خطبة حول حديث ( يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ .. يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)
سبتمبر 25, 2021خطبة حول حديث ( وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ أَوْ لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ)
سبتمبر 25, 2021الخطبة الأولى حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ ( يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ حُبُّ الْمَالِ وَطُولُ الْعُمُرِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ – رضى الله عنه – قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ: حُبُّ الْمَالِ، وَطُولُ الْعُمُرِ » .وفي رواية مسلم في صحيحه : (عَنْ أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « يَهْرَمُ ابْنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنْهُ اثْنَتَانِ: الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ، وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ ».
إخوة الإسلام
في هذا الحديث النبوي الكريم: يَحكي الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (يَكبَر ابنُ آدم)؛ أي: يَطعُن في السِّنِّ، (ويَكبُر)؛ أي: ويَعظُم معه اثنان: (حُبُّ الْمَالِ، وَطُولُ الْعُمُرِ)؛ أي: الحرصُ على المال، وكراهيَة الموت. والحكمةُ في التَّخصيص بهذين الأمرين أنَّ أحَبَّ الأشياء إلى ابن آدمَ نفسُه؛ فهو راغبٌ في بقائها؛ فأحَبَّ لذلك طولَ العمر، وأحَبَّ المال؛ لأنَّه من أعظمِ الأسباب في دوام الصِّحَّة التي يَنشأ عنها غالبًا طول العُمر، فكلَّما أحَسَّ بقُرب نفادِ ذلك، اشتدَّ حبُّه له، ورغبته في دوامِه. وقال النووي : هذا مجاز واستعارة ومعناه : أن قلب الشيخ كامل الحب للمال متحكم في ذلك كاحتكام قوة الشاب في شبابه، وقال عياض : هذا الحديث فيه من المطابقة وبديع الكلام الغاية ،وذلك أن الشيخ من شأنه أن تكون آماله وحرصه على الدنيا قد بليت على بلاء جسمه ،إذا انقضى عمره ،ولم يبق له إلا انتظار الموت فلما كان الأمر بضده ذم . وقال : والتعبير بالشاب إشارة إلى كثرة الحرص وبعد الأمل الذي هو في الشباب أكثر وبهم أليق لكثرة الرجاء عادة عندهم في طول أعمارهم ودوام استمتاعهم ولذاتهم في الدنيا ، وقال القرطبي : في هذا الحديث كراهة الحرص على طول العمر وكثرة المال وأن ذلك ليس بمحمود
أيها المسلمون
لقد فطر الله تعالى النفوس على حب الحياة، والرغبة في طول العمر، وكراهية الموت ، فمع أن الانسان يكبر في السن، ويطعن فيه، ويصبح شيخًا، ولكن الأمل في طول الحياة يبقى حيًا شابًا في نفسه، ومع أن آماله وحرصه على الدنيا من المتوقع أن تكون قد صغرت وقلت، كما أن جسمه قد ضعف وأوشك عمره على الانقضاء، ولم يبق إلا انتظار الموت، ولكنه مع ذلك تقوى عنده الرغبة في الحياة، والمزيد من الامتداد في العمر. ونظرًا؛ لأن الموت يقطع عن الحياة، والناس يريدون الحياة، فلا عجب أن يكره الناس الموت ، وهذه القضية : حب الحياة، وطول العمر، يشترك فيها المسلم والكافر، والبر والفاجر، والطائع والعاصي. والسؤال : هل كراهية الموت مذمومة أو ممدوحة؟ وهل هي بحد ذاتها تنقص من قدر المؤمن؟ وهل هي كراهية الموت تخالف أمر الدين أو تنزل من رتبة المسلم؟ ففي الصحيحين البخاري ومسلم واللفظ لمسلم : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ فَقَالَ : « لَيْسَ كَذَلِكِ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ ». إذًا، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه ليس هذا أثناء الحياة، ولكن إذا حضرت الملائكة، إذا نزل الموت بالعبد، إذا شخص البصر، وحشرج الصدر، وأقشعر الجلد، وتشنجت الأصابع، فعند ذلك من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه ،ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه. وجاء في حديث عن عائشة مرفوعًا سكت عنه الحافظ في الفتح : “إذا أراد الله بعبد خيرًا قيض له قبل موته بعام ملكًا يسده ويوفقه، حتى يقال: مات بخير، أو مات بخير ما كان، فإذا حضر ورآه ثوابًا اشتاقت نفسه، فذلك حين أحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه وإذا أراد الله بعبد شرًا قيض له قبل موته بعام شيطانًا فأضله وفتنه، حتى يقال مات بشر ما كان عليه، فإذا حضر ورأى ما أعد له من العذاب جزعت نفسه، فذلك حين كره لقاء الله وكره الله لقاءه” [فتح الباري]. والسؤال : لماذا نُهينا عن تمني الموت؟ ، ففي الصحيحين : (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضى الله عنه – قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ ، فَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي » والاجابة على هذا التساؤل نجدها في هذا الحديث النبوي والذي رواه الامام مسلم : (حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ إِنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ وَإِنَّهُ لاَ يَزِيدُ الْمُؤْمِنَ عُمْرُهُ إِلاَّ خَيْرًا ».وفي رواية البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « لاَ يَتَمَنَّى أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ » ، فبين الحديث النهي عن قصد الموت، يعني تمنيه، والنهي عن الدعاء على النفس به، فلا تتمناه، ولا تدع على نفسك به، لا تتمنه، ولا تدع على نفسك. وفي قوله صلى الله عليه وسلم : (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُ )، إشارة إلى الزجر عن كراهيته إذا حضر، فإذا نزل بك قضاء الله تعالى في الموت فلا تكرهه، لئلا تدخل في كراهية لقاء الله، ولذلك فالنبي عليه الصلاة والسلام لما نزل به قال: بل الرفيق الأعلى ، ففي مسند أحمد : (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَثِيراً مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ : « إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيًّا حَتَّى يُخَيِّرَهُ ».قَالَتْ فَلَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ : « بَلِ الرَّفِيقُ الأَعْلَى مِنَ الْجَنَّةِ ». قَالَتْ : قُلْتُ :إِذاً وَاللَّهِ لاَ يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الَّذِى كَانَ يَقُولُ لَنَا إِنَّ نَبِيًّا لاَ يُقْبَضُ حَتَّى يُخَيَّرَ). وإذا كانت الآجال لا تزيد ولا تنقص، فإن تمني الموت لا يؤثر في زيادتها، ولا في نقصها، ولذلك لماذا يتمناه الإنسان؟
أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن قوله صلى الله عليه وسلم : « يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ : حُبُّ الْمَالِ ، وَطُولُ الْعُمُرِ » . فشهوة حب المال عمت غالب الخلق ، حتى فُتِنوا بالدنيا وزهرتها ، وصارت غاية قصدهم : لها يطلبون ، وبها يرضون ، ومن أجلها يغضبون ، وبسببها يوالون ، وعليها يعادون ، فكم قُطِعت أرحام في سبيلها ، وسُفِكت دماء بسببها ، ووقعت فواحش من أجلها ، ونزلت القطيعة وحلَّت البغضاء ، وفُرِّق بين الأخ وأخيه ، وتقاتل الأب مع ابنه ، وتعادى الأصحاب والخلان ، والسبب : الدنيا ، وحب المال .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( يَكْبَرُ ابْنُ آدَمَ وَيَكْبَرُ مَعَهُ اثْنَانِ : حُبُّ الْمَالِ ، وَطُولُ الْعُمُرِ )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
والخوف من حب المال ، والحرص على جمعه هذا هو ما استشرفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حتى لم يؤثِّر في بصيرته الفرح بالغنيمة والانشغال بالنصر ، فقد أورد ابن حجر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي بمال من المشرق يُقال له نفل كسرى ، فأَمر به فصُبَّ وغُطِّي ، ثم دعا الناس فاجتمعوا ، ثم أمر به فكُشِف عنه ، فإذا حُلي كثير وجوهر ومتاع ، فبكى عمر ، وحمد الله عز وجل ، فقالوا له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟! هذه غنائم غنمها الله لنا ونزعها من أهلها ، فقال : ” ما فُتِح من هذا على قوم إلا سفكوا دماءهم واستحلوا حرمتهم ” .وكأنه قد تذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « إِذَا فُتِحَتْ عَلَيْكُمْ فَارِسُ وَالرُّومُ أَيُّ قَوْمٍ أَنْتُمْ ». قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَقُولُ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ تَتَنَافَسُونَ ثُمَّ تَتَحَاسَدُونَ ثُمَّ تَتَدَابَرُونَ ثُمَّ تَتَبَاغَضُونَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ فِي مَسَاكِينِ الْمُهَاجِرِينَ فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ عَلَى رِقَابِ بَعْضٍ ». ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ما لم نر ، وأحس بما ينتظرنا ، وخاف علينا من سوء عاقبتنا ، فقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أناس يبيعون الدين بعرض الدنيا ، فقد روى الامام مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا ».
أيها المسلمون
ومما يرشد إليه هذا الحديث النبوي الكريم : أولا : أنَّ حبَّ الدُّنيا وكراهية الموت يتساوى فيه الشَّباب والشُّيوخ. ثانيا : في الحديث الحثُّ على الإقبالِ على الآخِرة بالكلِّيَّة.
الدعاء