خطبة عن (عيد الأضحى وخلق التضحية والفداء) 1
يونيو 23, 2023خطبة عن (عيد الأضحى (القلب السليم) مختصرة
يونيو 23, 2023الخطبة الأولى (خلق التضحية ) (عيد الأضحى) 7
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
اليوم هو يوم عيد الأضحى المبارك ، أعاده الله على المسلمين باليمن والخير والبركات ، وهذا اليوم هو من أعظم أيام العام عند الله تعالى ، ففي السنن لأبي داود أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَعْظَمَ الأَيَّامِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمُ النَّحْرِ ثُمَّ يَوْمُ الْقَرِّ))، ويوم النحر هو يومكم هذا ، أما يوم القر: فهو يوم الاستقرار في منى ، وهو يوم غد إن شاء الله ( يوم الحادي عشر من ذي الحجة ).ويأتي هذا العيد ويذكرنا بخلق عظيم ، إنه خلق التضحية . والتضحية ليست مقصورة على ذبح الأضاحي فقط اقتداء بخليل الله سيدنا إبراهيم عليه السلام ، ولكنها أشمل من ذلك وأعم وأوسع ، فالتضحية تعني : بذل كل ما يستطيع المسلم تقديمه وبذله والتضحية به، من النفس، والمال، والوقت ،والحياة ،والجهد، وغيرها ،وذلك ابتغاء مرضاة الله ، ولأجل إعلاء دينه وشرعه، وإظهار الحق، ومحق الباطل، ونشر الإسلام، وهداية الناس إلى صراط الله المستقيم ،وكان رسول صلى الله عليه وسلم ، أكثر الناس تضحية ، فقد قام بتبليغ رسالة الإسلام للناس ، وضحى من أجل ذلك بنفسه وماله ووطنه وأهله ، فقد تحمل صلى الله عليه وسلم أذى كفار قريش ، ومقاطعتهم له ولمن معه ، وقاتلوه ، فجاهد صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ، وضحى بكل ما يملك ،طوال حياته . وقد اقتدى الصحابة رضوان الله عليهم بالرسول صلى الله عليه وسلم فضحوا بالنفس و المال والأهل والوطن ، وبكل غال : فهذا علي بن أبي طالب – رضي الله عنه، يضحي بنفسه عندما بات في فراش رسول الإسلام ليلة الهجرة ، ليوهم كفار قريش أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما زال نائما في فراشه ، وهو يعلم يقينا أنهم سوف يقتلون من ينام على هذا الفرش ، ظنا منهم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وهذا الصحابي الجليل حنظلة ، غسيل الملائكة ، رضي الله عنه ، فقد ضحى بنفسه عندما خرج للجهاد صبيحة ليله زفافه ، وقبل أن يغتسل من جنابته ، وسقط شهيدا في غزوة أحد . ففي سنن البيهقي (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« إِنَّ صَاحِبَكُمْ تَغْسِلُهُ الْمَلاَئِكَةُ يَعْنِى حَنْظَلَةَ فَاسْأَلُوا أَهْلَهُ مَا شَأْنُهُ ». فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ : خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَائِعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:« لِذَلِكَ غَسَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ » ،وهذا هو الصحابي عمرو بن الجموح ، وكان رجلا أعرجا وكبيرا في السن ، و قد أصر على الخروج للجهاد في غزوة أحد رغم عرجته وكبر سنه ، وحاول أبناؤه منعه من الذهاب للجهاد ، ولكنه أصر على التضحية والمشاركة قائلا : والله اني لأرجو ان اطأ بعرجتي هذه الجنة فما زال يقاتل حتى استشهد في سبيل الله . ففي مسند أحمد (أَتَى عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلْتُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى أُقْتَلَ أَمْشِى بِرِجْلِي هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ وَكَانَتْ رِجْلُهُ عَرْجَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « نَعَمْ ». فَقُتِلُوا يَوْمَ أُحُدٍ هُوَ وَابْنُ أَخِيهِ وَمَوْلًى لَهُمْ فَمَرَّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : « كَأَنِّى أَنْظُرُ إِلَيْكَ تَمْشِى بِرِجْلِكَ هَذِهِ صَحِيحَةً فِي الْجَنَّةِ » وهذه هي الصحابية أم عمارة نسيبة بنت كعب ، تضحي بنفسها وتشارك المجاهدين في غزوة أحد ،وتدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وتحمي ظهره ،حتى أثخنتها الجراح .ولم تكن التضحية حكرا على الكبار من الرجال والنساء ، بل إن الصغار من الغلمان ضحوا بأنفسهم في سبيل الله ، ففي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ نَظَرْتُ عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي فَإِذَا أَنَا بَيْنَ غُلاَمَيْنِ مِنَ الأَنْصَارِ حَدِيثَةٍ أَسْنَانُهُمَا تَمَنَّيْتُ لَوْ كُنْتُ بَيْنَ أَضْلَعَ مِنْهُمَا فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا. فَقَالَ يَا عَمِّ هَلْ تَعْرِفُ أَبَا جَهْلٍ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيْهِ يَا ابْنَ أَخِي قَالَ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَئِنْ رَأَيْتُهُ لاَ يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعْجَلُ مِنَّا. قَالَ فَتَعَجَّبْتُ لِذَلِكَ ،فَغَمَزَنِي الآخَرُ ، فَقَالَ مِثْلَهَا – قَالَ – فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ نَظَرْتُ إِلَى أَبِى جَهْلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ فَقُلْتُ أَلاَ تَرَيَانِ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِى تَسْأَلاَنِ عَنْهُ قَالَ فَابْتَدَرَاهُ فَضَرَبَاهُ بِسَيْفَيْهِمَا حَتَّى قَتَلاَهُ ثُمَّ انْصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرَاهُ. فَقَالَ « أَيُّكُمَا قَتَلَهُ ». فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَا قَتَلْتُ. فَقَالَ « هَلْ مَسَحْتُمَا سَيْفَيْكُمَا ». قَالاَ لاَ. فَنَظَرَ فِي السَّيْفَيْنِ فَقَالَ « كِلاَكُمَا قَتَلَهُ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق التضحية ) (عيد الاضحى) 7
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومازال حديثنا موصولا عن التضحية بالنفس ، فقد روى ابن عساكر في تاريخه : أن عمر وجّه جيشًا إلى الروم فأسروا عبد الله بنَ حذافة فذهبوا به إلى ملكهم، فقال له ملك الروم: تنصّر أقاسمْك مُلْكي وأزوّجْك ابنتي، فرفض عبد الله، فقال له ملك الروم: تنصر أُعطِك ملكي كلَّه، وأزوِّجْك ابنتي، فرفض فأمر ملك الروم به أن يُصلب، ويَرمِي الرماة حول أطرافه وأن لا يصيبوا منه مقتلًا، ثم أمر به فأُحضِر، فعرض عليه النصرانية فأبى، فأمر ملك الروم بإناء كبير أن يُملأ زيتًا ثم يُوقدَ عليه حتى يغليَ، ثم أمر بواحد من أسرى المسلمين فأُلقِي في هذا الزيت فتحول إلى عظام في الحال، وعبد الله ينظر، فعرض عليه النصرانية فأبى، فأمرهم أن يحملوه ويلقوه في الزيت، فلما حملوه بكى، فأمرهم أن يرجعوا به فقال له عبد الله: لا تظنَّ أني إنما بكيتُ جزعًا من الموت، ولكني كنتُ أتمنى أن يكون لي من الأنفس بعدد ما في جسمي من الشعرات، ثم تُسلَّطَ عليَّ فتَقتلَني، ثم أُبعثَ فتُسلَّطَ عليَّ فتقتلَني، فلما علمْتُ أنه ليست لي إلا نفْس واحدة يُفعَل بها هذا في سبيل الله بكيت، فقال له ملك الروم: قبِّل رأسي وأنا أطلق سراحك، فقال: أفعل بشرط أن تطلق سراح من معي من المسلمين، فوافق، ففعل، وكان معه ثمانون من المسلمين، فلما رجعوا إلى عمر بن الخطاب قال: حقٌّ على كل مسلم أن يقبِّل رأسَ عبدِ الله وأنا أبدأ، فقام فقبَّل رأسَه. هكذا ضحى هؤلاء الأبطال بأنفسهم في سبيل الله ، فكان لهم عند الله حسن الثواب ،قال تعالى : (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ (49) جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ (50) مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ (51) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ (52) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ (53) إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ) (49):(54) ص ، وكل عام وأنتم بخير ، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (180): (182) الصافات