خطبة عن حديث (أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الدُّنْيَا هُمْ أَهْلُ الْمَعْرُوفِ فِي الآخِرَةِ)
فبراير 12, 2017خطبة عن حديث ( إِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ غُفِرَ لَهُ )
فبراير 13, 2017الخطبة الأولى ( حقوق الإنسان في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ﴾ [سورة الإسراء : الآية 70]. وروى ابن ماجة في سننه أن (عَبْد اللَّهِ بْن عُمَرَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ وَيَقُولُ«مَا أَطْيَبَكِ وَأَطْيَبَ رِيحَكِ مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالَّذِى نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ حُرْمَةً مِنْكِ مَالِهِ وَدَمِهِ وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا» قال الألباني صحيح لغيره.
إخوة الإسلام
لقد كرم الله تعالى بني آدم ، وسخر لهم ما في السموات وما في الأرض ، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة ، ومن صور تكريم الله للإنسان : أَنْ خلقه في أحسن صورة ، وأبهى هيئة، قال تعالى: ﴿ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ المَصِيرُ ﴾ [سورة التغابن : الآية 3]. ومن تكريم الله تعالى لهذا الإنسان أن شَرَّفه بعبادته سبحانه وتعالى، فلا يعبد إلا الله، قال تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ ﴾ [سورة الذاريات : الآية 56]. ومن تكريم الله لهذا الإنسان أن حفظ له دينَه ونفسَه ومالَه وعقلَه وعِرْضَه، وحَرَّم الاعتداءَ على شيء من ذلك ، ففي صحيح مسلم (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا ». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ « بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ». كما حَرَّم الله كلَّ قول أو فعل يُسيء لهذا الإنسان، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 11] فهذا بيان لمنزلة هذا المخلوق عند الله عز وجل، فهي كرامة عامة شاملة، كرامة لا تفرق بين جنس وجنس، ولا بين لون ولون، ولا بين لغة ولغة، ولقد أعطى الله جل وعلا هذا الإنسان حقوقه كاملة، وخَصَّه بخصائص لم تكن لغيره من المخلوقات، فسَخَّر له جميع ما في السماوات وما في الأرض فضلاً منه وإحسانًا، يقول سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ [سورة لقمان : الآية 20]. ومن ينظر في حقوق الإنسان في الإسلام يجد أنها حقوق شرعية أبدية لا تتغير ولا تتبدل مهما طال الزمن، فلا يدخلها نسخ ولا تعطيل، ولا تحريف ولا تبديل، لأنها من لدن حكيم عليم، وفرض الله جل وعلا على العباد حماية هذه الحقوق ورعايتها فيما بينهم، وحرم إهانتها من الاستغلال أو الاضطهاد أو الإهانة، من أجل أن يعيش الإنسان بأمن وطمأنينة، وعزة وكرامة،
أيها المسلمون
وسوف نذكر لكم بعضًا من حقوق الإنسان في الإسلام، وهذا على سبيل المثال لا الحصر ، فمن أهم هذه الحقوق التي كفلها الإسلام للإنسان: 1- حق الحياة: فمن حق الإنسان أن يعيش حياةً آمنةً مطمئنةً، ولهذا حَرَّم الله الاعتداء على النفس، يقول الله جل وعلا: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ﴾ [سورة الأنعام : الآية 151] ويقول سبحانه: ﴿ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ﴾ [سورة المائدة : الآية 32]. فمن اعتدى على غيره بإزهاق نفسه بغير حق فقد اعتدى على أمة بأكملها، فأغلى ما عند الإنسان الحياة، لذلك حرم الله عليه أن يقتل نفسه، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء : الآية 29]. وفي صحيح البخاري (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ
« مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهْوَ فِى نَارِ جَهَنَّمَ ، يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ تَحَسَّى سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَسَمُّهُ فِي يَدِهِ ، يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ، وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ ، فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ ، يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا » ، وكرامة الإنسان محفوظة له بعد مماته ،وذلك بالترحم عليه وتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه والدعاء له، فكل هذا من باب تكريم الله لهذا الإنسان، يقول صلى الله عليه وسلم: «إِذَا كَفَّنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُحَسِّنْ كَفَنَهُ» رواه مسلم . ويقول صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَسُبُّوا الأَمْوَاتَ؛ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا»
2- ومن حقوق الإنسان في الإسلام : حق الحرية: وهذه الحرية مصونة كحياته، ومن هذه الحريات حرية الذات، وحرية التعبير عن الرأي. أما حرية الذات فهي حرية فطرية ولد الإنسان عليها، وجاء في هذا قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ( مذ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا) ،وأما حرية التعبير: فحرية التعبير عن الرأي قد كفلها الإسلام، وتعني تمتع الإنسان بكامل حريته في الجهر بالحق وإسداء النصح لكل مسلم، ولكن جعل الله سبحانه وتعالى لكل ذلك ضوابط، فهي حرية مُقَيَّدة بضوابط، فحرية الرأي لا تعني الانفلات أبدًا، بل جُعِلت لها ضوابط تكفل حسن الاستخدام، حتى لا يزيغ اللسان ويزل بكلمة، وحتى لا ينحرف الفكر. فلا بد أن يكون بالحكمة والموعظة الحسنة، وألا تؤدي هذه الحرية إلى الإفساد بين الناس، وأن يقصد الإنسان بحرية التعبير الإصلاح بين الناس، فلا يجوز إذاعة الأباطيل الكاذبة، ولا ما فيه خذلان للأمة، ولا يجوز ترويج الشائعات بين الناس، 3- ومن حقوق الإنسان في الإسلام : حق المساواة: وهو في الحقيقة من أعظم الحقوق في الشريعة الإسلامية، ففي الإسلام مبدأ المساواة في الحقوق والتكاليف، ولكن كل على حسب قدرته واستطاعته، قال تعالى: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا ﴾ [سورة البقرة : الآية 286]. فالناس سواسية كأسنان المشط، وإنما معيار التفاضل التقوى والعمل الصالح، قال الله جل وعلا: ﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [سورة الحجرات : الآية 13]. وميزان التفاضل بين العباد هو التقوى، لا الحسب والنسب والمال، لا فرق بين عربي ولا أعجمي إلا بالتقوى، وقد جاء في الحديث: «أَنْتُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ» رواه أبو داود ،ويقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألا إن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه، وأقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له. 4- ومن حقوق الإنسان في الإسلام : حق العدالة: فحق العدالة هو الحق الذي قامت عليه السماوات والأرض، وجاءت به الرسالات السماوية تحقيقا لأمر الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ﴾ [سورة الأعراف : الآية 29] والقسط هو العدل، الذي هو مطلب لكل إنسان.وواجب على كل مسئول أن يحقق العدل بين الناس، ولهذا كان الإمام العادل من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فالإسلام دين العدل والحكمة مع النفس ومع الغير، مع القريب ومع البعيد، مع المسلم ومع غير المسلم، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة النحل : الآية 90] ، ويقول جل وعلا: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [سورة المائدة : الآية 8] ، 5- ومن حقوق الإنسان في الإسلام : حق رفض الطاعة عند الأمر بالمعصية : يعني من أمرك بمعصية حق عليك ألا تطيعه، فلك حق رفض الطاعة في حال الأمر بالمعصية، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لاَ طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ » رواه أحمد ،ويقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ [سورة لقمان : الآية 15]. ويقول صلى الله عليه وسلم: «لاَ طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» متفق عليه ، 6- ومن حقوق الإنسان في الإسلام : حق التملك: فالإنسان له الحق في البيع والشراء والتصرف في ماله ما دام جائز التصرف، وجائز التصرف هو الحر البالغ العاقل الرشيد، فالإسلام حمى الملكية الخاصة من أي اعتداء، فحرم الغصب، وحرم السرقة، وحرم مصادرة الأموال بغير حق، وأمر الإسلام الإنسان بالدفاع عن ماله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» متفق عليه ،وأوجب الاسلام التعويض في حال الإتلاف، كل ذلك وغيره من باب الحفاظ على هذه الملكية، بل حرم الإسلام على الزوج أن يأخذ من مال زوجته بغير رضاها، وكما أن الملكية الخاصة مصانة في الإسلام، فإن الملكية العامة مصانة كذلك، بل هي أشد، وعقوبة الاعتداء على الملكية العامة أشد؛ لأن الاعتداء على الملكية العامة يعد من الخيانة للأمة، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَن يَغْلُلْ يَأتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ ﴾ [ آل عمران : الآية 161] ، 7- ومن حقوق الإنسان في الإسلام أثناء الحرب: فلقد أوجب الإسلام على المتحاربين عموماً أن لا يبدؤوا حرباً بالغدر وأن يجتنبوا الفتك بالأعداء غيلة، وأن لا يقتلوا امرأة ولا صبياً ولا شيخاً عاجزاً ولا مُقعداً ولا رجلاً منقطعاً للعبادة. ففي سنن أبي داود (أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَلاَ تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا وَلاَ طِفْلاً وَلاَ صَغِيرًا وَلاَ امْرَأَةً وَلاَ تَغُلُّوا وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ وَأَصْلِحُوا وَأَحْسِنُوا (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حقوق الإنسان في الإسلام )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولحماية حقوق الإنسان ، فقد شرع الله إقامة الحدود ،وتحكيم شرعه في الناس، فإن هذا من أعظم أسباب الحفاظ على الحقوق، فالعقوبة الشرعية أيًّا كان نوعها هي حكم الله وشرع الله، فما شُرِعت هذه العقوبات إلا زواجر وجوابر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمصالح خلقه من أنفسهم. وما شرعت هذه العقوبة الشرعية إلا رَدْعًا للجريمة التي من شأنها انتهاك حقوق الإنسان بالاعتداء على دينه أو على نفسه أو على ماله أو على عقله أو على عرضه. وهي عقوبات ثابتة مقدرة بتقدير الله جل وعلا، وهذه العقوبات عمومًا تحقق الأمن والطمأنينة للمجتمع ولكل مسلم ومسلمة، ففي إقامتها إقامةٌ للعدل وإحقاق للحق ومنعٌ للجريمة،، والله سبحانه وتعالى جعل إقامة الحدود كَفَّارةً لتلك الذنوب التي يقترفها بعض العباد، ففي صحيح البخاري يقول صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ فِي الدُّنْيَا فَهْوَ لَهُ كَفَّارَةٌ ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ، إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ » فلقد جاء الإسلام بدرء المفاسد وجلب المصالح للأمة، وجاءت تلك الشريعة سمحة بمنهج عام وشامل للأمة يحافظ على الإنسان وكرامته وحقه في الحياة، والله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون وهو العليم بشئون العباد، خلق فسَوَّى، وقَدَّر فهدى ﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ﴾ [سورة الملك : الآية 14]، فما على الخلق إلا الرضا والتسليم بحكم الله.
وعلى المسلمين عامة أن يتمسكوا بدينهم، وأن يعملوا بأحكامه وآدابه، وأن يكون هو الحكم بينهم، فسَيَجِدُون فيه بإذن الله صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، فلا يصبح حال الإنسان إلا على ما شرعه الله ورسوله، ولقد حاز الإسلام قصب السبق في تقرير حقوق الإنسان بما لا يحتاج إلى زيادة بيان عما جاء في الكتاب والسنة، وما فرضه الله سبحانه وتعالى من عقوبات إنما هو حماية لتلك الحقوق وصيانة لها من أن تنالها أيدي العابثين. إذن فالحقوق في الإسلام حرمات، والاعتداء عليها جريمة، وقد حقق الإسلام ما لم تحققه النظم الوضعية ولا المواثيق الدولية، وجاء بالخير العميم لهذه الأمة،
الدعاء