خطبة حول حديث (الْبَسُوا الْبَيَاضَ)
مايو 21, 2022خطبة حول حديث (لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ)
مايو 21, 2022الخطبة الأولى ( حكم من لم يؤمن بالقرآن الكريم (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (6) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (8) وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (9) مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلَا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (10) هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ) (6) :(11) الجاثية
إخوة الإسلام
من المعلوم أن الإيمان بالكتب المنزلة من عند الله على رسله عليهم السلام هو أحد أركان الإيمان قال الله تعالى: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسماعيل وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:136].، وقال الله سبحانه: (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإسماعيل وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ) [آل عمران:84]. ،وقال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا) [النساء:136]. ، وقال تعالى: (وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ) [الشورى:15]. فوجوب الإيمان بهذه الكتب يعتبر أمراً بدهياً بالنسبة للمؤمن، فهو يؤمن بالله تعالى، وقد صدّق بما نزل من عنده من الوحي، وما دام أن الله تعالى يخبره في كتابه الكريم أنه قد أنزل كتباً سابقة على الأنبياء والرسل، فالواجب أن يؤمن بهذه الكتب المنزلة، ويعتقد يقيناً أنها منزلة من عند الله تعالى. ومعنى الإيمان بالكتب : التصديق بأن جميع هذه الكتب منزّلة من عند الله تعالى على رسله عليهم السلام إلى عباده، وأنها كلام الله عز وجل، وأن الإيمان بكل ما فيها من الأحكام كان واجباً على الأمم التي نزلت إليهم تلك الكتب، وكذا الانقياد لها والحكم بما فيها، كما قال الله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) [المائدة:44]. والإيمان بكتب الله عز وجل يجب إجمالاً فيما أجمل، وتفصيلاً فيما فصّل ومما يجب الإيمان به مفصلاً : الإيمان بالقرآن الكريم بتصديقه واتباعه، وتحقيق النصيحة لهذا القرآن العظيم كما في صحيح مسلم : (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ». يقول النووي – في بيان معنى النصيحة لكتابه -: وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى، فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، ولا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذّبّ عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه والدعاء إليه، وإلى ما ذكرنا من نصيحته
2- إن الأقوال التي تناقض الإيمان بالكتب المنزلة لها صور متعددة، وأمثلة كثيرة يصعب حصرها، منها: التكذيب والإنكار لهذه الكتب أو بغضها، أو سبها والطعن فيها، أو الاستهزاء بها وانتقاصها والاستخفاف بها، أو الادعاء باختلاقها وافترائها… ومعنى الإنكار : الجحود وعدم الاعتراف، وأما الاستهزاء فهو : السخرية والاستخفاف … ووجه كون إنكار الكتب المنزلة أو الاستهزاء بها كفراً وناقضاً من نواقض الإيمان عدة أمور منها: أ- إن هذا الإنكار أو الاستهزاء تكذيب للقرآن، حيث أمر الله تعالى بالإقرار بآياته وتصديقها، وعدم اتخاذها هزواً، وأيضاً فإن الله تعالى قد حكم بالكفر على من جحد آياته، كما توعده بالعذاب المهين، وأخبر تعالى أنه لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله تعالى، وأنهم لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة…قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) [النساء:56]. وقال سبحانه : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ) [الأنعام:157].، وقال تبارك وتعالى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [الأعراف:36]. وقال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ) [الأعراف:40]. وقال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) [الحج:57]. وقال تعالى: (وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلاَّ الْكَافِرُونَ) [العنكبوت:47] . وقال عز وجل: (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) [فصلت:27, 28]. ومن الآيات التي جاءت في شأن المستهزئين ، قوله تعالى: (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ) [الجاثية:9]. ، وقوله تبارك وتعالى: (وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [الجاثية:34، 35]. ،وقوله تعالى: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِن مَّكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ) [الأحقاف:26]. ،وقال تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ) [التوبة:65، 66]. يقول ابن تيمية: نقل عن الشافعي أنه سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى، أنه قال كافر، واستدل بقوله تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [التوبة:65، 66]. ، ويقول ابن تيمية عن قوله تعالى: (قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)، وهذا نص في أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر ، ب- إن الإيمان بالكتب المنزلة يتضمن الإقرار بها وتصديقها، ولا شك أن إنكارها يناقض هذا الإقرار والتصديق، فإنكار الكتب المنزلة يناقض قول القلب وهو التصديق، كما يناقض قول اللسان وهو الإقرار. والإيمان بالكتب المنزلة يتضمن أيضاً وجوب تعظيمها وإجلالها وإكرامها، وإن الاستهزاء بها لا يجتمع مع هذا التعظيم والإجلال، فهو مناقض لعمل القلب، كما أنه يناقض الإيمان الظاهر باللسان. جـ- إن إنكار الكتب السماوية يتضمن إنكاراً لصفة الكلام الإلهي، ونفي هذه الصفة من الإلحاد في أسماء الله تعالى، وسوء الظن بالله تعالى، وعدم قدر الله تعالى حق قدره. كما أن هذا الإنكار طعن في الرسل عليهم السلام وتنقص لهم، … وأن الطعن في الرسل عليهم السلام وسبّهم من نواقض الإيمان. كما أن هذا الإنكار والاستهزاء هو إنكار واستهزاء بشرائع الدين وأحكامه الإلهية المتلقاة من هذا الوحي، والاستهزاء بالدين كفر ؛ لأن أصل الدين قائم على التعظيم ، د- في مسند أحمد وغيره : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « نَزَلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ الْمِرَاءُ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ – ثَلاَثَ مَرَّاتٍ – فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ »، ومما قاله الخطابي في بيان هذا الحديث: اختلف الناس في تأويله. فقال بعضهم: معنى المراء هنا: الشك فيه، كقوله تعالى : (فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ) [هود:17] أي: في شك، ويقال: بل المراء هو الجدال المشكك فيه. وتأوله بعضهم على المراء في قراءاته دون تأويله ومعانيه، مثل أن يقول قائل: هذا قرآن قد أنزله الله تبارك وتعالى، ويقول الآخر: لم ينزله الله هكذا، فيكفر به من أنكره، وقد أنزل سبحانه كتابه على سبعة أحرف كلها شافٍ كافٍ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إنكار القراءة التي يسمع بعضهم بعضاً يقرؤها، وتوعدهم بالكفر عليها لينتهوا عن المراء فيه والتكذيب به ، فإذا كان الشك في القرآن يعد كفراً، فإن إنكاره أشد كفراً.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( حكم من لم يؤمن بالقرآن الكريم (وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد حكى أهل العلم الإجماع على كفر من أنكر الكتب المنزلة أو بعضها – ولو كانت آيةً واحدةً – وكذا أجمعوا على كفر المستهزئ بهذه الكتب المنزلة. فهذا ابن عبد البر يحكي الإجماع قائلاً: وأجمع العلماء أن ما في مصحف عثمان وهو الذي بأيدي المسلمين اليوم في أقطار الأرض حيث كانوا، هو القرآن المحفوظ الذي لا يجوز لأحد أن يتجاوزه، ولا تحل الصلاة لمسلم إلا بما فيه… – إلى أن قال: – وإنما حلّ مصحف عثمان رضي الله عنه هذا المحل، لإجماع الصحابة وسائر الأمة عليه، ولم يجمعوا على ما سواه… ويبين لك أن من دفع شيئاً مما في مصحف عثمان كفر . وينقل ابن عبد البر الإجماع الذي حكاه إسحاق بن راهويه، حيث قال إسحاق: قد أجمع العلماء أن من سبّ الله عز وجل، أو سبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، أو دفع شيئاً أنزله الله، أو قتل نبياً من أنبياء الله، وهو مع ذلك مقرّ بما أنزل الله أنه كافر. فإذا كان دفع شيء أنزله الله كفراً بالإجماع ولو كان مقراً به، فما بالك بمن أنكر هذا الوحي؟. ويقول القاضي عياض: اعلم أن من استخفّ بالقرآن، أو المصحف، أو بشيءٍ منه، أو سبّهما، أو جحده، أو حرفاً منه أو آيةً، أو كذّب به، أو بشيءٍ منه، أو كذّب بشيءٍ مما صرح به فيه من حكم، أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته علـى علمٍ منه بذلك، أو شك في شيءٍ من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماعٍ، قال الله تعالى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت:42]. وكذلك إنْ جحد التوراة والإنجيل وكتب الله المنزلة، أو كفر بها، أو لعنها، أو سبها، أو استخف بها فهو كافر. وقال أبو عثمان الحداد: جميع من ينتحل التوحيد متفقون أن الجحد لحرف من التنزيل كفر . ويقول ابن حزم: من قال: إن القرآن نقص من بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم حرف أو زيد فيه حرف، أو بُدِّلَ منه حرف، أو أن هذا المسموع أو المحفوظ أو المكتوب أو المنزل ليس هو القرآن، وإنما هو حكاية القرآن، وغير القرآن، أو قال: إن القرآن لم ينزل به جبريل صلى الله عليه وسلم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه ليس هو كلام الله تعالى فهو كافر، خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإجماع أهل الإسلام ، ويقول ابن قدامة: ولا خلاف بين المسلمين أجمعين أن من جحد آية، أو كلمة متفقاً عليها أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر .
الدعاء