خطبة عن ( ثمرات خلق الحلم، ونماذج من أهله)
يناير 12, 2016خطبة عن (خلق الحلم )
يناير 12, 2016الخطبة الأولى ( صفات أهل الحلم )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
قال الله تعالى : ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ ) (75) هود ،
إخوة الإسلام
لما كان الله تعالى متصفا بالحلم ، لذلك كان خلق “الحلم” من الأخلاق المحببة إلى الباري جل وعلا؛ ويؤكد ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلأَشَجِّ ، أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ : ( إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ : الْحِلْمُ ، وَالأَنَاةُ ). وروى البيهقي في سننه وصححه الالباني (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « التَّأَنِّي مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ » ، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أروع الأمثلة في التخلق بهذا الخلق الكريم ؛ فكان حلمه مضرب الأمثال؛ وسيرة تروى لكل حليم يبتغي الاقتداء به. ، فقد صبر على ما لا يصبر عليه غيره، وتحمل من الأذى ما لم يتحمله سواه، رغم قساوة ما لاقى، ومرارة ما عانى من جهل الجاهلين وتطاول المنافقين وأذى اليهود والمشركين، غير أنه عليه الصلاة والسلام وهو صاحب الخلق العظيم كان يقابل ذلك كله بحلم واسع، وصفح جميل، وصبر عظيم عز نظيره وقل مثيله ، مستوحيا ذلك من توجيه الحق سبحانه بقوله: (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) الحجر 85 ، وقوله عز وجل: (فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) المائدة 13 ، وقوله عز شأنه: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ) النحل 127. فامتثل صلوات الله وسلامه عليه هذه التوجيهات الإلهية حتى ضرب بحلمه أسمى الأمثال ، وبصفحه أروع الفعال، فلم يكن صلى الله عليه وسلم ينتقم لنفسه من أحد قط إلا أن تنتهك حرمات الله فينتقم لله تعالى لا لنفسه، كما وصفته بذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولقد بلغ من عظيم حلمه وجليل عفوه صلى الله عليه وسلم ، أنه حينما عاد إلى مكة فاتحا منتصرا لم يزد على أن قال لأهلها وهم الذين آذوه وأخرجوه منها: (لا تثريب عليكم اذهبوا فأنتم الطلقاء). ومما صح عنه صلى الله عليه وسلم من مواقف كبرى ودروس عظمى في الحلم والصبر ما رواه الشيخان (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنْتُ أَمْشِى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً – قَالَ أَنَسٌ فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – وَقَدْ أَثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ – ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ لِى مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِى عِنْدَكَ . فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَضَحِكَ ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ) ، وفي الصحيحين (أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ – رضى الله عنه – قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ – وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِى تَمِيمٍ – فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ . فَقَالَ : « وَيْلَكَ ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ » ، وروى البخاري ومسلم ( قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَسَمَ النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – قِسْمَةً كَبَعْضِ مَا كَانَ يَقْسِمُ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ . قُلْتُ أَمَّا أَنَا لأَقُولَنَّ لِلنَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَأَتَيْتُهُ وَهْوَ فِي أَصْحَابِهِ فَسَارَرْتُهُ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَغَضِبَ ، حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّى لَمْ أَكُنْ أَخْبَرْتُهُ ثُمَّ قَالَ « قَدْ أُوذِىَ مُوسَى بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَصَبَرَ » . فأي حلم بعد هذا؟ وأي عفو أفضل وأجل من هذا؟ إذ لم يعاقب النبي صلوات الله وسلامه عليه واحدا من أولئك ، على الرغم من شناعة ما قالوا وبشاعة ما اقترفوا في حقه صلى الله عليه وسلم، لكنه آثر العفو والصفح وتدرع بالحلم والصبر، وهكذا شأن الكمل من الرجال والمصطفين الأخيار،
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق الحلم ) 2
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ولكي تكون حليماً : فلابد أن تكون طلق الوجه. وأن لا تغتاب أحـداً في حياتك. وأن تكون سخياً معطاء جـواداً. وأن لا تهجـر فـوق ثـلاث ، وأن لا تـروّع أحـداً .وأن تيسّر على الناس ، وللتخلق بخلق الحلم وسائل معينة ، تعين المسلم على أن يكون حليما ومنها : 1- التربية والتعود والتكرار. 2- تذكر ثواب الحلم وفوائده, وعقوبة السفه والغضب. 3- مصاحبة الحلماء ومراجعة سيرهم ، 4- تكلف الحلم وقهر النفس عليه. 5- الترفع عن السباب, وهذا من شرف النفس وعلو الهمة. ، 6 – الرّحمة للجهّال، وقد قيل في منثور الحكم: من أوكد أسباب الحلم رحمة الجهّال. 7 – القدرة على الانتصار، وذلك من سعة الصّدر وحسن الثّقة. وما أجمل ما يقول القائل :
ألم تر أنّ الحلم زين مسوّد … لصاحبه والجهل للمرء شائن
فكن دافنا للشّر بالخير تسترح … من الهمّ إنّ الخير للشّر دافن.
ومن الحِلم أن لا تغضب في نفسك أو في العَلَن .فالحليم لا يكون في نفسه غضب على من أساء إليه ، قال تعالى : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران 159. ولنا مع الحلم لقاء آخر إن شاء الله
الدعاء