خطبة عن (خلق الرحمة )

                            الخطبة الأولى ( خلق الرحمة ) 

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                                   

                            أما بعد  أيها المسلمون    

يقول الله تعالى في محكم آياته في رحمة الوالِدَين: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) الإسراء 24  ، وقال تعالى في خاتَم الأنبياء والرُّسُل – عليهم الصلاة والسلام – نبيِّنا محمدٍ – صلى الله عليه وسلم – وفي أمَّته: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) [الفتح: 29]، وأخبر الله تعالى أنه أرسلَ سيِّدَ البشرَ محمدًا – صلى الله عليه وسلم – رحمةً، فقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)  الأنبياء: 107 .

إخوة الاسلام

 الرحمة هي: رِقَّةُ القلب في المُكلَّف، تُوجِبُ بذلَ الخير ونفعَ المرحوم، وكفَّ الأذى عنه. والرحمة شيءٌ يصْعُب تفسيرهُ ، إذ  اشْتُقَّت من الله عز وجل وهو الرحمن الرحيم ، واسْتَكَنَّتْ في قلب المؤمن ، فتبدَّتْ بِرًّا لِوالديْه ، وتبدّت صِلةً للرَّحِم ، وتبدّتْ إكرامًا لليتيم ، وتبدَّتْ عطفًا على الفقراء والمساكين ، وعطْفًا على المرضى ، وعطفًا على الضّعفاء، وعطفًا على ذوي الحاجة ،   والرحمة صفة من صفات الله جل وعلا ، فهو الرحمن الرحيم، وما يُرى في الأرض من توادٍّ، وبشاشة، وتعاطف، وبرٍّ أثرٌ من رحمة الله التي أودع جزءًا منها في قلوب الخلائق ، وفي الحديث المتفق عليه (  أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا ، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ، فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ ، حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ » ) . وفي رواية للبخاري :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ :« إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الرَّحْمَةَ يَوْمَ خَلَقَهَا مِائَةَ رَحْمَةٍ ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً ، وَأَرْسَلَ فِي خَلْقِهِ كُلِّهِمْ رَحْمَةً وَاحِدَةً ، فَلَوْ يَعْلَمُ الْكَافِرُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الرَّحْمَةِ لَمْ يَيْأَسْ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الْمُؤْمِنُ بِكُلِّ الَّذِى عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْعَذَابِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ النَّارِ »  ، وصفةُ الرحمة لربِّ العالمين نؤمن بها ، ونُثبِتُ معناها وحقيقتَها على ما يليقُ بالله – عز وجل -، ونُفوِّضُه في كيفيَّتها، كما هو ثابتٌ عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين – رضي الله عنهم وهي صفةُ كمالٍ في المُكلَّف ، واتَّصَف بكمالها نبيُّنا محمدٌ – صلى الله عليه وسلم -، وأما غيرُه من البشر فهم دونَه في هذه الصفة العظيمة. قال الله تعالى: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 128]. والرحمة  خُلُق عظيم أودعَه الربُّ تبارك وتعالى في قلب من شاءَ من خلقِه، وحُرِمَه الشقيُّ من الخلق، وقد رغَّب الإسلامُ في التخلُّق بالرحمة، ووعدَ الله على الرحمة الأجرَ الكريمَ، والسعادةَ الدنيويةَ و الأُخرويةَ . ومن ثوابِ الله للرُّحماء: أن الله يرحمُهم، ومن رحِمَه الله لا يشقَى أبدًا.  (فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ ». رواه أبو داود، والترمذي، وقال: “حديثٌ حسنٌ صحيحٌ”. ومن لا رحمةَ في قلبِه فهو جبَّارٌ شقيٌّ.  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ : « لاَ تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ إِلاَّ مِنْ شَقِىٍّ ». »؛ رواه أبو داود والترمذي – واللفظُ له -، وقال: “حديثٌ حسنٌ”. ، وتطيبُ الحياةُ وتصلحُ وتزدهرُ بالتراحُم والتعاطُف بين المُجتمع، وتشقَى المُجتمعات بالتظالًم والعُدوان وفُقدان التراحُم.  فعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ».رواه  ومسلم. ، وعَنْ أَبِى مُوسَى – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا »وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ) رواه البخاري ومسلم.

                                     أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم

                                        الخطبة الثانية ( خلق الرحمة )

 الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه  الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين                                   

                            أما بعد  أيها المسلمون    

والرحمةُ في الإسلام يتقرَّبُ بها المُسلمُ إلى الله تعالى ببَذلِها لكل من هو أهلٌ لها حتى البهائِم.  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ : « بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِى كَانَ بَلَغَ مِنِّى ، فَنَزَلَ الْبِئْرَ ، فَمَلأَ خُفَّهُ مَاءً ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَغَفَرَ لَهُ » . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِى الْبَهَائِمِ لأَجْرًا فَقَالَ « فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ » رواه البخاري ومسلم. ، وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا فَجَاءَتِ الْحُمَّرَةُ فَجَعَلَتْ تُعَرِّشُ فَجَاءَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا ». وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ « مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ ». قُلْنَا نَحْنُ. قَالَ « إِنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلاَّ رَبُّ النَّارِ » رواه أبو داود  ، وقد أمر الإسلام أتباعه بالتراحم العامِّ، وجعله من دلائل الإيمان الكامل، وحذَّر من مغبَّة  الفظاظة والقسوة، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « لاَ يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ »  ، وقد تأخذ الرحمة الحقَّة طابع القسوة وهي ليست كذلك؛ كالطبيب الذي يجري بالجسم جراحة فقد يمزِّق اللحم، ويضطر إلى تهشيم العظام، وما ذلك إلاَّ رحمة بالمريض!! ، وقد نبَّه الإسلام إلى أن هناك أقوامًا مخصوصين ينبغي أن يحظوا بأضعاف من الرحمة والرعاية؛ كذوي القربى، واليتامى، والمرضى، وكذلك الخدم، بل إن الإسلام حثَّ أيضًا على الرحمة بالحيوان، وهو في هذا شديد المؤاخذة لمن تقسو قلوبهم عليه، أو يستهينون بآلامه.  ولنا مع الرحمة لقاء آخر إن شاء الله

                                                              الدعاء