خطبة عن (الإسلام : إيمان وعمل )
مارس 19, 2017خطبة عن قوله تعالى (إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى)
مارس 20, 2017الخطبة الأولى (خشية الله في السر والعلن ) ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا ) (108)،(109) النساء ،وقال تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) (7) المجادلة ،وروى ابن ماجة في سننه : (عَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ : « لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ». قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ. قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا ».
إخوة الإسلام
قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان بحضرة الناس، وعلى مشهد منهم، ولكنه إذا خلا بنفسه، وغاب عن أعين الناس، أطلق لنفسه العنان، فاقترف السيئات، وارتكب المحرمات والمنكرات، ونسي هؤلاء قوله تعالى : ( وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً ) الإسراء:17 ، وقوله تعالى ( وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) البقرة: 74. بل إن الإنسان ليقع في ذنب، لو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، أتراه – في هذه الحالة – مستحضراً قول الله تعالى: ( أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) 77 البقرة ، وقوله تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ) التوبة: 78. فويحك أيها المستخفي بمعصيتك ، فإن كانت جرأتك على معصية الله لاعتقادك أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك، وما أقل حياءك منه !! ولم جعلت الله أهون الناظرين إليك ، فأنت ممن قال الله تعالى فيهم ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ) النساء:108 ، وقال تعالى :(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ق:16. وقال تعالى : ( وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ) فصلت:23،22. وقال قتادة: ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، وقال ابن الأعرابي: آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد. وما أجمل قول من قال :
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل*** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ
أيها المسلمون
إن تقوى الله في الغيب، وخشيته في السر،لهي دليل على كمال الإيمان، وهي سبب لحصول الغفران ،ودخول الجنان، فبها ينال العبد كريم الأجر وكبيره قال الله تعالى في شأنهم : ( إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ) [يس:11] وقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ) [الملك:12]
وقال تعالى : ( وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ق:31-35. وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسند أحمد ، قوله : (أَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَكَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا وَالْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى وَلِذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ) ، فواجب على العبد أن يخشى الله سراً وعلانية، وظاهراً وباطناً، فإن الكثير من الناس من يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن القليل منهم من يخشى الله في الغيب ، وإذا غاب عن أعين الناس . وكان بكر المزني يدعو لإخوانه بقوله : زهّدنا الله وإياكم في الحرام، زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه. وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه. وما أجمل قول من قال :
إذا السر والإعلان في المؤمن استوى***فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا
فإن خالف الإعلان سراً فما له *** على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خشية الله في السر والعلن )( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ألا وقد شخصنا الداء ، فلابد لنا من أن نصف الدواء ، فما هي الوسائل المعينة على مراقبة الله وخشيته في السر والعلن ؟؟ فأقول مستعينا بالله : إن من الوسائل والأمور المعينة والموجبة لخشية الله عز وجل : 1 – قوة الإيمان بوعده ووعيده على المعاصي. 2 – من الوسائل والأمور المعينة والموجبة لخشية الله عز وجل : النظر في شدة بطشه وانتقامه وسطوته وقهره، وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته، كما قال الحسن: (ابن آدم، هل لك طاقة بمحاربة الله، فإن من عصاه فقد حاربه). وقال بعضهم: عجبت من ضعيف يعص قوياً. 3 – من الوسائل والأمور المعينة والموجبة لخشية الله عز وجل : قوة المراقبة لله، والعلم بأنه شاهد رقيب على قلوب عباده وأعمالهم، وأنه مع عباده حيث كانوا فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته، أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر. وقال وهب بن الورد: ( خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه قدر قربه منك. وقال: اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك. 4 -من الوسائل والأمور المعينة والموجبة لخشية الله عز وجل : استحضار معاني صفات الله تعالى، ومن صفاته ( السمع، والبصر، والعلم )، فكيف تعصي من يسمعك، ويبصرك ويعلم حالك؟!.. فإذا استحضر العبد معاني هذه الصفات، قوي عنده الحياء، فيستحي من ربه أن يسمع منه ما يكره، أو يراه على ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى أقواله وحركاته وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى. قال ابن رجب: فتقوى الله في السر، هي علامة كمال الإيمان، ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبها الثناء في قلوب المؤمنين وقال أبو الدرداء: ( ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين. وقال سليمان التيمي: ( إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته ،وقال غيره: ( إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه. واعلم أخي أن خشيتك لله في الغيب ومراقبتك له ، هي من أعظم الأدلة على إيمانك بالله ، ووجود الإله الحق، المجازي بذرات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة، ولا يضيع عنده عمل عامل، ولا يقف أمام قدرته حجب ولا استار. فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً له.
أيها المسلمون
إن إيمانَ العبدِ بأن اللهَ يراه ويطَّلعُ على سرِّه وعلانيتِه وباطنِه وظاهرِه، وأنه لا يخفى عليه شيءٌ من أمرِه من أعظمِ أسبابِ تركِ المعاصي الظاهرةِ والباطنةِ؛ وإنما يسرِفُ الإنسانُ على نفسِه بالمعاصي والذنوبِ إذا غفلَ عن هذا الأمرِ؛ ولذلك قال اللهُ تعالى في بيانِ تهوُّكِ أهل النارِ في الذنوبِ والمعاصي : ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذَلِكم ظنُّكُم الذِي ظَنَنتم بِربِّكُم أَرْداكُم فَأَصْبَحْتُم من الخاسِرِين) فصلت 22، 23، فمن آمن بقلبِه أنه لا تخفى على اللهِ خافيةٌ، راقبَ ربَّه وحاسبَ نفسَه وتزوَّد لمَعادِه، واستوَى عنده السرُّ والإعلانُ؛ ولذلك كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم كما في سنن الترمذي : «اتَّقِ اللهَ حيثُما كنتَ»؛ أيْ: في السِّرِّ والعلانيَةِ، حيث يراك الناسُ وحيثُ لا يرَوْنَك، فخشيةُ اللهِ تعالى في الغيبِ والشهادةِ من أعظمِ ما ينجِّي العبدَ في الدنيا والآخرةِ؛
الدعاء