خطبة عن النهي عن الكسب الحرام وحديث ( نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَمَهْرِ الْبَغِيِّ)
يناير 11, 2020خطبة عن حديث (إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلاَنِ فَلاَ تَقْضِ لِلأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلاَمَ الآخَر)
يناير 11, 2020الخطبة الأولى حماية الناقه من بعض الأطعمة ، وحديث ( يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه بسند حسن ، وحسنه الألباني : (عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ عَلِىٌّ ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ ، قَالَتْ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ وَعَلِىٌّ مَعَهُ يَأْكُلُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لِعَلِىٍّ : « مَهْ مَهْ يَا عَلِىُّ فَإِنَّكَ نَاقِهٌ ». قَالَ فَجَلَسَ عَلِىٌّ وَالنَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْكُلُ. قَالَتْ فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ »
إخوة الإسلام
موعدنا اليوم إن شاء الله مع هذا الهدي النبوي الكريم ، والذي يحتوي على الكثير من النصائح النبوية ، والارشادات الطبية، وبداية ، تعالوا بنا نتعرف على معاني وكلمات هذا الحديث : ففي قول راوية الحديث: (دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَعَهُ عَلِىٌّ ، وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ) : فالدَّوال هي جمعُ دالِية، وهي العِذْقُ من البُسْر ، وهي عَراجِينُ وفُروعُ النَّخْلِ المُحَمَّلة بالبَلَحِ غير النَّاضِج ، يُعَلَّق حتَّى يَستوِيَ ويَنْضَجَ فيأكلوه، فقام رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم “يأكل منها”، وقوله صلى الله عليه وسلم للإمام علي ( رضي الله عنه ) (مَهْ مَهْ يَا عَلِىُّ ) أي : أكفف ، وتوقف عن الأكل ، وتناول هذا الطعام ، فإنه لا يناسب حالتك الصحية ، وأما قوله صلى الله عليه وسلم : (فَإِنَّكَ نَاقِهٌ) فالناقه :هو الذي أفاق من المرض ،وبرأ منه ،وهو قريب عهد به ، ولم يرجع إليه كمال صحته. وأما قول راوية الحديث : (فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا) وفي رواية أبي داود: (وصنعت شعيرًا وسلقًا فجئت به) : فالمعنى طبخت لهم سلقًا وشعيرًا، والسلق بكسر السين هو نوع من البقل معروف ،فيه تحليل لسدد الكبد ، وقوله صلى الله عليه وسلم : « يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ » ، من الإصابة أي :أدرك من هذا ،أو كل منه. وهكذا يتبين لنا من هديه صلى الله عليه وسلم : الابْتِعادُ عن أسبابِ المَرَضِ ، ومُؤَخِّراتِ الشِّفاءِ ، فهي من المَفاهِيم المُهِمَّةِ ، والمُتَعَلِّقَةِ بالأَخذِ بالأسبابِ في دَوامِ الصِّحَّةِ والعافِيَةِ ، ففي منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي وهو ناقه من مرضه، أحسن التدبير، فالدوالي رطب معلق في البيت ،والفاكهة تضر بالناقه من المرض ، لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن وقتها، وفي الرطب خاصة ثقل على المعدة، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة بقية المرض وآثاره ، فلما وضع الشعير والسلق بين يديه ، أمره صلى الله عليه وسلم بأكله ،فإنه من أنفع الأغذية للناقة، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية والتلطيف والتليين ما هو أصلح للناقه ،لا سيما إذا طبخ بأصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف. ومما ينبغي أن يعلم أن كثيراً مما يحمى عنه العليل والناقه إذا اشتدت الشهوة إليه ،فتناول منه الشيء اليسير ،الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه ،لم يضره تناوله، بل ربما انتفع به، فإن المعدة والطبيعة تتلقيانه بالقبول والمحبة ، فيصلحان ما يخشى ضرره.
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يغذي المريض بألطف ما اعتاده من الأغذية ،وقد وصف التلبينة والحساء ،لأنهما سهلا الهضم لطيفاً التغذية، فكل منهما يريح المعدة ويقوي هضمها ،ويخفف آثار الحزن ، ولأن الطعام الثقيل قد يعرض المريض لعسر الهضم. ولقد كان الشعير غالب طعام أهل الحجاز لأن الحنطة عزيزة عندهم، لذا فإن التلبينة كانت تصنع من دقيق الشعير. وتؤكد مصادر الطب الحديث وصف حساء الشعير في الحميات ،وكغذاء لطيف سهل الهضم ، وتوصف للمتوعك والمصاب بالحمى أو بقلة الشهية أو عسرة الهضم . ومن الهدي النبوي أيضاً، ألا يجبر المريض على الطعام أو الشراب حين تعافه نفسه ، ففي سنن الترمذي : (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « لاَ تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ ».قال ابن القيم: (ما أغزو فوائد هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم إلهية، وذلك لأن المريض إذا عاف الطعام والشراب، فذلك لاشتغال الطبيعة بمجاهدة المرض ،أو لسقوط شهوته ،أو نقصانها لضعف الحرارة الغزيرة أو خمورها.. واعلم أن الجوع هو طلب الأعضاء للغذاء ،لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما يتحلل منها، وإذا وجد المرض اشتغلت الطبيعة بمادته وانضاجها وإخراجها عن طلب الغذاء أو الشراب فإذا أكره المريض على الطعام اشتغلت به الطبيعة عن فعلها ،واشتغلت بهضمه وتدبيره عن إنضاج مادة المرض ،ودفعه فيكون ذلك سبباً لضرر المريض)
أيها المسلمون
وفي الحديث ما كان السلف الصالح عليه من الاقتصاد في مطعمهم ،واقتصارهم على الدون من ذلك، ألا ترى حرصهم على السلق والشعير، وهذا يدل على أنهم لم تكن همتهم اتباع شهواتهم، وإنما كانت همتهم من القوت ما يدفعون به سَوْرَةَ الْـجُوعِ بما يمكن، فمن كان حريصًا أن يكون في الآخرة مع صالح سلفه ،فليسلك سبيلهم ،وليجر على طريقتهم ،وليقتد بهديهم، كما في الحديث مَشْروعِيَّةُ الدُّخول والأَكْلِ من بيتِ الخالاتِ والأَهْلِ من جِهَةِ الأُمِّ. وفي هذا الحديث الأمرُ بالحمية ،وأن الناقِهَ ينبغي له أن يحتفظ على نفسه، ولا يمرجها مرجَ الأصِحَّاء، والناقه هو الذي خلص من المرض، وهو متحرك إلى الصحة الوثيقة، ولم تحصل له بعدُ صحةٌ تامة، وأعضاؤه ضعيفة، وكذلك هضمه، وأفعال أعضائه فهي سهلةُ القَبُولِ للآفات، وأيضًا فإنَّ الناقه إلى ما يزيد في جوهر أعضائه، ويكون مع ذلك سريعَ النُّفوذ: كالسَّلق والشعير مطبوخَينِ، والناقِهُ ضعيفُ الهضم ، وقال العلامةُ أحمد الساعاتي في “الفتح الرباني”: فيه أن المريض في دَوْرِ النقاهة يشتهي الطعامَ والأكل، فلا يُعطَى كل ما تشتهيه نفسه، إلا ما كان خفيفًا على المعدة، فلا بأس به ، وقال عبدالملك بن حبيب في “الطب النبوي” فيما جاء في حمية المريض، فيما سمعه عن بعض الأطباء والحكماء: رأس الطب الحمية، ثم قال: وقد حمى رسول الله- صلَّى الله عليه وسلَّم- وأمر بالحمية عمرَ بن الخطاب، وغيرَه من الصحابة، وبلغني أن عمر قال للحارث بن كلدة: ما الدواء؟ ،قال: الحمية، ثم قال أيضًا في تعليقه وشرحه لحديث علي السابق: وكانت عائشة- رضي الله عنها- تحمي المريض؛ أي: تأمره بالحمية ، وقال الدكتور علي البار في شرحه وتعليقه على كتاب “الطب النبوي”؛ لعبدالملك بن حبيب: “الحمية من أنواع الطعام، أمرٌ يمارسه الأطباء يوميًّا، فمريضُ السُّكَّر لديه قائمةٌ طويلةٌ من الأطعمة الممنوع تناولها، وكذلك مريض ضغط الدم، ومريضُ الكُلَى، ومريض المعدة، والأمعاء، والمصاب بارتفاع الدهنيات في دمه له حمية خاصة، كما أن هناك الحميةَ العامةَ للتخفيف من آثار السمنة” ، وذكر الإمام أبو حامد الغزالي في “الإحياء”: أن هارون الرشيد الخليفة العباسي اجتمع عنده أربعةٌ من الأطباء، فطلب منهم أن يَصِفُوا له الدواءَ الذي لا داء فيه، فذكر الرابعُ منهم : ألا يأكل الإنسان حتى يشتهيَ الطعام، وأن يرفع يده وهو يشتهيه
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية حماية الناقه من بعض الأطعمة ، وحديث ( يَا عَلِىُّ مِنْ هَذَا فَأَصِبْ فَإِنَّهُ أَوْفَقُ لَكَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ويقول الحكماء : الدواء كله شيئان : حمية ،وحفظ صحة ، فالحميَّة أصلٌ من أصول صحة جسم الإنسان: ويقصد بالحمية: احتماء الإنسان من الطعام، سواءٌ كان مريضًا أم سليمًا، وإن كانت تُطلَق في حق المريض أكثر ، ومن المعلوم أنَّ للطعام شهوةً ولذةً ،ينجذبُ بسببها الشَّرِه من الناس، والذي لا يَضبِط نفسَه عند رؤية الطعام اللذيذ، ذي النكهة العطرة، والإعداد الأنيق، والمنظر البديع. فإذا وقع التخليط ، احتيج إلى الاستفراغ الموافق ، وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة . والحمية : حميتان : حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده ، فيقف على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية : حمية المرضى ، فإن المريض إذا احتمى ، وقف مرضه عن التزايد ، وأخذت القوى في دفعه . والأصل في الحمية قوله تعالى : ” وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ” [ النساء : 43] ، فحمى المريض من استعمال الماء ، لأنه يضره. وروى الإمام أحمد في مسنده : (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَحْمِى عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ يُحِبُّهُ كَمَا تَحْمُونَ مَرِيضَكُمْ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ تَخَافُونَهُ عَلَيْهِ ».
أيها المسلمون
روى ابن ماجة في سننه : (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَادَ رَجُلاً فَقَالَ « مَا تَشْتَهِى ». قَالَ أَشْتَهِى خُبْزَ بُرٍّ. قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ كَانَ عِنْدَهُ خُبْزُ بُرٍّ فَلْيَبْعَثْ إِلَى أَخِيهِ » ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- :« إِذَا اشْتَهَى مَرِيضُ أَحَدِكُمْ شَيْئًا فَلْيُطْعِمْهُ ». ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ، وكان فيه ضرر ما ، كان أنفع وأقل ضرراً مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعاً في نفسه ، فإن صدق شهوته ، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع ، قد يجلب لها منه ضرراً ، فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية ، فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة ، وصحة القوة ،
الدعاء