خطبة عن (ما يعين على الخوف والرجاء من الله)
يناير 12, 2016خطبة عن ( من الأسباب الباعثة على الخوف من الله والرجاء فيه)
يناير 12, 2016الخطبة الأولى (الخوف والرجاء في حياة التابعين)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (90) الانبياء ،
إخوة الإسلام
التابعون من السلف الصالح لهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب والأفئدة، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلة فأبكى أهل الدار معه، فلما تجلت العبرة عنه قالت زوجه فاطمة :[بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ فقال عمر : ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه]. و الحسن البصري رضي الله عنه بكى بكاءً شديداً وسألوه فتلى عليهم قول الله جل وعلا: ( وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا )[الجاثية:33] وتلى أيضاً قوله تعالى : ( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ) [الزمر:47].
أيها المؤمنون
واعلموا أن العبد المذنب إذا تاب وأقلع عن الذنوب والمعاصي فإنه يكون بأمس الحاجة إلى رجاء رحمة ربه وعفوه وغفرانه، إذ أن بعض العصاة والمذنبين يردهم اليأس والقنوط عن التوبة والإنابة، ولا شك أن هذا من كيد الشيطان ووسوسته. فحينما يأتي الشيطان إلى العبد فيقول له: أذنبت وعصيت وفعلت ما حرم الله عليه فأنى لك بالتوبة؟! وكيف تدرك التوبة وقد فعلت ما فعلت وجنيت ما جنيت؟! ولا يزال الشيطان بالعبد يجعله يائساً من رحمة الله، ويقنطه من مغفرة ربه حتى يصل به إلى اليأس والقنوط، بل إن بعضهم قد يصل به الأمر مع الشيطان أن يقول له: اكفر بالله ثم أسلم لأن الإسلام يجب ما قبله ويمحو ما قبله. ومن يضمن للعبد المسكين أن يعيش بعد كفره إلى أن يجدد إسلامه؟ وليس للعبد في هذه المرحلة وفي هذه المعركة الرهيبة مع الشيطان إلا أن يجدد رجاءه وعزمه بالله. وعلى ذلك فالواجب على كل مسلم مهما كبرت ذنوبه ومعاصيه أن يتوب إلى الله توبة صادقة نصوحاً، ثم يكثر من الحسنات الماحية للسيئات، ثم يعظم رجاءه بربه ويحسن ظنه بخالقه، وليتذكر قول الله جل وعلا: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ) [الزمر:53]، وقول الله أيضاً: ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) [الرعد:6] ، وقول الله جل وعلا: ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ) [التوبة:102] ، وقول الله جل وعلا: ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [النساء:48] ، وقول الله أيضاً: ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) [الفرقان:70] ، وقول الله جل وعلا: ( إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً ) [النساء:31] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على سعة رحمة الله ومغفرته لعباده التائبين الأوابين المقلعين عن الذنوب، النادمين على ما سلف، الكارهين أن يعدوا إلى المعصية كما يكره المرء أن يقذف في النار.
وتذكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – : « لَنْ يُنَجِّىَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ » . قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : « وَلاَ أَنَا ، إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ، سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ .وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا »، وفي الصحيحين (عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ . فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ . فَيَقُولُ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ . قَالَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ ، فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ ، وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَى ، وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ قَالَ « أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلٌ ، وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفٌ » . ثُمَّ قَالَ « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ ، إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ » . فَكَبَّرْنَا . فَقَالَ « مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ ، أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ »
وفي السيرة ، في قصة سبي هوازن أن امرأة جاءت تسعى بين السعي فوجدت وليداً لها فأخذته فضمته إلى صدرها، ثم ألقمته ثديها والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر، والصحابة ينظرون كما في صحيح البخاري (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ – رضى الله عنه – قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – سَبْىٌ ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ قَدْ تَحْلُبُ ثَدْيَهَا تَسْقِى ، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْي أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – : « أَتَرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ » . قُلْنَا لاَ وَهْىَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ . فَقَالَ « اللَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا » ،وفي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ : « إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الخوف والرجاء في حياة التابعين)
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان. ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.. نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وللخوفِ والرَّجاءِ ثَمراتُ في حياة المؤمن ، ومنها : أن الخوف والرجاء مِنْ أسبابِ التَّمكينِ في الأرضِ؛ كما قال تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّـكُم مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّـكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ ﴾ [إبراهيم: 13-14].، وأن الخوف والرجاء باعثٌ على العملِ الصالحِ والإخلاصِ فيه وعدمِ طلب المقابلِ في الدُّنيا؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ﴾ [الإنسان: 9-10]، وقال تعالى ﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ النور: 36-37]. وأنه بالخوف والرجاء يكونَ الإنسانُ في ظلِ العرشِ يوم القيامةِ؛ فقد جاءَ في حديثِ السبعةِ الذين يظلهم الله بظله يوم القيامةِ: ( وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللهِ ). ، وأن الخوف والرجاء الأمانُ في الآخرةِ؛ فقدْ ثبتَ في الحديثِ الذي رواه ابن حبان في صحيحه (عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يروي عن ربه جل وعلا قال وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة )، وفي الخوف والرجاء نَّجاةُ في الدُّنيا والآخرةِ ففي الحديث : ( ثلاثٌ مُهْلِكاتٌ وثلاثٌ منْجِياتٌ، فقالَ: ثلاثٌ مُهْلِكاتٌ: شُحٌّ مُطاعٌ، وهَوًى مُتَّبِعٌ، وإعْجابُ المَرءِ بِنَفْسِهِ، وثلاثٌ منْجِياتٌ: خَشْيَةُ الله في السِّرِّ والعَلانِيَةِ، والقَصْدُ في الفَقْرِ والغِنَى، والعَدْلُ في الغَضَبِ والرِّضا ) . ومن ثمرات الخوف والرَّجاءِ: أنه يُورثُ طريقَ المجاهدةِ بالأعمالِ. ويُورثُ المواظبةَ على الطاعاتِ كيفما تقلَّبت الأحوالُ. ويُشعرُ العبدَ بالتَّلذُّذِ والمداومةِ على الإقبالِ على اللهِ والتَّنعّمُ بمناجاتهِ والتَّلطفُ في سؤالهِ والإلحاح عليهِ. وأنْ تظهرَ العبوديةُ من قبلِ العبدِ، والفاقةِ والحاجةِ للرَّبِّ، وأنه لا يَستغني عن فضلهِ وإحسانهِ طرفةَ عينٍ. التَّخلُّصُ منْ غضبِ الرَّبِّ؛ ذلكَ بأَنَّ اللهَ يحبُّ منْ عبادهِ أنْ يسألوه ويرجوه ويُلحُّوا عليه؛ لأَنَّهُ جَوادٌ كريمٌ، أجودُ من سُئِل؛ ومنْ لا يسألِ اللهَ يغضبُ عليه، والسائلُ عادةً يكونُ راجيًا مطالبَ أن يُعطى؛ فمنْ لم يرج اللهَ يغضب عليه . ونستكمل الحديث في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء