خطبة عن أحكام التسعير وحديث (إِنَّ اللهَ هُوَ المُسَعِّرُ)
يناير 4, 2020خطبة عن الاستجابة لله ورسوله وقوله تعالى (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى)
يناير 11, 2020الخطبة الأولى (لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ الله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الإمام البخاري في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – نَاقَةٌ تُسَمَّى الْعَضْبَاءَ لاَ تُسْبَقُ – قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ – فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ فَسَبَقَهَا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ، حَتَّى عَرَفَهُ فَقَالَ :« حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ »
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الكريم ، والذي يبين لنا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة من سنن الله في خلقه ، ألا وهي : (لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ الله) ، فمِن سُنَّةِ اللهِ في خَلْقِه أنَّ بعدَ الصُّعودِ يكونُ الهبوطُ، ، فمهما ارتفعَ شيءٌ في الدُّنيا ،إلا وضَعَه اللهُ تعالى، ففي قوله صلى الله عليه وسلم :(حقٌّ على اللهِ ألَّا يَرتفعَ شيءٌ مِنَ الدُّنيا إلَّا وَضعَه)، فيه بيان لهم أِنَّ هذه سُنَّةُ اللهِ في خلْقِه ، فكل ارتفاع يكون في الدنيا ،فإنه لابد أن يؤل إلى انخفاض، فإن صحب هذا الارتفاع ارتفاع وكبر في النفوس ،فإن الوضع إليه يكون أسرع ،لأن الوضع يكون عقوبة ، وتأملوا معي قول الله تعالى :(حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ) (يونس: 24) ،فكل هذه الزينة ،وكل ما تراه عينك من زخارفها مآله إلى زوال ، كأن لم يكن، حتى الإنسان نفسه ،يبدو وليدا صغيراً ضعيفاً، ثم يشب ويقوى، فإذا انتهت قوته عاد إلى الضعف والهرم، ثم إلى الفناء والعدم، فما من شيء ارتفع من الدنيا إلا وضعه الله عزّ وجلّ. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (حقٌّ على اللهِ ألَّا يَرتفعَ شيءٌ مِنَ الدُّنيا إلَّا وَضعَه)، فيه دليلٌ على أن ما ارتفع من أمور الآخرة فإنه لا يضعه الله، فقوله تعالى: ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) (المجادلة: 11) ، هؤلاء لا يضعهم الله عزّ وجلّ ، ما داموا على وصف العلم والإيمان ، بل يرفع الله لهم ذكرهم ، ويرفع لهم درجاتهم في الآخرة .
أيها المسلمون
وفي قوله صلى الله عليه وسلم « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ » :فيه تنبيه إلى عدم المباهاة ،وترك المفاخرة والعجب ، وفيه دليل على هوان الدنيا على الله، وأنها ناقصة، ولا ينبغي الاهتمام بها، والركون إليها، فهذه الدار ليست محلَّ تمام النعيم، فإنها منغصة ، ويعتريها ما يعتريها من النَّقص، فهؤلاء الرسلُ ،وهم أفضل الخلق ،يُصيبهم من البلاء ما يُصيبهم، وبيَّن ﷺ أنَّ هذه الدنيا ليست دار نعيم، ولا دار كمال، ولكنها دار امتحان، ودار عبادة، ودار عمل، وفي قوله صلى الله عليه وسلم « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ » : فيه أمل لنا نحن المستضعفين من المسلمين اليوم ، أن تزول عروش الظلم ،وأن يزول قانون الطغاة القائلين بمقولة فرعون :(مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (29) غافر، فلتبشر أمة الإسلام ..فالبقاء على الحال من المحال ..وثق بالله أيها المسلم المستضعف ولا تغتر بما يفعل الطغاة المغترين بقوتهم ، كما قال الله تعالى على لسان فرعون : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) غافر (26) ، فقد اعْتَزّ فِرعون بقوته ، وبِكثرة قومه ، وبالأنهار التي تجري مِن تحته ، فماذا كانت النتيجة؟ أخرجه الله منها ذليلا صاغِرا ،وأغرقه في الماء الذي كان يزعم أنه يملكه ! نعم والله : « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ »
أيها المسلمون
ومما يستفاد من هذا الحديث أيضا : أنه عندما شاهد الرسول وجوه الصحابة التي تملكها الحزن والأسف على ما حدث لناقته (الْعَضْبَاءَ) ،وقف أمامهم صلى الله عليه وسلم رافضاً موقفهم هذا، قائلاً لهم صلوات الله وسلامه عليه: « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ » موضحاً لهم بذلك أن النصر والغلبة من الله سبحانه وتعالى ، وهو وحده من يقرر من ينتصر ومن لا ينتصر، وعلينا تقبّل قضائه في جميع الأحوال والظروف، وأن الاعتراض على حكمه وقضائه ليس من الإيمان في شيء، فإن المؤمن الحق هو من يرضى بحكمه وقضائه مهما كان هذا القضاء ، كما يوضح أيضاً أنه ليس هناك شيء دائم في هذه الحياة، فمهما نال الإنسان من رفعة فيها ،ومهما نال من مناصب ، فلا بد أن يأتي يوم ويزول منه كل هذا، أو يزول هو عنها ، تاركا لها خلف ظهره ، لأن الحياة هي بذاتها دار زوال، وحالها لا يدوم على حال، فعلى الإنسان أن يخلص في عمله ، وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب. ومما يستفاد أيضا من هذا الحديث : تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتواضع لأصحابه ويعاملهم برأفة ورحمة ،ويَلين لهم ،ويبتسم بوجوههم وهو الذي كان يقول لهم كما في صحيح مسلم: « وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَىَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ يَبْغِى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ ». لقد كانت الفتاة الصغيرة تستوقفه – عليه الصلاة والسلام – وتكلمه، فيجيبها، وتأخذ بيده فينقاد لها، وتذهب به لحاجتها أي مكان كان قريباً أو بعيداً. ففي صحيح البخاري: (قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: ( كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ) .
أقول قوي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ الله)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله صلى الله عليه وسلم « حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ »، ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه يتحدث عن نفسه أنه كان يرعى الغنم ففي صحيح البخاري(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ » . فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَأَنْتَ فَقَالَ « نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ » قال أنس: ليس من المعيب أن يعمل الإنسان بأجر زهيد ومهنة بسيطة، إنما العار أن يمد يده يتكفف الناس وهو قادر على العمل. وروى البخاري في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ ، وَلَوْ أُهْدِىَ إِلَىَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ » والكراع هو ساق البقر أو الغنم لا لحم فيها..
فيا أيها الانسان : لم التكبر، ولم الغرور؟! ، فمن أنت؟! ، فهل تفكَّرت يوماً في شأنك, من أنت؟،ومن تكون؟، هل تفكرت في بداية خلقك؟ وكيف خُلقت؟, فقد خلقت من ماء مهين! ، فنحن نحتاج أن نقف مع أنفسنا, ونقول لها: قفي يا نفس واعرفي مكانك, واعرفي قدرك وحجمك!! فعلام التكبر والغرور – والارض تملؤها القبور- ما هذا التعالي يا أخي- أأنت البحر أم انت الصخور – كأنك قد نسيت بأن الكون يملكه الغفور – ألم تر كم فقدنا من أناس – لهم عز وجاه ، وأسوار ودور – وكم فارقت من أهل وخل – أتاهم بغتة قدر يدور، أيها الإنسان المغرور من تدعو إذا مسَّك الضر؟ — وإلى من تلجأ إذا حلَّ بك البلاء؟ ،وإلى من تجأر إذا ضاقت عليك السُّبل؟، قال تعالى : (وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ } [الزمر: 8].
الدعاء