد وضع له الضمان بدخول الجنة التي عرضها السماوات والأرض، والتي حولها يدندن الصالحون ، ففي الصحيحين (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ »، والمراد بالبردين صلاة الفجر والعصر، وكما أن الملازم لصلاة الفجر قد وجبت له الجنة؛ فقد حرمه الله – تعالى – على النار ، فقد روى مسلم أن (رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا »، يعني الفجر والعصر”، وليس هذا فقط بل يكون في ذمة الله – عز وجل – ،ففي مسلم (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلاَ يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ».وأما فضائل صلاة العصر ، فصلاة العصر أمرها عظيم ، وهي الصلاة الوسطى ، وهي أفضل الصلوات الخمس ، قال الله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (238) البقرة ، وفي صحيح البخاري (فَإِنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ » . أي : خسارة عظيمة ،فصلاة العصر لها مزية عظمى في شدة العقوبة وشدة الإثم ، وفي عظم الأجر لمن حافظ عليها ، واستقام عليها مع بقية الصلوات .
أيها المسلمون
ومما يستنبط أيضا من هذا الحديث ، أن هناك علاقة وطيدة بين الملائكة وبين المؤمنين من عباد الله الصالحين ، فالصلة بين بني آدم وبين الملائكة قائمة منذ زمن بعيد ، حين خلق الله أبانا آدم عليه السلام، وإذ أكرمه الله تعالى ،وخلقه ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته الأطهار، سجود تكريم وتعظيم وإكبار. قال الله تعالى: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 34)، ومن المعلوم أن هناك دورا عظيما للملائكة تجاه المؤمنين ، ومن ذلك : أولا : محبتهم للمؤمنين: ففي الصحيحين (عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيلَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحْبِبْهُ . فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلاَنًا فَأَحِبُّوهُ . فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ » ،ثانيا : والملائكة تقوم بتسديد المؤمن: ففي الصحيحين : أن (رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ « يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ، اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ »، ثالثا : والملائكة تصلى على المؤمنين: قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) [الأحزاب: 43]. والصلاة من الملائكة على المؤمنين بمعنى الدعاء ، والاستغفار لهم، كما تفيد الآية أن ذكر الله لنا في الملأ الأعلى، ودعاء الملائكة للمؤمنين واستغفارهم لهم، له تأثير في هدايتنا وتخليصنا من ظلمات الكفر, والشرك, والذنوب, والمعاصي إلى النور الذي يعني وضوح المنهج والسبيل، بالتعرف على طريق الحق الذي هو الإسلام، وتعريفنا بمراد الله منا، وإعطائنا النور الذي يدلنا على الحق: في الأفعال, والأقوال, والأشخاص. رابعا : الملائكة تقوم بالتأمين على دعاء المؤمنين: وبذلك يكون الدعاء أقرب إلى الإجابة ، خامسا : الملائكة تستغفر للمؤمنين: قال الله تعالى (وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلَا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الشورى: 5 ]. وقال تعالى : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) [غافر: 7-9]
ومما يستنبط أيضا من هذا الحديث : سادسا : – شهودهم لمجالس العلم, وحلق الذكر, وحفهم أهلها بأجنحتها: ففي صحيح البخاري قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ ، يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ ، فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ . قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) . وفي سنن الترمذي عن أبي الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ ) ، سابعا : – تسجيل الملائكة الذين يحضرون الجمعة: ففي البخاري (قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ، وَقَفَتِ الْمَلاَئِكَةُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ يَكْتُبُونَ الأَوَّلَ فَالأَوَّلَ..) ، ثامنا : الملائكة تنزلّهم عندما يقرأ المؤمن القرآن: فقد روى مسلم (….فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اقْرَإِ ابْنَ حُضَيْرٍ ».قَالَ فَانْصَرَفْتُ. وَكَانَ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا خَشِيتُ أَنْ تَطَأَهُ فَرَأَيْتُ مِثْلَ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ السُّرُجِ عَرَجَتْ فِي الْجَوِّ حَتَّى مَا أَرَاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تِلْكَ الْمَلاَئِكَةُ كَانَتْ تَسْتَمِعُ لَكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لأَصْبَحَتْ يَرَاهَا النَّاسُ مَا تَسْتَتِرُ مِنْهُمْ ». تاسعا : الملائكة يبلّغون الرسول صلى الله عليه وسلم عن أمته السلام: فقد روى النسائي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ لِلَّهِ مَلاَئِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِى السَّلاَمَ ». عاشرا : الملائكة تبشر المؤمنين بكل خير ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ) فصلت 30، 31
ومما يستنبط أيضا من هذا الحديث : الحادي عشر : أن الملائكة يقاتلون مع المؤمنين ويثبتونهم في حروبهم: وقد أمد الله المؤمنين بأعداد كثيرة من الملائكة في معركة بدر، قال الله تعالى : (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ) [ الأنفال: 9 ]، وقال تعالى : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [ آل عمران: 123-125 ] ،وفي صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ « هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ – عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ » ،وقد بين الله الحكمة والغاية من هذا الإمداد، وهو تثبيت المؤمنين، والمحاربة معهم، وقتال الأعداء، وقتلهم بضرب أعناقهم وأيديهم، فقال تعالى : (وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال: 10]، وقال تعالى : ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) [الأنفال: 12]. وقد سمع أحد المقاتلين من المسلمين صوت ضربة ملك، ضرب بها أحد الكفار، وصوته وهو يزجر فرسه، ففي صحيح مسلم (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِى أَثَرِ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومُ. فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ. فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومما يستنبط أيضا من هذا الحديث : أن الملائكة تحمي رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعدائه : فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ يُعَفِّرُ مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ. فَقَالَ وَاللاَّتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ – قَالَ – فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يُصَلِّى زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى رَقَبَتِهِ – قَالَ – فَمَا فَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلاَّ وَهُوَ يَنْكِصُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِى بِيَدَيْهِ – قَالَ – فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ فَقَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلاً وَأَجْنِحَةً. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَوْ دَنَا مِنِّى لاَخْتَطَفَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا ». الثالث عشر : الملائكة تشهد جنازة الصالحين: فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في سعد بن معاذ، كما في سنن النسائي (عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « هَذَا الَّذِى تَحَرَّكَ لَهُ الْعَرْشُ وَفُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَشَهِدَهُ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنَ الْمَلاَئِكَةِ لَقَدْ ضُمَّ ضَمَّةً ثُمَّ فُرِّجَ عَنْهُ ». الرابع عشر : الملائكة تظلل الشهيد بأجنحتها : ففي الصحيحين أن (جَابِرًا قَالَ لَمَّا قُتِلَ أَبِى جَعَلْتُ أَبْكِى وَأَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ، فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – يَنْهَوْنِي وَالنَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – لَمْ يَنْهَ ، وَقَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ تَبْكِيهِ أَوْ مَا تَبْكِيهِ ، مَا زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ » ،الخامس عشر : الملائكة تحمي مكة والمدينة من الدجال : كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث فاطمة بنت قيس من قصة تميم الداري وفيه : (وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّى إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الأَرْضِ فَلاَ أَدَعَ قَرْيَةً إِلاَّ هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَىَّ كِلْتَاهُمَا كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلاَئِكَةً يَحْرُسُونَهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَطَعَنَ بِمِخْصَرَتِهِ فِي الْمِنْبَرِ « هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ هَذِهِ طَيْبَةُ ». يَعْنِى الْمَدِينَةَ « أَلاَ هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ ذَلِكَ ». فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ )، السادس عشر : الملائكة باسطة أجنحتها على الشام: ففي مسند أحمد (عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْماً حِينَ قَالَ « طُوبَى لِلشَّامِ طُوبَى لِلشَّامِ ». قُلْتُ مَا بَالُ الشَّامِ قَال « الْمَلاَئِكَةُ بَاسِطُو أَجْنِحَتِهَا عَلَى الشَّامِ ». السابع عشر : ما في موافقة الملائكة من أجر وثواب: فقد ثبت في الصحيحين : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « إِذَا أَمَّنَ الإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ »
أيها المسلمون
ومن الفوائد والدروس والعبر التي نستنبطها من هذا الحديث: 1- أن من أركان الإيمان : الإيمان بالملائكة، ومن الإيمان بالملائكة الإيمان بما أخبر الله عنهم من صفاتهم، ووظائفهم، ومن أنكر الملائكة فقد كفر كفراً أكبر. 2- في هذا الحديث بيان عناية الله بعباده المؤمنين المحافظين على الصلاة، وإكرامه لهم حيث سخر ملائكة تحضرهم في صلاتي الفجر والعصر ،وتشهد لهم عند ربهم بأدائهم الصلاة. ومن الفوائد والدروس والعبر التي نستنبطها من هذا الحديث: 3- فضل صلاتي الفجر والعصر : حيث جعلهما الله وقتاً تجتمع فيه الطائفتان من الملائكة وبقية الفروض تحضرها طائفة واحدة. 4- إثبات صفة الكلام لله تعالى، والله عز وجل يتكلم بما يشاء حين يشاء، كلاماً يليق بجلاله ويسمع كلامه من شاء من خلقه ، ومن الفوائد والدروس والعبر التي نستنبطها من هذا الحديث: 5- إثبات صفة العلو لله تعالى فالله عز وجل فوق عرشه بذاته وهو مع خلقه بعلمه ولهذا تعرج إليه الملائكة والعروج هو الصعود من الأسفل إلى الأعلى ، 6- عظم شأن الصلاة بين العبادات حيث وقع السؤال عنها. 7- إخبارنا بهذا الخبر يوجب علينا مزيد التحفظ في أقوالنا وأفعالنا في سرائرنا وعلانيتنا حيث وكل بنا من يحفظ أعمالنا ويسأله الله عنها فيجيب بأصدق جواب ، 8- هذا الحديث من أخبار الغيب والواجب على المؤمن أن يؤمن بالغيب ولا يتردد في تصديقه إذا جاء في القرآن أو صحيح السنة
الدعاء