خطبة عن: وقفات مع حديث (الملك والساحر والغلام والراهب)
ديسمبر 22, 2018خطبة عن حديث: (بُنِىَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ)
ديسمبر 22, 2018الخطبة الأولى ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِى بِهَا فِي النَّارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه 🙁 عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :«إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِى بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ »
إخوة الاسلام
موعدنا اليوم -إن شاء الله- مع هذا الحديث النبوي الشريف ، والذي يحذر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته وأتباعه من خطورة الكلمة ، وآفات اللسان ،وأن الإنسان على خطر من هذا اللسان، وأنه من الواجب عليه أن يصونه ،ويحفظه ،ويجتهد في ذلك ،لعله يسلم من شره ، لأن اللسان سريع الحركة، إما بالخير ،وإما بالشر، فالواجب التثبت في أمره ،والحذر من انفلاته، فأنت ما دمت ساكتا فأنت على سلامة، وإذا تكلمت فإما لك ، وإما عليك، يقول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، ويقول سبحانه: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولً) [الإسراء:36]، وفي السنة المطهرة جاءت أحاديث كثيرة تحذر من الكلمة السيئة ومخاطرها ونتائجها ،ففي صحيح البخاري : ( عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ :« إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ ، وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لاَ يُلْقِى لَهَا بَالاً يَهْوِى بِهَا فِي جَهَنَّمَ » ، فالواجب على المؤمن الحذر كل الحذر من شر هذا اللسان، وأن يحرص على استعماله في الخيرات ،وفيما يرضي الله جل وعلا ،حتى تحصل له بذلك الخيرات العظيمة ،والدرجات العالية ، وليحذر من إطلاق لسانه وكلامه وعدم تقييده ، فإنه خطير جدًا، فكم من كلمة أودت بصاحبها إلى المهالك!، فالواجب على كل مكلف أن يحذر شر لسانه وشر جوارحه فقد يلقيها على سبيل المزاح، وقد يلقيها على سبيل التساهل، ولكنها تهلكه، وقد روى الترمذي بسند حسن صحيح : (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. قَالَ « لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ تَعْبُدُ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ وَتُؤْتِى الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ». ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ وَصَلاَةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ». قَالَ ثُمَّ تَلاَ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ (يَعْمَلُونَ) ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلِّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ». ثُمَّ قَالَ « أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمَلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ». قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ قَالَ « كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ». فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ فَقَالَ « ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ ». فمن تذكر هذه الأحاديث ،وصارت على باله ،أوجبت له حفظ هذا اللسان وتقييده ، وألا يتكلم إلا عن بصيرة ،وعن نظر وعناية، وهذا هو الجهاد، فالجهاد من جاهد نفسه ،قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) [العنكبوت:69]
أيها المسلمون
وللسلف الصالح في هذا الباب آثار عجيبة ،وأخبار جميلة ،تدل على قوة تمسكهم بهذا الأدب النبوي الرفيع ، ومن ذلك قول شداد بن أوس رضي الله عنه : ” ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أخطمها وأزمها ” وقال ابن دقيق العيد : ” ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلا أعددت لذلك جوابا بين يدي الله تعالى ” وَقَالَ النَّوَوِيّ : فِي هَذَا الْحَدِيث حَثّ عَلَى حِفْظ اللِّسَان , فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْطِق أَنْ يَتَدَبَّر مَا يَقُول قَبْل أَنْ يَنْطِق , فَإِنْ ظَهَرَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَكَلَّمَ وَإِلَّا أَمْسَكَ . ومما قال الإمام ابن القيم في كتابه ” الجواب الكافي رحمه الله : ” ومن العجب : أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام والظلم والزنا والسرقة وشرب الخمر ، ومن النظر المحرم وغير ذلك ، ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه ، حتى ترى الرجل يشار إليه بالدين والزهد والعبادة ، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقي لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب ؛ وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم ، ولسانه يفري في أعراض الأحياء والأموات ، ولا يبالي بما يقول .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَهْوِى بِهَا فِي النَّارِ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن الأحاديث الواردة في هذا الشأن يمكن لنا أن نستنبط منها الفوائد التالية : – أن جميع ما يتكلم به المرء مسجل عليه ومحفوظ ، لقول الله تعالى – : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، فيكتب الملكان كل ما ينطق به الإنسان ، وأما النية الباعثة له ، فلا اطلاع لهما عليها ، فالله يتولاها . ويستفاد من الحديث : – أن أعظم من أعظم البلاء على العبد في الدنيا اللسان فمن وقي من شره فقد وقي ، ويستفاد من الحديث : أن – من أراد النطق بكلمة أن يتدبرها بنفسه قبل نطقه بها ، فإن ظهرت مصلحة تكلم بها ، وإلا أمسك عن الكلام . ومن جميل كلام ابن القيم : وأما اللفظات ؛ فحفظها بأن لا يخرج لفظة ضائعة ؛ بأن لا يتكلم إلا فيما يرجو فيه الربح والزيادة في دينه ، فإذا أراد أن يتكلم بالكلمة نظر : هل فيها ربح أو فائدة أم لا ؟ فإن لم يكن فيها ربح أمسك عنها ، وإن كان فيها ربح نظر : هل تفوت بها كلمة هي أربح منها فلا يضيعها بهذه ؟ ” .ويستفاد من الحديث : – أنه ربما اقترن بالكلمة من الصدق والإخلاص والصفاء وحسن النية ما يجعلها سببا – على قلتها – للمغفرة والرضوان ، والعكس كذلك ، فقد تكون الكلمة سببا في أن يهوي صاحبها في دركات النيران .
الدعاء