خطبة عن ( كيف نصلح بين المتخاصمين ؟)
يناير 12, 2016خطبة عن ( التواضع ثمراته وما يعين عليه)
يناير 12, 2016الخطبة الأولى ( من صور خلق الإيثار)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (9) الحشر ،
إخوة الإسلام
إن النفس الزكيّة هي التي تظهر شفافيتها عند مواطن الاختبار والاعتبار، فهي تجود حتى بزادها، وتؤثر على نفسها حتى بأعزّ ما تملك. وقد قدمت لنا أم المؤمنين عائشة صورًا في إيثارها ومن ذلك ما رواه البخاري عن عمر عندما طعن وتأكد موته، فقال لابنه عبد الله: (انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ . وَلاَ تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ . فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا ، وَقُلْ يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ . فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا ، فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِى فَقَالَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلاَمَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ . فَقَالَتْ كُنْتُ أُرِيدُهُ لِنَفْسِي ، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِى . فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَدْ جَاءَ . قَالَ ارْفَعُونِي ، فَأَسْنَدَهُ رَجُلٌ إِلَيْهِ ، فَقَالَ مَا لَدَيْكَ قَالَ الَّذِى تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَذِنَتْ . قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَىَّ مِنْ ذَلِكَ ). ولها رضي الله عنها موقف عظيم آخر في الإيثار يرويه لنا الإمام مالك في الموطأ (فعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ مِسْكِينًا سَأَلَهَا وَهِىَ صَائِمَةٌ وَلَيْسَ فِي بَيْتِهَا إِلاَّ رَغِيفٌ فَقَالَتْ لِمَوْلاَةٍ لَهَا أَعْطِيهِ إِيَّاهُ. فَقَالَتْ لَيْسَ لَكِ مَا تُفْطِرِينَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أَعْطِيهِ إِيَّاهُ قَالَتْ فَفَعَلْتُ – قَالَتْ – فَلَمَّا أَمْسَيْنَا أَهْدَى لَنَا أَهْلُ بَيْتٍ – أَوْ إِنْسَانٌ – مَا كَانَ يُهْدِى لَنَا شَاةً وَكَفَنَهَا فَدَعَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ كُلِى مِنْ هَذَا ، هَذَا خَيْرٌ مِنْ قُرْصِكِ.) ، وهذا الصحابي الجليل أبو طلحة ، كان من أكثر الأنصار مالاً ، وأحب ماله إليه حديقة تسمى بيرحاء ، وها هو يسمع قول الله تعالى: (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ )[آل عمران: 92] ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا أنه يتصدق بها لوجه الله تعالى. ففي صحيح البخاري أن (أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ – رضى الله عنه – يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ الأَنْصَارِ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ ، وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ ، وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ : ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ . إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ ( لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) ، وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِى إِلَىَّ بَيْرُحَاءَ ، وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ ، فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « بَخْ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ، وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَقْرَبِينَ » . ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ . فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَبَنِى عَمِّهِ . وهذا قيس بن سعد بن عبادة يمرض ويتأخر إخوانه عن زيارته فيسأل عنهم، فيقال له: “إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدَّين، فيقول: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة ” .ثم أمر مناديًا ينادي: ” من كان لقيس عليه مالٌ فهو في حلٍّ ” .فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة الزوار. وانظروا إلى ما حدث بعد وفاة الرسول – صلى الله عليه وسلم – ولم يُدفن بعد في سقيفة بني ساعدة حدث نزاع، ولكن سرعان ما اتَّفقوا، وأقروا بفضل أبي بكر عليهم جميعًا، وبايعوه فورًا، وانفضَّ النزاع، وهذا هو الإيثار، وهذا هو الحق، وإلصاق الفضل بأهله، وهذا ما نُسميه نحن اليوم: المشهد السياسي، فإن النزاع في سقيفة بني ساعدة كان نزاعًا على السلطة على أعلى مركز في الدولة، وبالإيثار ومعرفة أهل الفضل انتهى النزاع فورًا، وماتت الفتنة في مهدها بالإيثار. ومن نوادر القصص في الإيثار ما أورده القرطبي قال: قال حذيفة العدوي: انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعي شيء من الماء، وأنا أقول: إن كان به رَمَقٌ سقيته، فإذا أنا به، فقلت له: أسقيك؟ فأشار برأسه أن نعم، فإذا أنا برجل يقول: آه آه، فأشار ابن عمي أن انطلق إليه، فإذا هو هشام بن العاص فقلت: أسقيك؟ فأشار أن نعم، فسمع آخر يقول: آه آه، فأشار هشام أن انطلق إليه فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. فما أعظم الإيثار في هذه اللحظة! وما أجلّ هذه الشَّرْبة الهنيئة التي سيتجرّعها كلُ واحد منهم في الجنة بإذن الله بسبب إيثاره لإخوانه بالشراب قبله حتى وافته المنية!
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( من صور خلق الإيثار)
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين أما بعد أيها المسلمون
وماذا نسمِّي صنيع خالد – رضي الله عنه – عندما عزَله عمر – رضي الله عنه – سوى التضحية والإيثار؟ ألَم يَخلع عليه الرسول – صلَّى الله عليه وسلَّم – لقب “سيف الله المسلول”؟ ألَم يَخُض جميع المعارك منذ أسلمَ، فلم تُنكَّس له راية، ولا انهزَم جيشٌ قادَه؟ ، يأتيه قرارُ الخليفة بتنحِيته من قيادة الجيش وهو في ساحة القتال ضدَّ إمبراطورية الروم المَنيعة، ليُولِّيَ مكانَه أحدَ جنوده، فماذا كان ردُّ فِعله؟ انتقَل ببساطة من مركز القيادة إلى صفِّ الجنود، وواصَل المعركة وكأنَّ شيئًا لَم يكن، لماذا؟ لأنَّه يقاتل في سبيل الله؛ سواء كان قائدًا، أم جنديًّا. لكن هل من السهل على الناس أن يفعلوا مثل خالد؟ لا، من غير شكٍّ، لكنَّ خالدًا آثَر رضا الله تعالى على المكانة القياديَّة، وضحَّى بمصلحته الشخصيَّة في سبيل دينه ومَبْدئه؛ لأنَّ نفسه زكَّتها التربية الإيمانية، وصَقَلتها مدرسة الأخلاق الرفيعة في المَحضن النبوي الهادي.
أيها المسلمون
ويتجلى أيضا خلق الإيثار في خلق الاشعريين كما في صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ، قَالَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « إِنَّ الأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ ، فَهُمْ مِنِّى وَأَنَا مِنْهُمْ » ، وأعظم الإيثار أجرا إن كان عن قلة ذات اليد ، ويبتغي الغنى ويخشى على نفسه الفقر ، ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَعْظَمُ فَقَالَ : « أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا وَلِفُلاَنٍ كَذَا أَلاَ وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ ». ، فإن أعمال البر كلما صعبت كان أجرها أعظم، لأن الصحيح الشحيح إذا خشي الفقر، وأمل الغنى صعبت عليه النفقة، وسول له الشيطان طول العمر، وحلول الفقر به، فمن تصدق في هذه الحال، فهو مؤثر لثواب الله على هوى نفسه، وأما إذا تصدق عند خروج نفسه فيخشى عليه الضرار بميراثه والجوار في فعله)
الدعاء