خطبة عن حرمة قتل النفس وحديث (مَنَ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ)
أغسطس 29, 2020خطبة عن قوله تعالى (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ)
سبتمبر 5, 2020الخطبة الأولى : حرمة التداوي بالخمر والمحرمات ، وحديث (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَا أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ « إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ ». وروى البخاري في صحيحه : (قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي السَّكَرِ : إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ .
إخوة الإسلام
إن التداوي من الأمور المشروعة ، ولكنه يجب أن يكون بما شرعه الله جل وعلا ، وبما شرعه رسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا هو الذي يمكن أن يكون فيه الشفاء ، أما ما حرمه الله ، فلا شفاء فيه ، ومما يدل على تحريم التداوي بالأدوية المحرمة عامة ، وبالخمر خاصة : ما رواه البخاري ومسلم كما في الأحاديث المتقدمة ،وما رواه أبو داود في سننه 🙁 عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ ». وفي صحيح ابن حبان : (قالت أم سلمة اشتكت ابنة لي فنبذت لها في كوز ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغلي فقال ما هذا ؟ فقالت : إن ابنتي اشتكت فنبذنا لها هذا ،فقال صلى الله عليه وسلم : (إن الله لم يجعل شفاءكم في حرام ) ، وفي سنن الترمذي وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ. قَالَ أَبُو عِيسَى يَعْنِى السُّمَّ ) . فهـذه النصـوص وأمثالهـا صـريحة في النهـي عـن التـداوي بالخبائث ، مصرحة بتحريم التداوي بالخمر ، إذ هي أم الخبائث وجماع الإثم ، ومن أباح التداوي بـالخمر من علماء الكوفـة فقد قاسه على إباحة أكـل الميتة والدم للمضطر ، وهو مع معارضته للنص ضعيف ؛ لأنه قياس مع الفارق ، إذ أكل الميتة والدم تزول به الضرورة ، ويحفظ الرمق ، وقد تعين طريقا لذلك ، أما شرب الخمر للتداوي فلا يتعين إزالة المرض به ، بل أخبر – صلى الله عليه وسلم – بأنه داء وليس بدواء ، ولم يتعين طريقا للعلاج . ورحم الله مسلما استغنى في علاج مرضه بما أباح الله من الطيبات ، واكتفى به عما حرمه – سبحانه – من الخبائث والمحرمات . والله تبارك وتعالى إذا أمر عباده بشيء فهو إما لمصلحة محضة ، أو راجحة على مفسدته ، وإذا نهى عن شيء فهو إما لمفسدة محضة أو أن مفسدته أرجح من مصلحته ، والله جل وعلا حكيم عليم ، وتصور المريض أن هذا المرض لا يشفى إلا بشرب الخمر هذا أمر موهوم ، فالأدوية كثيرة من دينية وطبيعية ، ثم إن الدواء لا يشفي المرض ، وإنما جعل الشفاء من الله جل وعلا عند استعمال الدواء ، فإن تعاطي الأسباب الشرعية قد يكون مصحوباً بالاعتماد عليها ، وقد يكون مصحوباً بجعلها سببا مع الاعتماد على الله جل وعلا ، واعتقاد أنها قد تنفع وقد لا ، تنفع فهذا هو المطلوب شرعاً ، أما الاعتماد عليها اعتماداً كلياً فهذا شرك
أيها المسلمون
وقد توهم بعض المتقدمين أن في الخمر منافع طبية ،واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]، وقد رد كثير من الأئمة على هذا الزعم ، فقال الصنعاني: أفاد الحكم الذي دلت عليه الأحاديث هو تحريم التداوي بالخمر ،وزيادة الأخبار بأنها داء، وقد علم من حال من يستعملها أنه يتولد عن شربها أدواء كثيرة، وكيف لا يكون ذلك بعد إخبار الشارع أنها داء ،والمنافع في الخمر موهومة، فهي إما منافع مادية ،لمن يبيع الخمر ويتجر بها ، ولكنها طامة كبرى على المجتمع ،وخسارة مادية أية خسارة. وإما منافع طبية وصناعية وأغلبها موهوم، مثل الاعتقاد بأن الخمر تفـتح الشهية ،وقد استخدمت الخمر كفاتح للشهية منذ أقدم العصور، واستخدمها اليونان والرومان والفرس والعرب وتفننوا فيها. ويستخدمها الأوروبيون اليوم وخاصة الفرنسيون فاتح للشهية، وعادتهم أن لا يشربوا صعب الأطعمة إلا بالنبيذ وكذلك الإيطاليون.. والخمر تفتح الشهية أول الأمر ،فتزيد من إفراز حامض المعدة ،ولكنها بعد فترة تسبب التهاب المعدة. وتعقب تلك المنفعة الموهومة مضرات وعواقب وبيلة وخيمة ،أولها التهابات المعدة ، وفقدان الشهية ،والقيء المتكرر ، وآخرها سرطان المريء. وقد جاء وفد اليمن ووفد حضرموت إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يسمح لهم بشرب الخمر بحجة أن بلادهم باردة فأبى عليهم، ففي مسند أحمد وسنن أب داود : (عَنْ دَيْلَمٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ بَارِدَةٍ نُعَالِجُ بِهَا عَمَلاً شَدِيداً وَإِنَّا نَتَّخِذُ شَرَاباً مِنْ هَذَا الْقَمْحِ نَتَقَوَّى بِهِ عَلَى أَعْمَالِنَا وَعَلَى بَرْدِ بِلاَدِنَا. قَالَ « هَلْ يُسْكِرُ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « فَاجْتَنِبُوهُ ». قَالَ ثُمَّ جِئْتُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَقَالَ « هَلْ يُسْكِرُ ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ « فَاجْتَنِبُوهُ » قُلْتُ إِنَّ النَّاسَ غَيْرُ تَارِكِيهِ. قَالَ « فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهُ فَاقْتُلُوهُمْ ».
أيها المسلمون
وجاء الطب الحديث بعد هذه الحادثة بألف وأربعمائة عام تقريبا ليقول لنا إن ذلك الدفء ليس إلا من قبيل الوهم. فالخمر توسع الأوعية الدموية وخاصة تلك التي تحت الجلد فيشعر المرء بالدفء الكاذب كما يحصل في أعياد الميلاد في أوروبا وأمريكا حيث يسكر كثير من الناس ويبقى بعضهم في الشوارع والحدائق يتعرضون للبرد القارس. فيموتون من البرد وهم ينعمون بالإحساس الكاذب بالدفء.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية : حرمة التداوي بالخمر والمحرمات ، وحديث (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول ابن القيم: “إنما حرم الله على هذه الأمة ما حرم لخبثه، وتحريمه لهحمية لهم وصيانة عن تناوله فلا يناسب أن يطلب به الشفاء من الأسقام والعلل. ثم يقول : فإنه وإن أثر في إزالتها (هذا الكلام حسب رأي الطب في زمنه)، لكنه يعقب سقما أعظم منه في القلب ،بقوة الخبث الذي فيه، فيكون المداوي به قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم القلب. ويقول أيضا : فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد عنه بكل طريق، وفي اتخاذه دواء حض على الترغيب فيه وملابسته، وهذا ضد مقصود الشرع، وأيضا فإنه داء كما نص عليه صاحب الشريعة، فلا يجوز أن يتخذ دواء، وأيضا فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة الخبث لأن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء انفعالا بينا. فإذا كانت كيفيته خبيثة اكتسبت الطبيعة منه خبثا، فكيف إذا كان خبيثا في ذاته. ولهذا حرم الله سبحانه على عباده الأغذية والأشربة والملابس الخبيثة. لما تكتسب النفس من هيئة الخبث وصفته”
الدعاء