خطبة عن أمة ورسالة، أيها العرب (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)
فبراير 1, 2020خطبة عن حديث (إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ)
فبراير 1, 2020الخطبة الأولى ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81) وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) الأعراف (80) :(84) ، وقال الله تعالى : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ) النمل (54) :(58) ، وقال الله تعالى : (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (28) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (29) قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ) العنكبوت (28) :(30) ، وروى الترمذي في سننه ،وصححه الألباني: ( عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ ) وروى أحمد في مسنده ،وحسنه شعيب الأرنؤوط : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، ثَلاثًا )
إخوة الإسلام
إن عمل قوم لوط من أكبر الكبائر، ومن أعظم الفواحش ، ومن أنكر الجرائم ، وأقبح الذنوب وأسوأ الأفعال ، وقد عاقب الله تعالى فاعليها بما لم يعاقب به أمة من الأمم ،فقال الله تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (73) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) (73) ،(74) الحجر ، فهذه الجريمة الشنعاء تدل على انتكاس الفطرة ، وطمْس البصيرة ، وضعف العقل ، وقلة الديانة ، وهي علامة الخذلان ، وسلم الحرمان ، وقد أجمع علماء الأمة على تحريم اللواط، باعتباره عملاً مذموماً، وفاحشةً مُبيّنةً، وقد عاب الله عزّ وجلّ من فعل هذا الفعل في كتابه العزيز، فقال عزّ من قائلٍ: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) العنكبوت (28) ،وقد عاقب الله سبحانه وتعالى قوم لوط بسبب انتكاسِ فطرتِهم، وسلوكِهم مسلكَ الشّذوذ في قضاء حاجتهم ، فبعث جبريل عليه السلام، فحمل قراهم، حتّى بلغ بها عنان السماء، حتّى سمعت الملائكةُ نباحَ كلابهم، وصياح ديكتهم، فقلبها رأساً على عقب، ثمّ أرسلها من السماء إلى الأرض، فجعل عاليها سافلها، فكانت تلك العقوبةُ عبرةً لمن سلك مسلك هؤلاء القوم الفاسدين، قال الله تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (82)، (83) هود ، وقد أجمع الصحابة على قتل اللوطي ، لكن اختلفوا في طريقة قتله ، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار ، ومنهم قال : يرمى به من أعلى شاهق ، ويتبع بالحجارة ، ومنهم من قال : يرجم بالحجارة حتى يموت ، وقد ذكر ابن القيم اختلاف عقوبة مرتكب اللواط بين الفقهاء، أنّه يعاقب كما يعاقب الزاني، فاللوطي يقتل بالسيف الفاعل والمفعول به إذا كانا مكلفين لخبث معصيتهما ولشناعتها العظيمة، ولأن الواجب التنفير منها والتحذير منها، وكان القتل مناسبًا في هذا المقام للتحذير من هذه الفاحشة الشنيعة القبيحة، ويُستثنى من تنفيذ عقوبة اللواط من أُكرِه عليه، أو من كان صغيراً لم يبلغ الحلم، وكذلك المجنون الذي لا عقلَ له
أيها المسلمون
ولعمل قوم لوط أضرار كثيرة جداً ، يقصر دونها العد والإحصاء ، والبحث والاستقصاء ، وذلك على الأفراد والجماعات في الدنيا والآخرة ، وهذه الأضرار متشعبة ومتنوعة ، فله أضرار دينية ، وخلقية ، ونفسية ، وصحية ، وأبين لكم في عجالة بعض هذه الأضرار : أولاً : الأضرار الدينية : فلكونه كبيرة من كبائر الذنوب ،ولأنه يصد عن كثير من الطاعات ، قل الإمام ابن القيم – رحمه الله – بعد أن تحدث عن الذنوب والمعاصي ، وأن التوحيد يمحوها ، ويزيل نجاستها : ( ولكن نجاسة الزنا واللواطة أغلظ من غيرها من النجاسات ؛ من جهة أنها تفسد القلب ، وتضعف توحيده جداً ؛ ولهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، فكلما كان الشرك في العبد أغلب – كانت هذه النجاسة والخبائث فيه أكثر ، وكلما كان أعظم إخلاصاً – كان منها أبعد ، كما قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام : {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [ يوسف : 24]، فليس في الذنوب أفسد للقلب والدين من هاتين الفاحشتين ، ولهما خاصية في تبعيد القلب من الله ؛ فإنهما من أعظم الخبائث ، فإذا انصبغ القلب بهما بعد ممن هو طيب لا يصعد إليه إلا طيب ، وكلما ازداد خبثاً ازداد من الله بعداً ) . ثانياً : الأضرار الخُلُقية : فاللواط لوثة خلقية ، وانحراف عن الفطرة السوية ، وهو سبب لقلة الحياء ، وسوء الخلق ، وبذاءة اللسان ، وقسوة القلب ، وانعدام الرحمة ، وقتل المروءة والرجولة ، وذهاب الشهامة والشجاعة والنخوة والعزة والكرامة، وهو سبب للاتصاف بالشر والعدوانية ، وحبّ الجريمة والجرأة عليها ، وهو سبب لسفول الهمة ، وضعف الإرادة والحمق ، والنزق والخرق ، وهو سبب لذهاب الغيرة من القلب ، وحلول الدياثة محلها ، وحرمان العلم والترقي في مدارج الكمال ومراتب الفضيلة .
ثالثاً : الأضرار النفسية : فهذا العمل يورث صاحبه أضراراً نفسية كثيرة منها : 1- الخوف الشديد والوحشة والاضطراب . 2- الحزن والعذاب والقلق : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (واعلم أن كل من أحب شيئاً لغير الله فلا بد أن يضره محبوبه ، ويكون ذلك سبباً لعذابه) –3- هذه الفاحشة تجعل صاحبها عرضة للإصابة بأمراض عصبية شاذة ،وعلل نفسية شائنة ،تفقده لذة الحياة وتسلبه الأمن والطمأنينة . – 4- الرغبة في العزلة والانطواء : فالذي يمارس هذا العمل تجده مؤثراً للعزلة والانطواء ، لا يأنس إلا بمن يلائمه ويشاكله .- 5- تقلب المزاج وضعف الشخصية وعدم استقلالها ،والانهزامية وعدم الثقة بالنفس ، والشعور بالذنب، مع كثرة الوساوس والأوهام ، والتوتر النفسي ، والتردد ، والتخاذل ، وعدم المبالاة ، الارتباك ، واليأس ، والتشاؤم ، والملل ، والتبلد العاطفي . – 6- الإصابة بمرض الهوس الجنسي : ذلك المرض الذي يجعل صاحبه الشهواني المندفع مشغولاً في جميع أوقاته بتخيلات شهوانية غريزية . رابعاً : الأضرار الصحية : أما عن أضراره الصحية فحدث ولا حرج ؛ فها هو الطب الحديث يكتشف لنا بين الفينة والأخرى كارثة من كوارث الشذوذ الجنسي ، وها هي وسائل الإعلام تطل علينا من وقت لآخر بقارعة تحل بساحة الشذاذ ،وهذا مصداق لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في سنن ابن ماجة: (لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا) ، ومن الأضرار الصحية الناجمة عن اللواط ما يلي : – 1- الرغبة عن المرأة :فمن شأن اللواط أن يصرف الرجل عن المرأة ، وقد يبلغ به الأمر إلى حد العجز عن مباشرتها . – 2- ارتخاء عضلات المستقيم وتمزقه : فاللواط سبب في تمزق المستقيم ، وهتك أنسجته ، وارتخاء عضلاته ، وسقوط بعض أجزاءه ، وفقد السيطرة على المواد البرازية ، وعدم استطاعة القبض عليها ؛ ولذلك تجد بعض الوالغين في هذا العمل دائمي التلوث بهذه المواد المتعفنة ، بحيث تخرج منهم بدون شعور . – 3- التعرض للإصابة بمرض الزهري : وهو أحد ثمار الشذوذ الجنسي ، وهو عادة لا يصيب إلا الإنسان دون سائر المخلوقات ، وأما عن الآثار التي يتركها على قلب المريض ، وشرايينه ، وأعصابه ، فكبيرة ورهيبة ؛ فهو يسبب الشلل ، وتصلب الشرايين ، والعمى ، والذبحة الصدرية ، والتشوهات الجسمية ، وسرطان اللسان ، والسل . – 4- التعرض للإصابة بمرض السيلان : ويعد السيلان أكثر الأمراض الجنسية شيوعاً في العالم ،وهذا المرض ينتقل نتيجة اتصال جنسي مباشر ،ونكاح في فرج محرم ، ولا يمكن أن ينتقل مطلقاً من عفيف إلى عفيفة . – 5- التعرض للإصابة بمرض الهربس : ومن تلك الأمراض الجنسية المخيفة مرض الهربس الذي فرض نفسه شبحاً مرعباً في نفوس أولئك الذين انغمسوا في العلاقات الجنسية المحرمة ، فلقد أوضح تقرير لوزارة الصحة الأمريكية أن الهربس لا علاج له حتى الآن وأنه يفوق في خطورته مرض السرطان ،ولقد واصل مرض الهربس زحفه إلى الأمام ، حتى تصدر قائمة الأمراض الجنسية . – 6- التعرض للإصابة بمرض الإيدز : وما أدراك ما الإيدز ذك المرض الخطير الذي أصاب العالم – عموماً – والعالم الغربي –خصوصاً – بسببه موجةٌ من الذعر والخوف ، ومعناه في العربية ( نقص المناعة المكتسب ) أو ( انهيار المناعة المكتسب ) ذلك أن الله عز وجل أودع جسم الإنسان مناعة تضاد وتكافح مختلف الأمراض التي تغزو الجسم ، فإذا ما أصيب الإنسان بمرض الإيدز فإنه لا يكاد يتحمل أدنى الأمراض ، وربما قضى عليه أقلها ضرراً ؛ إذ تنهار لدى المصاب بالإيدز وسائل الدفاع ، فيصبح نهبة سهلة لشتى الأمراض . – 7- فيروس الحب : وهذا المرض أشد افتراساً وأعظم وطأه من الإيدز ،
أيها المسلمون
أما وقد تناولت معكم أهم النتائج والأضرار التي تنتج من هذه الجريمة النكراء ( عمل قوم لوط ) ، فلا بد أن نبين سبل الوقاية والعلاج ، فهذه بعض السبل المعينة على التخلص والوقاية من هذا البلاء ، والتي يجدر بمن ابتلي به أن يسلكها ، ويأخذ بها ؛ لعلَّ الله أن ينفعه بها ، ومنها : أولا : التوبة النصوح : فيا أيها المبتلى بهذا الداء اللهَ اللهَ بالتوبة النصوح ؛ فإن باب التوبة مفتوح ، وبوارق الأمل عليك تلوح ، فإياك أيها المتمرد أن يأخذك على غرة فإنه غيور ، وإذا أقمت على معصيته وهو يمدك بنعمته فاحذره فإنه لم يهملك ولكنه صبور ، وبشراك أيها التائب بمغفرته ورحمته ، فإنه غفور شكور ، فأقدم على غير هياب ولا متردد ، وإياك والتأجيلَ والتسويفَ ، والعم أن من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ، فإنك إن صدقت في توبتك ، وأنبت إلى ربك ، وتركت ما تهواه رغبةً في رضاه ، وخشيةً من سخطه وأليم عقابه فإنه سيقبلك ولن يخذلك ، واعلم بأن العبرة بكمال النهاية لا بنقص البداية . ثانيا : الإخلاص لله عز وجل : فالإخلاص لله عز وجل أنفع الأدوية ، فما أحرى بمن وقع في البلاء أن يلجأ إلى ربه بإخلاص وصدق ؛ فإنه إذا اخلص لله وفقه الله وأعانه وصرف عنه السوء والفحشاء ، قال سبحانه عن يوسف عليه السلام {كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ} [يوسف : 24] ، فأخبر سبحانه أنه صرف عن يوسفَ السوءَ من العشق ، والفحشاء من الفعل بإخلاصه ؛ فإن القلب إذا أُخلص وأَخلص عمله لله لم يتمكن منه عشق الصور ؛ فإنه إنما يتمكن من القلب الفارغ . ثالثا : الصبر : فالصبر خصلة محمودة ، وسجية مرغوبة ، عواقبه جميله ، وآثاره حميدة ، فهو علاج ناجح ، ودواء نافع فما أدر بمن ابتلي باللواط أن يترع بالصبر ويتدرع به ، وأن يتكلفه ويوطن نفسه عليه ، ويتجرع مرارته ليذوق حلاوته ، ومن ثم يصبح سجية وعادة له ، ففي صحيح البخاري : قال النبي صلى الله عليه وسلم:(وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ) ، ثم إن الصبر على الشهوة أسهل من الصبر على ما توجبه الشهوة ؛ فإنها تورث ألماً وعقوبة ، وذلاً ، وحسرةً وندامة ، وتجلب هماً وغماً وحزناً وخوفاً .
رابعا : مجاهدة النفس ومخالفة الهوى : فمجاهدة النفس ومخالفة الهوى من أعظم الأسباب على ترك الفواحش والشرور ، والذي يجاهد نفسه في ذات الله عز وجل فليبشر بالخير والهداية قال الله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت : 69] . ، فعلى من وقع بتك الفعلة أن يكفها عن شهواتها ، وإلا نزغت به إلى الغواية ، وقادته إلى شر غاية . خامسا : استشعار اطلاع الله عز وجل : فالذي يمارس هذه الفعلة تجده يتوارى من أعين الناس فعليه والحالة هذه أن يستشعر إطلاع الرب جل وعلا عليه . فإذا اعتقد هذا الشخص أن الله لا يراه – فهو كافر بالله – عز وجل .وإن كان يعتقد بأن الله يراه وهو مع ذلك مستمر على فعل تلك الجريمة فلا شك أنه ممن قل حياؤه من الله ، وممن قل وقار الله في قلبه . سادسا : امتلاء القلب من محبة الله عز وجل : وهذا من أعظم الفساد التي تقي من الفساد والانحراف ، فالذي يتعلق بالشهوات ويتيه في أودية الضلال لا شك أن قلبه خالٍ من محبة الله عز وجل . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( فالقلب لا يصلح ، ولا يفلح ، ولا يتلذذ ، ولا يُسر ، ولا يطيب ، ولا يسكن ، ولا يطمئن ،إلا بعبادة ربه ، وحبِّه ، والإنابة إليه ، ولو حصل له كل ما يتلذذ به من المخلوقات لم يطمئنَّ ولم يسكن ؛ إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه ، ومن حيث هو معبوده ومحبوبه ،ومطلوبه ،وبذلك حصل له الفرح والسرور ،واللذة والنعمة ، والسكون والطمأنينة ) . سابعا : المحافظة على الصلاة مع جماعة المسلمين : قال الله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ } [العنكبوت : 45] . ، قال شيخ الإسلام رحمه الله 🙁 فإن الصلاة فيها دفع مكروه وهو الفحشاء والمنكر ، وفيها تحصيل محبوب وهو ذكر الله ) . ثامنا : الاكثار من الصوم : فالصوم زيادة على ماله من الفضل وما فيه من الأجر فهو علاج نبوي ، يعين على محاربة الهوى ، وقمع النفس ، وكبح جماح الشهوة ، وهو يقوي الإرادة ويشحذ العزيمة ، ويعين على العفة وحصانة الفرج .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ونواصل الحديث عن الأسباب والوسائل المعينة على التخلص والوقاية من ( عمل قوم لوط) : تاسعا : الإكثار من قراءة القرآن : فالقرآن مأدبة الله في أرضه ، وهو الشفاء من كل داء ، وفي الهدى والنور والأنس والسرور ، فما أحرى بمن ابتلي بهذه الفاحشة أن يتداوى بالقرآن ، فيكثر من تلاوته ، وحفظه ، وتدبره ، وعقله ، حتى يصِحَّ بذلك عقله ، وتزكو نفسه . عاشرا : الإكثار من ذكر الله : فبذكر الله تطمئن القلوب ، وتسكن النفوس ، وبه يحصل الأنس ، وتُطرد الخواطر السيئة ، والإرادات الفاسدة ، فلا تنفذ إلى القلب ، ولا تجد إليه طريقاً ، فما أحرى بمن يريد السلامة لنفسه أن يداوم على ذكر الله ، وأن يجعل له ورداً يحافظ عليه ، عسى الله أن يحفظه به ، ويحصنه من الوساوس والخطرات الرديئة ، الحادي عشر : غض البصر : فمن غض بصره أراح قلبه ، وأطاع ربه ن وسلم من تبعات إطلاق البصر ، ونجا من التعلق بحب الصور ، وغض البصر أيضاً يورث القلب نوراً وشجاعة وثباتاً وفراسة صادقة ، كما أنه يسد على الشطان مدخله من القلب . الثاني عشر : البعد عن المعشوق المحبوب ، والبعد عن المثيرات عموماً : فمن أنجح أنفع الأدوية للتخلص من هذا الداء العضال ، أن يبتعد المبتلى عن معشوقه ، ومن يحرك كوامن الشهوة فيه ، بحيث لا يراه ولا يسمع كلامه ؛ فالابتعاد عنه وصرمه وتجرع غصص الهجر ، أهون بكثير من الاسترسال معه والزلفى منه ؛ فالبعد جفاء ، والقرب بلاء وشقاء ؛ فالقرب يضرم نار الوجد بين الجوانح ، الثالث عشر : الاشتغال بما ينفع وتجنب الوحدة والفراغ : فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب ، درس الحب ، ودثر العشق ، وحصل التناسي ، فعليه أن يشغل نفسه بما يعود عليه بالنفع ، أو بما يشغله على الأقل عما يضره ، فيشتغل بطلب العلم ، ومذاكرة الدروس ، وزيارة الأقارب ، وقضاء حوائج المنزل ، أو أن يلتحق بحلق تحفيظ القرآن الكريم ، والمراكز الصيفية ،أو أن يشتغل بالأمور المباحة كالبيع والشراء وغير ذلك .
الرابع عشر : دفع الوساوس الشيطانية و الخواطر السيئة : فعلى المرء المبتلى أن يدفع تلك الوساوس والخواطر التي يلقيها الشيطان في رُوعه ، وألا يسترسل معها وإلا قادته إلا الهلكات . الخامس عشر : تقوية الإرادة ،علو الهمة ، وترك اليأس والقنوط : فعلى من ابتلي بهذا البلاء ألا يستسلم لليأس والقنوط بل عليه أن يقوي إرادته ،ويشحذ عزيمته ، ويصحو من رقدته ، ويدرك أن هذا العمل ليس ضربة لازب تزول ، ولا وصمة عار لا تنمحي ، بل عليه أن يدرك أن الإصلاح ممكن ، والتغيير وارد ، فما عليه إلا أن يأخذ بالأسباب ، ويغير ما بنفسه ، ويحسن ظنه بربه . السادس عشر : محاسبة النفس : فمن العلاجات النافعة أن يقف المبتلى بهذه الفاحشة مع نسه سواءً كان صغيراً أو كبيراً ، فاعلاً أو مفعولاً به، وليسأل كل واحدٍ منهم نفسه هل هو في مأمن من الفضيحة ؟ ، ثم ما موقفه يوم العرض الأكبر على الله ؟ يوم تبلى السرائر لا تخفى منهم خافية ؟ فلعل هذه التساؤلات تقصرهم عن الاسترسال في الشهوات السابع عشر : مجالسة الأخيار ومجانبة الأشرار : فمجالسة الأخيار من أهل العلم والفضل والزهد والعبادة ، تحيي القلب ، وتشرح الصدر ، وتنير الفكر ، ومجانبة الأشرار سلامة للدين والعرض . الثامن عشر : الدعاء : فمن أكبر الأدوية التي تعين على التخلص من هذا البلاء الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل لا سيما في الأوقات والأحوال والأوضاع التي هي مظنة إجابة الدعاء ، كالدعاء بين الأذان والإقامة ، وفي ثلث الليل الأخير ، وفي السجود ، وفي آخر ساعة من الجمعة وغير ذلك من مظان إجابة الدعاء .
الدعاء