خطبة عن الحديث (أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ(الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا، ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ، والْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)
أكتوبر 10, 2020خطبة حول معنى حديث ( اعْبُدُوا الرَّحْمَنَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَأَفْشُوا السَّلاَمَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ )
أكتوبر 10, 2020الخطبة الأولى ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسنه : (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَقَاهُ مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ ». قِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَا نَهْرُ الْخَبَالِ قَالَ نَهْرٌ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ ) ، وفي رواية لابن ماجه : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ، فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ ، فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ ؟ قَالَ : عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ) . صححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
إخوة الاسلام
لقد كرّم الله جل وعلا الإنسان بالعقل، وبه ميزه، ولعظم شأن العقل شرع الحد لحفظه وصيانته، وكان حفظه من الضروريات الخمس في شريعة الإسلام. فبالعقل يميّز الإنسان بين الخير والشرّ، وبه يتبيّن أوامرَ الشرع، ويعرف الخطابَ ،ويردّ الجواب، ويسعى في مصالحه الدينيّة والدنيويّة، فإذا أزال عن الإنسان عقله ، لم يكن بينه وبين البهائم فارق، بل أصبح أضلّ منها، ومن الملاحظ أن الناس تثني على المرء بدينه وخلقه وعقله، والإنسان السوي يسعى ليكون من عقلاء الرجال؛ لا أن يُذهب عقله بيده ؛ ومع وضوح هذا الأمر ، فقد أبى بعض التائهين إلاّ الانحطاط إلى درَك الذلّة والمهانة، معارضين بذلك العقل والشرع، فأزالوا عقولَهم بأيديهم ، وذلك بتعاطيهم الخمور ، والمسكرات ، والمفتّرات ، والمخدّرات ، وقد اصبحنا في زمن فتحت على الناس فيه أبواب الفتن ، وابيحت فيه المحرمات ، كما لم تكن فتحت من قبل ؛ وصار كل ما في أقطار الدنيا يرونه عيانًا جهارا نهارا ، ومن بين هذه المحرمات التي انتشرت في مجتمعات المسلمين (شرب الخمر) ، أو تعاطيه بأي وسيلة من الوسائل ، وبأي نوع من أنواع الخمر ،ومن المعلوم في شريعتنا الإسلامية أن شرب الخمر كبيرةٌ من كبائر الذنوب، وقد لعن الله مرتكبها، وكل من أعان عليها، كما في حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ، وَشَارِبَهَا، وَسَاقِيَهَا، وَبَائِعَهَا، وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا، وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ». رواه الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما. ولما نزل قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) مَشَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ , وَقَالُوا: حُرِّمَتِ الْخَمْرُ , وَجُعِلَتْ عِدْلًا لِلشِّرْكِ ) . رواه الطبراني. وقد جعل الشارع الحكيم الخمر مفتاحَا للشرور والآثام؛ فهي الباب الذي يُدخَل منه إلى كل شر ، وإثم ، وخطيئة؛ ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (اجتنبوا الخمر؛ فإنها مفتاح كل شر) رواه الحاكم ،قال المناوي رحمه الله: جعلها الله مفتاحَ كل إثم , كما جعل الغناء مفتاحَ الزنا , وإطلاق النظر في الصور المحرمة مفتاحَ العشق , والكسلَ والراحةَ مفتاحَ الخيبة والحرمان , والمعاصي مفتاحَ الكفر , والكذب مفتاحَ النفاق , والحرص مفتاحَ البخل , وهذه أمورٌ لا يصدِّقُ بها إلا من له بصيرة صحيحة , ولبٌّ يعرف به ما في نفسه , وما في الوجود من خير وشر.
أيها المسلمون
روى الطبراني في المعجم (عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه وخالته , وعمته )،وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: جلس أبو بكر الصديق , وعمر بن الخطاب وناس من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بعد وفاة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكروا أعظم الكبائر، فلم يكن عندهم فيها علم، فأرسلوني إلى عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أسأله عن ذلك، فأخبرني أن أعظم الكبائر شرب الخمر، فأتيتهم فأخبرتهم، فأنكروا ذلك , ووثبوا إليه جميعا، فأخبرهم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن ملكا من بني إسرائيل أخذ رجلا فخيره بين أن يشرب الخمر، أو يقتل صبيا، أو يزني، أو يأكل لحم الخنزير، أو يقتلوه إن أبى، فاختار أنه يشرب الخمر، وأنه لما شرب لم يمتنع من شيء أرادوه منه، وأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لنا حينئذ: ما من أحد يشربها فتقبل له صلاة أربعين ليلة , ولا يموت وفي مثانته منها شيء إلا حرمت عليه الجنة , وإن مات في الأربعين , مات ميتة جاهلية ” رواه الحاكم في مستدركه ،وفي سنن النسائي وغيره : (عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ فَقَالَتْ : إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لَا يَجْتَمِعُ الْإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلَّا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ) ، وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ وَلاَ مُؤْمِنٌ بِسِحْرٍ وِلاَ مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلاَ مُكَذِّبٌ بِقَدَرٍ ».
هذا وقد ظهرت للخمور أسماء أُخَر، وإن تغيير مسمى الخمر بأي اسم كان ؛ لا يغير حقيقتها وحكمها والوعيد العظيم لصاحبها؛ فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم قاعدة عامة تعرفنا الخمر بقوله : (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ) رواه مسلم . وعند الترمذي : (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ , فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) . وبين صلى الله عليه وسلم أن من علامات آخر الزمان ،وأشراط الساعة ،أن يغير بعض الناس اسم الخمر ليستحلوا شربها؛ فيجمعوا بين كبيرتين : بين شرب الخمر، والتحايل على محارم الله ،كما فعلت يهود ؛ فروى أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِى مَرْيَمَ قَالَ: (دَخَلَ عَلَيْنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ فَتَذَاكَرْنَا الطِّلاَءَ – نوع من الشراب – فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِى الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) وعند ابن ماجه :(لَا تَذْهَبُ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامُ حَتَّى تَشْرَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ , يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا). فهي خمر ولكن الاسم اختلف وتغير، وتغير الاسم لا يغير حقيقة المسمى؛ فتسمية الربا فوائد لا يجعله حلالاً ، وعلى هذا سار الصحابة الكرام ؛ فقد جلد عمر رضي الله عنه من شرب الخمر باسم غير اسمها .كما بين النبي صلى الله عليه وسلم أن شرب الخمر من أول ما يستحله الناس في آخر الزمان ؛ فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُكْفَأُ فِي الْإِسْلَامِ الْإنَاءُ، فَقِيلَ: كَيْفَ يَا رَسُولَ اللهِ ,وَقَدْ بَيَّنَ اللهُ فِيهَا مَا بَيَّنَ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا) رواه الدارمي .وقال أبو الْجُوَيْرِيَةِ : سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ الْبَاذَقِ -شراب مسكر- فَقَالَ: ” سَبَقَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم الْبَاذَقَ -أي مات قبل ظهور هذا النوع من الشراب- , فَمَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ , الشَّرَابُ: الْحَلَالُ الطَّيِّبُ , وَلَيْسَ بَعْدَ الْحَلَالِ الطَّيِّبِ إِلَّا الْحَرَامُ الْخَبِيثُ). رواه البخاري
أيها المسلمون
ومن عِظَم هذا الفعل، أن الله لا يقبل من فاعله صلاةً أربعين يوماً، ما لم يتب، كما جاء مصرحا به في الحديث الذي صدرت به هذه الخطبة ، وليس معنى عدم قبول الصلاة أنها غير صحيحة ، أو أنه يترك الصلاة ، بل المعنى أنه لا يثاب عليها ، فتكون فائدته من الصلاة أنه يبرئ ذمته ، ولا يعاقب على تركها ، قال أبو عبد الله ابن منده : ” قوله ” لا تقبل له صلاة ” أي : لا يثاب على صلاته أربعين يوماً عقوبة لشربه الخمر ، كما قالوا في المتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب إنه يصلي الجمعة ولا جمعة له ، يعنون أنه لا يعطى ثواب الجمعة عقوبة لذنبه .”وقال النووي : “وَأَمَّا عَدَم قَبُول صَلاته فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لا ثَوَاب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَة فِي سُقُوط الْفَرْض عَنْهُ , وَلا يَحْتَاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَة” ،فلا شك أنه يجب على شارب الخمر أن يؤدي الصلاة في أوقاتها ،ولو أخل بشيء من صلاته لكان مرتكباً لكبيرة عظيمة ،هي أشد من ارتكابه لكبيرة شرب الخمر ، وهذه العقوبة على شارب الخمر ، إنما هي لمن لم يتب ، أما من تاب وأناب إلى الله ،فإن الله يتوب عليه ويتقبل منه أعماله ، كما في الحديث السابق : ( فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) . وكما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) رواه ابن ماجه وحسنه الألبان
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ لَهُ صَلاَةً أَرْبَعِينَ صَبَاحًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
كما ثبت بالأدلة القطعية ،من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة ،أن الله تعالى يقبل توبة من تاب إليه ، من أي ذنب كان ، قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر :53 ،وقال الله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى:25. وروى احمد وابن ماجه ، وحسنه الألباني : (عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ عَبْدِهِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ». فإذا جاء في نص من نصوص الشريعة أن الله لا يقبل توبة من تاب، فإن الواجب أن يحمل هذا النص على معنى من المعاني الصحيحة ،التي لا تتعارض مع الأصل المتقدم ، لأن نصوص الشريعة لا يمكن أن تتعارض .والمشكل في الحديث في قوله صلى الله عليه وسلم في المرة الرابعة : (فإن تاب لم يتب الله عليه) . وقد ورد مثل هذا أيضا في القرآن الكريم ، في قول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الضَّالُّونَ ) آل عمران/90 وقد اتفق العلماء على أن الكافر إذا تاب من كفره وأسلم : فإن الله تعالى يقبل توبته ، فيكون بذلك معنى عدم قبول توبة شارب الخمر في المرة الرابعة كما ورد في الحديث السابق، أي : أنه سيؤخر التوبة ، فلا يتوب إلا حين الموت ، فلا تقبل توبته ، أو أنه لن يوفق للتوبة ، وسيموت مصرا على شرب الخمر ، أما من تاب ، قبل حضور الموت : فإن توبته مقبولة .والمعنى أيضا : أنه إن تكرر منه الرجوع إلى هذه المعصية بعد التوبة منها، فإنه في الغالب لا ييسر بعد ذلك إلى أسباب التوبة الصادقة، فذكر ذلك صلى الله عليه وسلم مبالغة في التحذير من هذا الفعل، ليجتنب الإنسان تكرار المعصية، وإلا فإن باب التوبة مفتوح لا يغلق إلا بالموت، أو بخروج الشمس من مغربها. قَالَ الطِّيبِيُّ : وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : أَنَّ قَوْلَهُ : ( إِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ ) مَحْمُولٌ عَلَى إِصْرَارِهِ وَمَوْتِهِ عَلَى مَا كَانَ ، فَإِنَّ عَدَمَ قَبُولِ التَّوْبَةِ لَازِمٌ لِلْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي ، كَأَنَّهُ قِيلَ : مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَأَصَرَّ عَلَيْهِ مَاتَ عَاصِيًا وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ( وَسَقَاهُ) أَيِ اللَّهُ (مِنْ نَهْرِ الْخَبَالِ )
الدعاء