خطبة عن ( أهل الحلم وصفاتهم )
يناير 12, 2016خطبة عن ( فوائد خلق القناعة وثمراته)
يناير 13, 2016الخطبة الأولى ( خلق الحلم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى مسلم في صحيحه : (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم قَالَ ، وَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ :« إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ »
إخوة الإسلام
الحلم هو : الأناة والتعقل ، والحلم من أرقى الآداب، وأنبل الأخلاق، وأجل الشمائل، وأسمى الفضائل، فقد وصف الله تعالى به نفسه، وجعله خلقا لأوليائه ، وحملة وحيه، ومبلغي رسالاته، فقال عز شأنه عن خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) التوبة 114، وقال تعالى عن إسماعيل عليه الصلاة والسلام: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) الصافات 101. والحِلْم خلق من أخلاق الإسلام العظيمة، والذي يتمثل في تريث الإنسان وتثبته في الأمر، ويعني الأناة وضبط النفس. في مواجهة إساءات الآخرين، ابتغاء وجه الله. وهذا الضبط الإرادي يعطي الحليم الفرصة للتفكير الهادئ والتقدير السديد لتلك الإساءات، فيقرر بطريقة سليمة خلقيًّا ودينيًّا أن يقابلها بمثلها، أو يعفو عنها. قال ابن حبّان رحمه اللّه تعالى: «الحلم أجمل ما يكون من المقتدر على الانتقام، وهو يشتمل على المعرفة والصّبر والأناة والتّثبّت، ومن يتّصف به يكون عظيم الشّأن، رفيع المكان، محمود الأجر، مرضيّ الفعل، ومن أجل نفاسته تسمّى اللّه به فسمّي حليما»، وقد ورد في الكتاب والسنة فضل هذا الخلق والحث عليه ، فقال الله تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ آل عمران : 134 . وفي سنن الترمذي وغيره (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ :« مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلاَئِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ ». قَالَ الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) ، والحلم من الآداب التي يجب أن يتحلى بها المسلم في حياته، طاعة لله ، واقتداءً برسول الله – صلى الله عليه وسلم – صاحب الأدب والخلق الرفيع..
أيها المسلمون
واعلموا أن صفة “الحلم” من صفات الباري جل وعلا، وقد وصف نفسه العلية بأنه “حليم” كما في قوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} البقرة: 225 ،وقال تعالى: {قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُها أَذىً وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263]. ، فاللّه- عزّ وجلّ- حليم على عباده؛ لأنّه يعفو عن كثير من سيّئاتهم ويمهلهم بعد المعصية ولا يعاجلهم بالعقوبة والانتقام ويقبل توبتهم بعد ذلك ومن حِلـم الله تعالى :أنه يستر ذنوب عباده مهما بلغت ويأخـذ عبده المذنب يوم القيامة في كنفه فيسأله ألم تفعل كذا في الدنيا وسترتها عليك؟ فيقول العبد أجل يا رب فيقول سبحانه وأسترها عليك وأغفـرها لك اليوم ففي صحيح مسلم ( صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ) ، وهو سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، فكم يـذنب المرء؟ ، وكم تحدثه نفسه بالمعاصي والشهوات ، ومع علم الله تعالى بكل هذه الأحاديث ، لا يحاسب عليها ، إلا أن يفعلها الإنسان ، وحتى لو فعلها ثم تاب واستغفر ربه يغفر الله تعالى له. ومن حلم الله تعالى حلمه على فـرعون الذي ادعى أنه الإله ، ومع هذا أرسل الله تعالى له نبيين ، وأوصاهما بأن يقولا له قولاً ليناً. قال تعالى : [اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ] طه 43 :44،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق الحلم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن حلمه سبحانه وتعالى : أنه لو بلغت ذنـوب العبد ما بلغت، يغفـرها الله تعالى له ، كما جاء في الحديث القدسي الذي رواه مسلم (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَأَزِيدُ وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَجَزَاؤُهُ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أَغْفِرُ وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّى ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِى أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ لَقِيَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطِيئَةً لاَ يُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغْفِرَةً ». ، ومن حلم الله تعالى على عباده : أنه بمجرد أن يكون الإنسان موحداً يغفر الله تعالى له ، قال تعالى 🙁إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) النساء 48. ، والمشرك هو الذي يخرج نفسه من دائرة الإنسانية فكل المخلوقات التي خلقها الله تعالى تسبح له والإنسان الذي أسجد تعالى له ملائكته وأعطاه عقـلاً استنباطياً فكفر بالله تعالى يكون من العـدل أن لا يغفر الله تعالى له لأنه أخرج نفسه من دائرة الإنسانية التي كرّمه تعالى بها ودخل في بهيمية. ومن حلمه سبحانه وتعالى : أنه يبدل السيئات حسنات، فإذا تاب المذنب يبـدل الله تعالى سيئاته حسنات. قال تعالى : [إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ]الفرقان70 ولنا مع خلق الحلم لقاء آخر إن شاء الله
الدعاء