خطبة عن حديث (تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ)
يناير 26, 2019خطبة عن (الرحمة) من أخلاق المسلم
يناير 26, 2019الخطبة الأولى ( يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ ». وفي صحيح مسلم : (عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ يَقْرَأُ (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) قَالَ :« يَقُولُ ابْنُ آدَمَ مَالِي مَالِي – قَالَ – وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ » .
إخوة الاسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يحذر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من فتنة المال ، ويرغبهم في الانفاق والتصدق في أوجه البر والخير ، وفي سنن الترمذي بسند صحيح : (عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً وَفِتْنَةُ أُمَّتِى الْمَالُ » ، ففتنة هذه الأمة هو المال ، فإذا كثر المال في أيدي الناس ، وبسط الله لهم في الرزق ، نسوا الله ، ونسوا الآخرة، وغفلوا عن الذكر ،وإقامة الصلاة ، وساءت العلاقات فيما بينهم ،ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الضياع ، يعني الحدائق والبساتين ، فإن الإنسان يلهو بها عما هو أهم منها من أمور الآخرة ، وفي الصحيحين واللفظ للبخاري :(عَنْ أَبِى مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ ، وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ ، وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ » ، والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يكون زاهدا في الدنيا ، راغبا في الآخرة، وأن الله إذا رزقه مالا ، فليجعله عونا على طاعة الله، وليجعل الدنيا في يده ، وليست في قلبه، حتى يفوز بخيري الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر ، (يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي ) هكذا يهتم العبد بماله ،
ولكن ما المقدار الذي له من ماله ؟, فليس له من ماله إلا هذه الصور التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم : الصورة الأولى قوله (مَا أَكَلَ فَأَفْنَى ) أي له من ماله ما لابد منه ليعيش ويحيا ،ويقوم بحق الله عز وجل الذي من أجله خلقه ألا وهو توحيده تبارك وتعالى وعبادته ، قال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) (56): (58) الذاريات ، فله من ماله ما أكل فأفنى ، أو(أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى) فهذه هي الأشياء التي لابد منها ،والنوع الثاني مما له (أي يعود النفع إليه ) هو أنه يعطي غيره من ماله فيرضيه ، فليس هذا مما يقتصر على إخراج الزكاة المفروضة فقط ،وإنما يتعداها أيضا إلى الزكوات غير المفروضة ثم بين عليه الصلاة والسلام نتيجة ما بقي من بعد هذه التصريفات في ماله، فيقول : (وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ ».وفي رواية : ( أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ». أي يكون مدخَرًا له عند الله -عز وجل-، ولو تأمل الإنسان هذا المعنى لوجده في غاية الدقة، فما الذي يكون للإنسان غير هذه الثلاثة ، فهذا الذي يموت وهو يملك مناطق شاسعة، أو عمارات ، أو يملك أسواقًا، أو يملك المراكب، أو يملك الطائرات، فإذا مات ،فما الذي له من ماله ؟ ولذلك إذا تبصرت في هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- وعقلتها وروضت حياتك على هذه الأمور استرحت كثيراً، وإذا طلبت النفس أكثر من حاجاتها فإن الإنسان يبقى قلبه معذباً، حتى لو كان عنده أشياء يبقى ينتظر الزيادة؛ لأن الإنسان لا تملأ نفسه إلا الجنة، فالجنة هي التي فيها يتحقق طموح الإنسان، أما الدنيا فلا يتحقق فيها الطموح، كلما طلب شيئًا طلب الزيادة ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لَوْ كَانَ لاِبْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ لاَبْتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا وَلاَ يَمْلأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إِلاَّ التُّرَابُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ ».
أيها المسلمون
فالمؤمن يعمل لآخرته ويجتهد، ويعمل لدنياه ويجتهد ، فكونه يتكسَّب ليستر عورته، وليأكل حاجته، وليتصدق ويُحْسِن إلى الناس؛ فلا بأس أن يحرص على ما ينفعه، ولكن لا يشغله ذلك عن الآخرة، فالتجارة والعمل لا يشغله عن الآخرة، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ ..) أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
في مسند أحمد عن (رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ قَالَ : « عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ ». فلا مانع أن يتَّجر الانسان، ولا مانع أن يزرع، ولا مانع أن يعمل الأعمال الأخرى من: نجارةٍ، أو حدادةٍ، أو غير ذلك، ولكن عليه أن يستعين بها على طاعة ربه، ولا تشغله عن الآخرة. فمن جمع بين الدنيا والآخرة فلا حرج عليه، كما جمع الصَّحابةُ: كعبدالرحمن بن عوف، والصديق، وعمر، وغيرهم، جمعوا بين الدين والدنيا، فهم من أهل الأموال، ومن أهل الاستقامة والصلاح، بل من العشرة المشهود لهم بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم. والمقصود من هذا أن المؤمن يعدّ للآخرة، ولا يُشغل بما يصدّه عن الآخرة، بل يكون عنده الجدّ في طاعة الله، والعمل بطاعة الله، والحذر مما يشغله عن الآخرة، ولا بأس أن يعمل: يتَّجر، أو يضع شركةً في كذا وكذا، ويكون حدَّادًا، أو خبَّازًا، أو نجَّارًا، أو خيَّاطًا، لا بأس، لكن يتحرَّى الحقَّ والصدقَ وعدم الغش، فإذا فعل ذلك فقد جمع بين الأمرين: جمع بين خيري الدنيا والآخرة.
الدعاء