خطبة عن الدعاء وفضائله وحديث (إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلْيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ)
أغسطس 6, 2022خطبة عن الشفاعة وقوله تعالى ( مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا )
أغسطس 6, 2022الخطبة الأولى ( فَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا » .
إخوة الإسلام
لقد أقسم الله تبارك وتعالى بالعصر ،والفجر ،والضحى ،والليل ،والنهار ، وكلها تمثل الزمن ، وإن دل ذلك فإنما يدل على أهمية الزمن ومنزلته ، فهو ظرف العمل ووعاؤه ، وهو سبب الربح والخسارة في الدنيا والآخرة ، فما الحياة إلا هذه الدقائق والساعات التي نعيشها ، ولهذا فقد امتن الله تعالى على عباده ، فقال الله تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 62] ، وحيث تكون الحوادث خارجة عن إرادة الإنسان ،وليست بسبب من جهته ،فعلى المسلم العاقل أن يرضى بما قسم الله له ،ويؤمن بمواقع القضاء ،ويستقبل خطوب الزمان بتسليم لله واحتساب، قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) البقرة (155) :(157) ، وفي صحيح مسلم : (عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ :قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ». ولما كان الزمن عند الله معظما ، فقد نهى الله تعالى عباده عن سب الدهر والزمن ، ففي الحديث المتقدم : « قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ : يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا ». ، قال البغوي رحمه الله تعالى في بيان معناه: “إن العرب كان من شأنها ذمّ الدّهر وسبّه عند النوازل؛ لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره، فيقولون: أصابتهم قوارع الدّهر، وأبادهم الدّهر، فإذا أضافوا إلى الدّهر ما نالهم من الشّدائد سبّوا فاعلها، فكان مرجع سبّها إلى الله عز وجل إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يصفونها، فنهوا عن سبّ الدّهر” ، فالإنسان بسبِّه للدهر يرتكب جملة من المفاسد ، منها أنه سبَّ من ليس أهلاً للسب ، فإن الدهر خلق مسخَّر من خلق الله ، منقاد لأمره متذلل لتسخيره ، فسابُّه أولى بالذم والسب منه ، ومنها أن سبه قد يتضمن الإشراك بالله جل وعلا ، إذا اعتقد أن الدّهر يضر وينفع ، وأنه ظالم حين ضر من لا يستحق الضر ، ورفع من لا يستحق الرفعة ، وحرم من ليس أهلاً للحرمان ، فسابُّ الدهر دائر بين أمرين لا بد له من أحدهما : إما مسبة الله ، أو الشرك به ، فإن اعتقد أن الدَّهر فاعل مع الله فهو مشرك ، وإن اعتقد أن الله وحده هو الذي فعل ذلك ، فهو يسب الله تعالى ، ثم إن في النهي عن سب الدهر دعوة إلى اشتغال الإنسان بما يفيد ويجدي ، والاهتمام بالأمور العملية ، فما الذي يستفيده الإنسان ويجنيه إذا ظل يلعن الدهر ويسبه صباح مساء ، هل سيغير ذلك من حاله ؟ هل سيرفع الألم والمعاناة التي يجدها ؟ هل سيحصل ما كان يطمح إليه ؟ ، إن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً ، ولا بد أن يبدأ التغيير من النفس وأن نشتغل بالعمل المثمر بدل أن نلقي التبعة واللوم على الدهر والزمان الذي لا يملك من أمره شيئاً ،
وقد ذكر الحديث أن في سب الدهر أذية لله جل وعلا ، ولا يلزم من الأذية الضرر ، فقد يتأذى الإنسان بسماع القبيح أو مشاهدته أو الرائحة الكريهة مثلاً ، ولكنه لا يتضرر بذلك ، ولله المثل الأعلى ، ولهذا أثبت الله الأذية في القرآن ، فقال الله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} (57) الأحزاب ، ونفى عن نفسه أن يضره شيء ، فقال الله تعالى : { إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا } (آل عمران: 176) ، وقال في الحديث القدسي : (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِي ) رواه مسلم. وقد سئل الشيخ (ابن عثيمين) عن حكم سب الدهر ، فأجاب قائلا: سب الدهر ينقسم إلى ثلاثة أقسام : القسم الأول : أن يقصد الخبر المحض دون اللوم : فهذا جائز مثل أن يقول ” تعبنا من شدة حر هذا اليوم أو برده ” وما أشبه ذلك لأن الأعمال بالنيات واللفظ صالح لمجرد الخبر ، وإذا قال الإنسان: “هذا يوم شديد” أو “هذا يوم فيه كذا وكذا من الأمور”، ويقول ذلك على سبيل الإخبار، فهذا لا شيء فيه، ومنه قوله تعالى عن لوط – عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ﴾ [هود: 77]؛ أي: شديد، ومنه قول يوسف – عليه السلام -: ﴿ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ﴾ [يوسف: 48] ، وكذلك قول القائل: “يا خيبة اليوم الذي رأيتك فيه” إذا قصد يا خيبتي أنا، فهذا لا بأس به، وليس سبًّا للدهر، القسم الثاني : أن يسب الدهر على أنه هو الفاعل كأن يقصد بسبه الدهر أن الدهر هو الذي يقلِّب الأمور إلى الخير أو الشر : فهذا شرك أكبر لأنه اعتقد أن مع الله خالقا حيث نسب الحوادث إلى غير الله ، القسم الثالث : أن يسب الدهر ويعتقد أن الفاعل هو الله ولكن يسبه لأجل هذه الأمور المكروهة : فهذا محرم لأنه مناف للصبر الواجب وليس بكفر ؛ لأنه ما سب الله مباشرة ، ولو سب الله مباشرة لكان كافراً ،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( فَلاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ. فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن المراد بقوله تعالى في الحديث (فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ) أي أن الله تعالى هو خالق الزمان والمكان ، والمتصرف فيهما ، فهو سبحانه له الخلق والأمر ،والليل والنهار خاضعان لمشيئته ، قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) فصلت (37) ، كما يؤكد الحديث الشريف المتقدم ذكره قيمة الوقت ، وضرورة استغلال الزمان فيما ينفع ، فالوقت نعمة ،وهو محسوب على الإنسان ،وهو محدد ،فلكل إنسان أجل لا يتخطاه ،ولكي ينتفع المرء بوقته لابد أن يستقيم على طاعة الله ،حتى يمنحه البركة ،فالمدار على بركة الوقت ،وليس على طول الوقت، ولذا كان من علامات الساعة أن يتقارب الزمان ،أن يقل خيره ،ولا ينتفع به الانتفاع الصحيح ،ولا يحقق فيه ما يجب تحقيقه، ومن مشاهد القيامة التي حكاها القرآن المجيد أن الظالمين يصطرخون في النار يتمنون الرجوع إلى الدنيا فينادون من قبل الله تعالى: (وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) فاطر (37) ، كما يرشدنا الحديث المتقدم : أن التأدب مع الله تعالى في الأقوال والأفعال والأحوال من أعظم ما يتقرب به العبد إلى ربه – عز وجل –، فلن يرقى أحد إلى مقام من مقامات القرب إلا بحبس لسانه حبساً تاماً عن كل كلمة نابية ،تخلو من حمد الله والثناء عليه، أو تفرغ من مضمون يحبه الله – عز وجل -، أو تكون سبباً في إيذاء عبداً من عباده، ولن ينجو أحد من عذاب الله – جل جلاله – إلا إذا طابقت أفعاله أقواله، بحيث لا يقول ما لا يفعل، أو يفخر بما ليس فيه ،أو بما ليس له ،يقول الله – عز وجل – : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ } (الصف: 2-3)، ولا يقبل الله عمل عامل من ذكر أو أنثى إلا وهو مؤمن به مخلص له الإخلاص كله.
الدعاء