خطبة عن (خلق الخوف والرجاء )
يناير 12, 2016خطبة عن (من صور الرحمة في حياتنا)
يناير 12, 2016الخطبة الأولى (الرحمة من صفات الله ،ومن اخلاق الرسول)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
روى الترمذي في سننه : ( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِى الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِى السَّمَاءِ ) ،
إخوة الإسلام
من رحمة الله بعباده المؤمنين ، ستر الذنوب في الدنيا ، وغفرانها في الآخرة: ففي البخاري(عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِى مَعَ ابْنِ عُمَرَ – رضى الله عنهما – آخِذٌ بِيَدِهِ إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ ، فَقَالَ كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي النَّجْوَى فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ : « إِنَّ اللَّهَ يُدْنِى الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ ، وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ نَعَمْ أَيْ رَبِّ . حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا ، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ . فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ، أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ » ، ومن رحمته سبحانه وتعالى أنه يفتح باب الأمل للمذنبين ففي صحيح مسلم (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ». والرحمة بيد الله وحده فـهو القائل في كتابه العزيز : (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فاطر 2 . ، وحين تستقر هذه العقيدة في قلب إنسان تتحسن تصرفاته ، وتعتدل موازينه ؛ لأنها تقطعه عن كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله . وتغنيه عن كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله . وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض، وتفتح أمامه باب الله . فالمؤمن الصادق يجد هذه الرحمة التي يفتحها الله له في كل شيء ، وفي كل حال , وفي كل مكان . . يجدها في نفسه ,ويجدها فيما حوله , حيثما كان , وكيفما كان ،وما من نعمة – يمسك الله معها رحمته – حتى تنقلب هي بذاتها نقمة . وما من محنة –تحفها رحمة الله – حتى تكون هي بذاتها نعمة .. ينام الإنسان على الشوك – مع رحمة الله – فإذا هو مهاد . وينام على الحرير – وقد أمسكت عنه – فإذا هو شوك القتاد . ويعالج أعسر الأمور – برحمة الله – فإذا هي هوادة ويسر . ويعالج أيسر الأمور – وقد تخلت رحمة الله – فإذا هي مشقة وعسر . ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام . ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار ! ، يبسط الله الرزق – مع رحمته – فإذا هو متاع طيب ورخاء ; وإذا هو رغد في الدنيا وزاد إلى الآخرة . ويمسك رحمته , فإذا هو مثار قلق وخوف . ويمنح الله الذرية – مع رحمته – فإذا هي زينة في الحياة ومصدر فرح واستمتاع ,ومضاعفة للأجر في الآخرة بالخلف الصالح الذي يذكر الله . ويمسك رحمته فإذا الذرية بلاء ونكد وعنت وشقاء , وسهر بالليل وتعب بالنهار !، ويهب الله الصحة والقوة – مع رحمته – فإذا هي نعمة وحياة طيبة , والتذاذ بالحياة . ويمسك نعمته فإذا الصحة والقوة بلاء يسلطه الله على الصحيح القوي , فينفق الصحة والقوة فيما يحطم الجسم ويفسد الروح , ويدخر السوء ليوم الحساب ! ، ويعطي الله السلطان والجاه – مع رحمته – فإذا هي أداة إصلاح , ومصدر أمن ,ووسيلة لادخار الطيب الصالح من العمل والأثر . ويمسك الله رحمته فإذا الجاه والسلطان مصدر قلق على فوتهما , ومصدر طغيان وبغي بهما , ومثار حقد وموجدة على صاحبه مالا يقر له معهما قرار , ولا يستمتع بجاه ولا سلطان ,ويدخر بهما للآخرة رصيداً ضخماً من النار !والعلم الغزير . والعمر الطويل . والمقام الطيب . كلها تتغير وتتبدل من حال إلى حال . . . مع الإمساك ومع الإرسال . . وقليل من المعرفة يثمر وينفع , وقليل من العمر يبارك الله فيه . وزهيد من المتاع يجعل الله فيه السعادة
أيها المسلمون
والرحمة من أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورحمة النبي عليه الصلاة والسلام رحمةٌ عامة ، لِقَول الله عز وجل :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [ سورة الأنبياء: 107] ، وفي سنن الدارمي والمستدرك (عَنْ أَبِى صَالِحٍ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُنَادِيهِمْ : « يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ ». وقال العلماء : إنَّ النبي عليه الصلاة والسلام أرحَمُ الخلق بالخلق ، أرْحَمُ بِكَ من نفسك ، لذلك إن اتَّبَعْتَ سنَّتهُ سَعِدْت في الدنيا والآخرة .
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الرحمة من صفات الله ،ومن اخلاق الرسول)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وإذا كانت الرحمة من صفات رب العالمين ومن أخلاق سيد المرسلين فإن الرحمة يجب أن تكون سائدة بين سائر المسلمين ، قال تعالى: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (الحجر 88) ، ومعلوم أن الخطاب الموجه له صلى الله عليه وسلم خطاب لأمته ما لم يرد ما يخصصه. وقال سبحانه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح/29). وفي الحديث المتفق عليه عن جرير بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ». وعند مسلم عن عياض بن حمار قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: «أَهْلُ الْجَنّةِ ثَلاَثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدّقٌ مُوَفّقٌ. وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلّ ذِي قُرْبَىَ، وَمُسْلِمٍ. وَعَفِيفٌ مُتَعَفّفٌ ذُو عِيَالٍ». وعند البيهقي في السنن عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الرّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرّحْمَنُ. ارْحَمُوا مَنْ في اْلأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ في السّماء».
أيها المسلمون
وهذه الرحمة ، لها درجات متفاوتة ، ودوائر متعددة ، فأدنى درجاتها أن تعطف على أولادك ، وأن تعطف على أهل بيتك ، وأن تعطف على من يلوذُ بك ، وهكذا حتى تكون رحيما مع غير بني جنسك ، أن تكون رحيما بالحيوان، ففي الحديث الذي تعرفونه جميعًا ، وقد رواه البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ((بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ فَقَالَ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟ قَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )) ، وفي حديث آخر رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ))، فامرأة تدخل النار لأنّها عذَّبَتْ هِرَّة ، وامرأةٌ يُغفرُ لها لأنَّها سقَتْ كلبًا كاد يموتُ عطشًا . وهكذا يتّضحُ لنا حجْم الرحمة في الإسلام ، فإن لم ترْحم فلسْتَ مؤمنًا ، وإن قسا قلبك فهذا مؤشّر خطير على أنّك مقطوع عن الله عز وجل ، لأنّ الله رحيمٌ ، وكلّ من اتَّصَل به يرْحَمُ الخلق ، ولأنّ الله حقّ ، وكلّ من اتَّصَل به يؤثِرُ الحقّ .
أيها الإخوة
و هؤلاء الغربيّون الذين يتشدَّقون بالقِيَم الإنسانيّة ، ويتحدّثون بالرّفْق بالحَيوان ، لو أنّ مصالحَهم السياسيّة والاقتصاديّة اقْتضَتْ هلاكَ شعْبٍ ، أو تجْويع شعبٍ، أو افتعال حربٍ أهليّة بين شعْبَين ، لا يتورّعون عن هذا أبدًا ، لذا رحمتُهم كاذبة ، وهم يدَّعُونها ادِّعاءً ، ولو أنّهم رحِموا الحيوان لرحِموا الإنسان قبلهُ
أيها المسلمون
أن الرحمة تفتح أبواب الرجاء والأمل ، وتثير مكنون الفطرة ، وتبعث على صالح العمل ، وتغلق أبواب الخوف واليأس ، وتشعر المؤمن بالأمن والأمان ؛ لأنه سبحانه الرحيم ، والذي سبقت رحمته غضبه ، ولم يجعل في الدنيا إلا جزءاً يسيراً من واسع رحمته يتراحم به الناس ويتعاطفون ، وبه ترفع الدابة حافرها عن ولدها رحمة ، وخشية أن تصيبه ، ألا فكونوا من الراحمين
الدعاء