خطبة عن قوله تعالى ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ )
مارس 21, 2017خطبة عن ( البكاء من خشية الله)
مارس 22, 2017الخطبة الأولى (حُسْنِ الْخُلُقِ) (أَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم : (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (4) القلم ،
وقال سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90) النحل ، وقال عز من قائل: (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا (34) وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35) وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا (37) كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا ) (34): (38) الاسراء . وقال عز وجل: (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ) (26) الاسراء ، وفي الصحيحين عن : (عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُحَدِّثُنَا إِذْ قَالَ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا ، وَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ « إِنَّ خِيَارَكُمْ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلاَقًا » ، وفي سنن الترمذي : (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا) ، وروى أبود داود : (عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ». وفي سنن الترمذي : (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاَةِ ».
وفي مسند أحمد (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَكْثَرِ مَا يَلِجُ النَّاسُ بِهِ النَّارَ فَقَالَ « الأَجْوَفَانِ الْفَمُ وَالْفَرْجُ ». وَسُئِلَ عَنْ أَكْثَرِ مَا يَلِجُ النَّاسُ بِهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « حُسْنُ الْخُلِقِ »
إخوة الإسلام
إن الأخلاق الحسنة ركيزة من ركائز دين الإسلام ، فهي عظيم شأنها ،عالية مكانتها، ولذلك دعا المسلمين إلى التحلي بها وتنميتها في نفوسهم، والأخلاق الحسنة هي أحد الأصول الأربعة التي يقوم عليها دين الإسلام وهي : الإيمان والأخلاق، والعبادات، والمعاملات، ولذا نالت العناية الفائقة الكبرى والمنزلة العالية الرفيعة في كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم . بل إن الأخلاق الحسنة ، والسمات الفاضلة الكريمة تدعو إليها الفطر السليمة، فالعقلاء يجمعون على أن الصدق والوفاء بالعهد والجود والصبر والشجاعة وبذل المعروف أخلاق فاضلة يستحق صاحبها التكريم والثناء، وأن الكذب والغدر والجبن والبخل أخلاق سيئة يذم صاحبها. وحسن الخلق: هو حالة نفسية تبعث على مخالقة الناس بالمعروف، ومجاملتهم بالبشاشة ، وطيب القول، والصبر والحلم ولطف المداراة. وهو : ملكة نفسانية يسهل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الحميدة والسجايا المرضية المدركة بالبصيرة لا بالبصر. ومما قال الأولون عن حسن الخلق : قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : حُسْنُ الْخُلُقِ اخْتِيَارُ الْفَضَائِلِ وَتَرْكُ الرَّذَائِلِ . وسئل الشعبي عن حسن الخلق ، قال : البذلة والعطية والبشر الحسن ،وسئل الحسن عن حسن الخلق ، فقال : الكرم والبذلة والاحتمال
وقال مقاتل : حسن الخلق بالتجاوز ، والصفح . وقال الحسن البصري :”معالي الأخلاق للمؤمن، قوة في لين ،وحزم في دين ،وإيمان في يقين ،وحرص على العلم ،واقتصاد في النفقة، وبذل في السعة ،وقناعة في الفاقة ، ورحمة للمجهود ، وإعطاء في كرم ، وبر في استقامة ” ، وقال القاضي عياض: “هو مخالطة الناس بالجميل والبشر ،والتودد لهم ،والإشفاق عليهم ، واحتمالهم ،والحلم عنهم ،والصبر عليهم في المكاره ،وترك الكبر والاِستطالة عليهم ، ومجانبة الغلظة والغضب والمؤاخذة” . وحسن الخلق على الاجمال : هو أن يكون الإنسان كثير الحياء، قليل الأذى، كثير الصلاح ، صدوق اللسان، قليل الكلام، كثير العمل، قليل الزلل، قليل الفضول، براً وصولاً، وقوراً، صبوراً، شكوراً، راضياً، حليماً، رفيقاً، عفيفاً، شفيقاً، لا لعاناً ولا سباباً، ولا نماماً ولا مغتاباً، ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً، ولا حسوداً، بشاشاً هشاشاً، يحب في اللّه، ويرضى في اللّه، ويغضب في اللّه.
أيها المسلمون
ولأهمية التحلي بالخلق الحسن فقد وردت آياتٌ وأحاديثُ كثيرة تحث عليه وتأمر به. فمن نصوص القرآن الكريم المرشدة إلى حسن الخلق ،قوله تعالى: ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً ) الاسراء 53، وقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90) النحل . وقال عز من قائل: ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) الاسراء 34. وقال سبحانه: ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) الاسراء 36 . وقال عز وجل: ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِين وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً ) الاسراء 26 ، 27. وقال سبحانه مادحا نبيه محمدا عليه الصلاة والسلام: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) القلم 4 . وفي هذهِ الآية إشارة: كأن حسن الخلق عرشٌ يتربع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي مسند أحمد : (عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ أَتَيْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبِرِينِى بِخُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. قَالَتْ كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ أَمَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ،كما جاءت الأحاديث النبوية الشريفة لتوصي وتأمر بالتحلي بأحسن الأخلاق والسجايا: ففي صحيح مسلم : (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الْبِرِّ وَالإِثْمِ فَقَالَ« الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ». وروى أبود داود (عَنْ أَبِى الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ » ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا » رواه الترمذي ، وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَهَا « إِنَّهُ مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ » رواه احمد ،ومن أقوال الصحابة والتابعين في حسن الخلق:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “خالطوا الناس بالأخلاق، وزايلوهم بالأعمال” . وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: “إن العبد ليبلغ بحسن خلقه أعلى درجة في الجنة وهو غير عابد، ويبلغ بسوء خلقه أسفل درك جهنم وهو عابد” .
وقال يحي بن معاذ رحمه الله: “حسن الخلق حسنة لا تضر معها كثرة السيئات، وسوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات” . وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: “لأن يصحبني فاجر حسن الخلق، أحب إليّ من أن يصحبني عابد سيء الخلق” .
أيهال المسلمون
فلحسن الخلق منزلة عظيمة في الإسلام ، فمن يتمتع بحسن الخلق ،ويتحلى بتطبيق المنهج الربَّاني في معاملة الآخرين، ويتمسك بسنَّة الرسول صلى الله عليه وسلم في التعامل مع الناس، فقد فاز فوزاً عظيماً في الدنيا وفي الآخرة. وقد يتصور بعض الناس ،أن حسن الخلق محصور في الكلمة الطيبة ، والمعاملة الحسنة فقط، والحقيقة أن حسن الخلق أوسع من ذلك ، فهو يعني إضافة إلى الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ، التواضع ،وعدم التكبر ،ولين الجانب، ورحمة الصغير ، واحترام الكبير ، ودوام البشر، وحسن المصاحبة ،وسهولة الكلمة ،وإصلاح ذات البين ، والصبر والحلم والصدق وغير ذلك من الأخلاق الحسنة والأفعال الحميدة التي حث عليها الإسلام ورغب فيها.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن منهج السلف في الأخلاق والسلوك “يأمرون بالصبر عند البلاء ، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال ” ولقد بينًّ الله تعالى نهج المسلم في التعامل، فقال الله تعالى: {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فُصِّلَت:3]، وروى الترمذي عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا الْبَذِيءِ» وصححه الألباني
أيها المسلمون
ولحسن الخلق أجر عظيم، فقد روى الترمذي وصححه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا شَيْءٌ أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ» ، وحسن الخلق سبب لعفو اللّه وجالب لغفرانه ، ففي الصحيحين (عَنْ حُذَيْفَةَ قال « أُتِىَ اللَّهُ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ آتَاهُ اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لَهُ مَاذَا عَمِلْتَ فِي الدُّنْيَا – قَالَ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا – قَالَ يَا رَبِّ آتَيْتَنِي مَالَكَ فَكُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ وَكَانَ مِنْ خُلُقِي الْجَوَازُ فَكُنْتُ أَتَيَسَّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ. فَقَالَ اللَّهُ أَنَا أَحَقُّ بِذَا مِنْكَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِى » ،وحسن الخلق سبب للفوز بمحبة اللّه جل وعلا وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ((أحب عباد اللّه إلى اللّه أحسنهم خلقاً)) رواه الحاكم ،وحسن الخلق سبب للفوز بمحبة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ، ففي سنن الترمذي وغيره (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا) ، وحسن الخلق من خير أعمال العبادة ، ففي سنن ابن ماجة وغيره (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خَيْرُ مَا أُعْطِىَ الْعَبْدُ قَالَ « خُلُقٌ حَسَنٌ ». وحسن الخلق صاحبه يوصف بالخيرية ، كما في الصحيحين (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا » ،وحسن الخلق سبب لتعمير الديار ، وزيادة الأعمار ،فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت قال رسو ل اللّه صلى الله عليه وسلم: ((… وَصِلَةُ الرَّحِمِ وَحُسْنُ الْخُلُقِ وَحُسْنُ الْجِوَارِ يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ ». وصاحب الخلق الحسن يألف الناس ويألفونه ، فإن قلوب العباد تميل دائما إلى صاحب الخلق الحسن وتبغض الإنسان صاحب الخلق السيء ، ففي معجم الطبراني (عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف
وحسن الخلق يصلح ما بين صاحبه وبين الناس ، قال ابن القيم -رحمه اللّه – ((جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين التقوى وحسن الخلق ،لأن تقوى اللّه تصلح ما بين العبد وبين ربه ,وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه .فتقوى اللّه توجب له محبة اللّه وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته )) ، وبحسن الخلق يكثر الأحباب ويقل الأعداء ،قال المارودي -رحمه اللّه – إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه ,وقل معادوه ,فتسهلت عليه الأمور الصّعاب , ولا نت له القلوب الغضاب ، وحسن الخلق يحول العدو إلى الصديق ، قال تعالى : (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (34) فصلت ، وحسن الخلق دليل على كمال إيمان العبد ، ففي سنن الترمذي وغيره (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا
وحسن الخلق من أسباب الارتقاء في الجنة فيبلغ العبد بحسن الخلق أعلى درجات الجنة مع عباد اللّه المخلصين الذين لا يفترون عن الصيام والقيام ففي مسند أحمد عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ الْخُلُقِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ».
أيها المسلمون
ولنا في الرسول صلى اللّه عليه وسلم أسوة حسنة تُحْتَذَى في الْخُلق مع نفسه، ومع أزواجه، ومع جيرانه، ومع ضعفاء المسلمين، ومع جَهَلَتِهم، بل وحتى مع أعدائه وخصومه؛ قال تعالى:( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقوى) المائدة 8 . وحسبنا أن نذكر أذى قريش للرسول صلى الله عليه وسلم؛ فقد تألبت عليه، وسامته سوء العذاب، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلاده، فلما عاد في فتح مكة ونصره الله عليهم، لم يَشُكُّـوا أنه سيثأر منهم، وينكـّل بهم، فما زاد أن قال: “”ما تقولون أني فاعل بكم”؟ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم. فقال: “أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء”” . وعن علي كرم الله وجهه قال: “إن يهوديا كان له على رسول الله (صلى الله عليه) دنانير، فتقاضاه، فقال له: “يا يهودي ما عندي ما أعطيك”. فقال: فإني لا أفارقك يا محمد حتى تقضيني. فقال: “أجلس معك”، فجلس معه حتى صلى في ذلك الموضع الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة والغداة (الصبح)، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهددونه ويتوعدونه، فنظر رسول الله (صلى الله عليه) إليهم وقال: “ما الذي تصنعون به”؟ فقالوا: يا رسول الله يهودي يحبسك! فقال: “لم يبعثني ربي عز وجل (كي) أظلم معاهدا ولا غيره”. فلما علا النهار قال اليهودي: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وشطر مالي في سبيل الله، أما والله ما فعلت بك الذي فعلت، إلا لأنظر إلى نعتك في التوراة، فإني قرأت نعتك في التوراة: محمد بن عبد الله، مولده بمكة، ومهاجره بطيبة (المدينة المنورة)، وليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب، ولا متزين بالفحش، ولا قول الخنا، وأنا أشهد أن لا اله إلا الله، وأنك رسول الله، وهذا مالي فاحكم فيه بما أنزل الله” ، وكان اليهودي كثير المال.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (حُسْنِ الْخُلُقِ) (أَقْرَبِكُمْ مِنِّى مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاَقًا)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
إن الإيمان والخلق الحسن ؛ أمران مرتبطان متلازمان، بل أمر واحد. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان وأصحاب السنن (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ ». وعند الإمام أحمد (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ قَالَ « حُرٌّ وَعَبْدٌ ». قُلْتُ مَا الإِسْلاَمُ قَالَ « طِيبُ الْكَلاَمِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ ». قُلْتُ مَا الإِيمَانُ قَالَ « الصَّبْرُ وَالسَّمَاحَةُ ». قَالَ قُلْتُ أَيُّ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ قَالَ « مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ ». قَالَ قُلْتُ أَيُّ الإِيمَانِ أَفْضَلُ قَالَ « خُلُقٌ حَسَنٌ ». فلا يستقيم إيمان دون خلق قويم، وكل تدين أجوف خال من الخلق الحسن يقعد بصاحبه عن معالي الأمور.
أيها المسلمون
وهناك أسباب عديدة ووسائل متنوعة يستطيع الانسان من خلالها أن يكتسب حسن الخلق إذا روّض نفسه على ذلك وسعى له، ومن ذلك ما يلي:- – سلامة العقيدة ، فالسلوك في الغالب ثمرة لفكر الانسان وما يعتقد ، والانحراف نتيجة لخلل في العقيدة فإذا صحت العقيدة حسنت الأخلاق تبعاً لها ،فإن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق : الدعاء ، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير الضراعة لله تعالى أن يرزقه حسن الخلق ، كما في صحيح مسلم (وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّى سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ) – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :المجاهدة ، بمعنى مجاهدة النفس على التحلي بالفضائل والابتعاد عن الرذائل وذلك لتدريب النفس على الخلق الحسن – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق : المحاسبة ، بمحاسبة النفس إذا ارتكبت الأخطاء والأخلاق الذميمة ، محاولة اصلاحها أن تعود لمثلها، – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :التفكير في آثار حسن الخلق والثمار الحسنة التي تترتب على ذلك ، – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :الحذر من اليأس من إصلاح النفس ،فإذا ابتلي الانسان بسوء الخلق وحاول التخلص ولم يفلح فعليه أن لا ييأس من إصلاح نفسه وان يقوي إرادته ويشحذ عزيمته – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق : الصبر، فالصبر من الاسس الاخلاقية التي يقوم عليها حسن الخلق ، – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :علو الهمة الذي يستلزم الجد والعمل وطلب الكمال والترفع عن الدنايا، – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :العفة التي تحمل صاحبها على اجتناب الرذائل والقبائح من القول والفعل وتحمل على الحياء وتمنع الفحشاء. – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :الشجاعة وقوة البأس، التي تحمل صاحبها على عزة النفس والبذل وتحمله على كظم الغيظ والحلم وهي من فضائل الأخلاق. – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :العدل، الذي يحمل على اعتدال الاخلاق وتوسطها بين طرفي الإفراط والتفريط، – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :إجبار النفس على البشر والطلاقة ، وإبعادها عن العبوس والتقطيب، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول ‘’ تبسمك في وجه أخيك صدقة ‘’ رواه الترمذي . – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :الحلم ، فهو من أشرف الأخلاق ، وأحقها بذوي العقول السليمة ، وحد الحلم ضبط النفس ، وشفافيتها ، ورفعة المنزلة والمكانة، – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :الترفع عن السباب مخافة الوقوع في المكاره والمهاترات بين الأفراد مما يزيل الهيبة والاحترام. – ومن الوسائل المعينة على حسن الأخلاق :نسيان الأذية والعفو والصفح ومقابلة الإساءة بالإحسان ، فهي من أسباب علو المنزلة ، ورفعة الدرجة ، – ومنها : السخاء ونسيان المعروف والإحسان إلى الناس ، – ومنها : الرضا بالقليل من الناس، وترك مطالبتهم بالمثل ، – ومنها :تجنب الغضب واحتساب الأجر عند الله عز وجل ، إذ الغضب هو من أقوى أسباب الوقوع فريسة رذائل الأخلاق
الدعاء