خطبة عن ( التمحيص طريق التمكين )
ديسمبر 14, 2016خطبة عن ( فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا )
ديسمبر 15, 2016الخطبة الأولى (خلق التغافل بين الزوجين، والأبناء)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين : (قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ) يوسف: 77]. وروى الإمام أحمد والترمذي وغيرهما (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لاَ يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي شَيْئًا فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ ».
إخوة الإسلام
هناك خلق مُنْسِيٌّ بيننا رغم أنهُ خلقٌ مُريح مُسْعِد ! وقد أوصانا الله به ، وحثنا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك لفوائده الكثيرة ،وخاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه السؤال، والقيل والقال ، وكثر فيه البحث عما يخفيه الغير . إنه خلق التغافل ،والتغافل: هو تعمد الغفلة :أي أنه يُرِيَ الآخر أنه غافل ، مع علمه التام وإحاطته بما هو مُتغافل عنه ترفعاً عن الدنايا وسفاسف الأمور . يقول الحسن البصري رحمه الله:” ما زال التغافل من فعل الكرام ” ويقول الإمام أحمد رحمه الله:” تسعة أعشار حسن الخلق في التغافل ” ومن التغافل أيضا إعراضك عن أمر صدر من عدو أو صديق وأنت تتيقن غرضه السيء منه ، وتقابله بالتحلم أو التسامح في التعامل معه . فالمتغافل يتعمد الغفلة عن أخطاء وعيوب مَن حوله، مع أنه مدركٌ لها، عالمٌ بها؛ لكنه يتغافل عنها كأنه لم يعلم بها؛ لكرم خلقه. وحديثنا اليوم -إن شاء الله- عن أدب التغافل بين أفراد الأسرة ،بين الزوجين ، وبين الآباء والأبناء . وبداية يجب أن نعلم جميعا أنه لا يخلو شخص من نقص، وبالتالي فمن المستحيل على أي من الزوجين أن يجد كل ما يريده أحدهما في الطرف الآخر كاملاً ، كما أنه لا يكاد يمر أسبوع دون أن يشعر أحدها بالضيق من تصرف عمله الآخر، وكذلك الأمر بين الآباء والأبناء
فليس من المعقول أن تسوء العلاقة بين هؤلاء على شيء تافه كملوحة الطعام أو نسيان طلب أو الانشغال عن وعد {غير ضروري} أو زلة لسان، ولهذا على كل واحد من الزوجين، وكذا الآباء والأبناء تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات، أو طبائع أو أخطاء، فبعض الرجال يدقق في كل شيء وينقب في كل شيء فيفتح الثلاجة يومياً ويصرخ لماذا لم ترتبي الخضار أو تضعي الفاكهة هنا أو هناك؟! وهكذا كما أن بعض النساء كذلك تدقق في أمور زوجها ماذا يقصد بكذا؟ ومن هذا المتصل بك، ولماذا تأخرت إلى هذه الساعة؟ وتجعلها مصيبة المصائب وأعظم الكبائر.. فكأنهم يبحثون عن المشاكل بأنفسهم! فليعلم الجميع أنه لكي تسير سفينة الحياة في البيت ، فلا بد من خلق التغافل ، فهذه دعوة للتغافل – لا الغفلة – عن بعض ما يصدر من الزوجين والأولاد فهذا نمط من أنماط التربية الإسلامية، وهو مبدأ يأخذ به العقلاء في تعاملهم مع أولادهم ومع الناس عموما؛ فالعاقل لا يستقصي، ولا يشعر من تحت يده أو من يتعامل معهم بأنه يعلم عنهم كل صغيرة وكبيرة؛ لأنه إذا استقصى، وأشعرهم بأنه يعلم عنهم كل شيء ذهبت هيبته من قلوبهم. ثم إن تغافله يعينه على تقديم النصح بقالب غير مباشر، من باب : إياك أعني واسمعي يا جاره، ومن باب: ما بال أقوام. وربما كان ذلك أبلغ وأوقع .كما يجدر بالوالدين ألا يضخموا الأخطاء، ويجعلوها أكبر من حجمها، بل عليهم أن ينزلوها منازلها، وأن يدركوا أنه لا يخلو أحد من الأخطاء، فجميع البيوت تقع فيها الأخطاء فمقل ومستكثر؛ فكسر الزجاج، أو بعض الأواني، أو العبث ببعض مرافق المنزل، ونحو ذلك- لا يترتب عليه كبير فساد؛ فكل الناس يعانون من ذلك. فتغافل عن هفوات زوجك وولدك ووالدك وأخيك وأختك طلبًا لدوام الألفة، وهذا من الفطنة ووفور العقل ، قال بعض الحكماء: وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل ، وقال أكثم بن صيفي: من شدَّد نفَّر، ومن تراخَ تألف، والشرف في التغافل وقال شبيب بن شيبة: الأريب العاقل هو الفطن المتغافل ،فعلي كل من الزوجين أن يعلما أنه ليس ينقص من أحدهما التنازل عن بعض حقوقه للطرف الآخر، بل ما يشين حقا الحرص علي كسب موقف علي حساب مستقبل كامل.. فنكون كمن أراد أن يبني قصرا فهدم مصراً. فمن أراد زوجة كفاطمة رضي الله عنها فليكن هو كعلي رضي الله عنه، ومن أرادت زوجاً كعلي رضي الله عنه فلتكن هي كفاطمة رضي الله عنها:
((وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)) النور 26.
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خلق التغافل بين الزوجين، والأبناء)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وقد تغافل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حديثه لبعض زوجاته ، فقال الله تعالى: ((وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ)) [التحريم: 3]. ففي هذه الآية الكريمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدث حفصة رضي الله عنها سرا وطلب منها ألا تذكره لأحد فذكرته لعائشة فأطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على الأمر. فعاد عليها في هذا وذكر لها بعض ما دار بينها وبين زميلتها دون استقصاء لجميعه. تمشياً مع أدبه الكريم. فقد لمس صلى الله عليه وسلم الموضوع لمساً مختصراً لتعرف أنه يعرف وكفى. ومضمون هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم كل ما دار، لا الطرف الذي حدثها به وحده، ولكنه تغافل عنه كرما وحياء بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم ،وهذه نماذج يسيرة من تغافل أهل الصلاح ، فهذا حاتم الأصم ، أتدري لماذا سمي بالأصم؟ قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة من مؤخرتها ، فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك ، فأوهمها أنه أصمّ لا يسمع ، فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت ، فلقّب بحاتم الأصم. ومن هذه المواقف الجلية في أدب التغافل، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد. وقد قيل: من كان يرجو أن يسود عشيرة فعليه بالتقوى ولين الجانب
وقيل أيضا: ويغض طرفا عن إساءة من أساء ويحلم عند جهل الصاحب ،فليكن شعاركم أيها الأزواج ، وأيها الأبناء:
أنا أعرف كل ما يدور حولي ولكني أتغافل عنه! وتذكر دائما: أن ولدك أو زوجتك إن أخفوا عنك ما تكره فهذا من تقديرهم لك. لقد أطاعك من يرضيك ظاهره وقد أجلك من يعصيك مستترا قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن أمور التعايش في مكيال ،ثلثه الفطنة ،وثلثاه التغابي. وقال بعض الحكماء: وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل.
وقال شبيب بن شيبة: الأريب العاقل :هو الفطن المتغافل.
الدعاء