خطبة عن (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا)
ديسمبر 23, 2017خطبة عن ( تارك الصلاة )
ديسمبر 30, 2017الخطبة الأولى ( خلق السخاء والكرم والبذل والعطاء)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته :﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوٰةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ﴾ (إبراهيم:٣١). وروى الترمذي في سننه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِىٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ ».
إخوة الإسلام
السخاء : هو بذل المال ،مما أعطاك الله ،في الأمور المحمودة ،دون مقابل أو عوض ،ودونما إسراف ولا تفريط ، والسخاء : هو أساس لكثير من الفضائل، فهو أساس الألفة والمحبة والتعاون، وأساس لترجيح كفة الحسنات على كفة السيئات يوم توزن الأعمال، وهو سبب في دخول الجنات ، والوقاية من عذاب النار ، وقد حث الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على السخاء والكرم والإنفاق ، ورغبهم في البذل والعطاء ، فقال الله تعالى : ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَوٰةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ﴾ (إبراهيم :٣١). كما رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته في السخاء والبذل والإنفاق ، وفي الجود والكرم ، فقال صلى الله عليه وسلم « السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِىٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ » رواه الترمذي . وفي سنن الترمذي (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَىَّ الزُّبَيْرُ أَفَأُعْطِي قَالَ « نَعَمْ وَلاَ تُوكِى فَيُوكَى عَلَيْكِ » ، وفي سنن البيهقي : (الرَّبِيعَ بْنَ سُلَيْمَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : الْمُرُوءَةُ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالسَّخَاءُ وَالتَّوَاضِعُ وَالنُّسُكُ ).
أيها المسلمون
ألا ما أعظم فضل السخاء والجود والكرم، فإنه الخلق الذي يجب أن يتزين به كل إنسان ،وأن يتحلّى به كل مسلم ،فالسخاء صفة أحبها الله ،واتصف بها ،فهو سبحانه جواد كريم ، يرزق من يشاء بغير حساب، ويعطى ولا راد لعطائه ،ولا تنفد خزائنه من كثرة العطاء، وقد جمل الله بالسخاء أنبياءه ورسله عليهم الصلاة والسلام ؛ فقد كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أجود الناس ما سئل عن شيء فقال: لا. وفي الصحيحين :(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ ) وفي سنن البزار :(عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : مَا عِنْدِي شَيْءٌ أُعْطِيكَ ، وَلَكِنِ اسْتَقْرِضْ حَتَّى يَأْتِينَا شَيْءٌ فَنُعْطِيَكَ فَقَالَ عُمَرُ : مَا كَلَّفَكَ اللَّهُ هَذَا ، أَعْطَيْتَ مَا عِنْدَكَ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَكَ فَلا تُكَلَّفْ قَالَ : فَكَرِهَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَوْلَ عُمَرَ حَتَّى عُرِفَ فِي وَجْهِهِ ، فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ ، فَأَعْطِ وَلاَ تَخْشَ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إِقْلالا ، قَالَ : فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ، وَقَالَ : بِهَذَا أُمِرْتُ ). وكذلك كان أصحابه (رضوان الله عليهم) في السخاء والجود والكرم والعطاء ، ففي غزوة العسرة ظهر السخاء في أرفع صوره، فقد جاء أبوبكر الصديق رضي الله عنه بجميع ماله ، وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بنصف ماله ، كما في سنن الترمذي (عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ نَتَصَدَّقَ فَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالاً فَقُلْتُ الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَالَ فَجِئْتُ بِنِصْفِ مَالِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قُلْتُ مِثْلَهُ وَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ « يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لأَهْلِكَ ». قَالَ أَبْقَيْتُ لَهُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قُلْتُ وَاللَّهِ لاَ أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ أَبَدًا ).وتصدق سيدنا عثمان رضي الله عنه بالكثير والكثير ، ففي سنن الترمذي (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِأَلْفِ دِينَارٍ – قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِهِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ « مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ » ، وكذلك كان سائر الصحابة رضوان الله عليهم جميعا ، فقد كانوا كرماء أسخياء ،لا يريدون بسخائهم إلا وجه الله (عز وجل)؛ ولذلك سجل الله ذكرهم في القرآن الكريم ، ووعدهم في الدنيا بالنجاح والفلاح ،وأمنهم على أنفسهم من فزع يوم القيامة ،ولقاهم بعد ذلك كله نضرةً وسرورًا ،قال الله تعالى : ﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9) إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ﴾ [الإنسان :8-12].
أيها المسلمون
ولو أن الناس يعلمون ما في السخاء والجود والكرم من مآثر وحسنات ،لأسرعوا إليه ، ولجادوا بأغلى ما يملكون ، فإن السخي يحبه الله ، وهو قريب من الجنة ،وبعيد من النار ، وروى الترمذي :(عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « السَّخِىُّ قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ بَعِيدٌ مِنَ النَّارِ وَالْبَخِيلُ بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ وَلَجَاهِلٌ سَخِىٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ ».فالسخي محبوب في حياته ،وبعد موته ، والناس يجلونه في حضرته وغيبته ،ويقلدونه في قوله، وفعله ، والسخي كلمته مسموعة، وأمره مطاع ،ورأيه سديد ،والسخاء والكرم يقلل الأعداء ،ويكثر الأحباء ،ويغفر الزلات ، ويستر العيوب . والسخاء عمدة مكارم الأخلاق ، يفتخر به الأبناء والأحفاد ،وتتناقله أخبار الركبان ، وتدونه الصحف والكتب ،ويسجله التاريخ بمداد الفخر على صفحات الأيام .
أيها المسلمون
ومن أعظم ثمار وآثار السخاء في حياة المؤمن : أولاً: أن السخاء والصدقة والعطاء سبب الزيادة والنماء، وقد اعتبره الله قرضًا حسنًا ،لا يرده لصاحبه مثلاً ولا مثلين ،وإنما يرده أضعافًا مضاعفةً ، قال الله تعالى : ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَـٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ (البقرة:٢٤٥). كما وعد الله السخي الجواد الكريم أن يعوضه عما أنفق ، وأن يغمره في هذه الحياة بعطائه الذي لا ينفد، وبخيراته التي لا تحد. يقول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ (سبأ:٣٩)، وفي صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ». وَقَالَ « يَمِينُ اللَّهِ مَلأَى – وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ مَلآنُ – سَحَّاءُ لاَ يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ». ووعد الله الأسخياء والمتصدقين والمتصدقات بالأجر العظيم في الآخرة، فضلاً عن مضاعفة الحسنات، وذلك في غير آية من كتاب الله ، قال الله تعالى : ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَـٰعِفُهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ (الحديد:11) ،وقال الله تعالى : ﴿إن الـمُصَّدِّقِيْنَ وَالْـمُصَّدِّقَـٰتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَـٰعِفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾ (الحديد:18).
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق السخاء والكرم والبذل والعطاء)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن آثار السخاء والبذل والجود والكرم : أنه يحصن المال ولا يتلفه، وإنما يحفظه ويحرسه. ففي الصحيحين (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا ، وَيَقُولُ الآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا » ، ثالثا : ومن هذه الآثار الطيبة الكريمة للسخاء والكرم أنه دواء من أدوية المرضى فليس ذلك بعجيب ،ففي سنن البيهقي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ ، وَحَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاَءِ الدُّعَاءَ ». رابعًا: أن الصدقة تقي صاحبها من كثير من البلايا والمصائب يقول صلى الله عليه وسلم: «صنائع المعروف تقي مصارع السوء» رواه الطبراني . خامسًا: ومن هذه الآثار الجليلة: التغاضي عن زلات وهفوات السخي. فعن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تجافوا عن ذنب السخي فإن الله آخذ بيديه كلما عثر ) رواه الطبراني في المعجم الاوسط . سادسًا: أن السخاء والكرم والعطاء والبذل ، يحط الخطايا ،ويغفر الذنوب ،ويكفر السيئات ، يقول تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَـٰتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (البقرة:٢٧١) ،وقال تعالى: ﴿إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَـٰعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ﴾ (التغابن:١٧) وفيما يرويه ابن حبان عظة وعبرة فعن أبي ذر -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعبد عابد من بني إسرائيل، فعبد الله في صومعته ستين عامًا، فأمطرت الأرض فأخضرت، فأشرف الراهب من صومعته، فقال: لو نزلت لذكرت الله وازددت خيرًا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة، فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها، ثم أغمى عليها، فنزل الغدير يستحم، فجاءه سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين، ثم مات، فوزنت عبادة الستين سنة مقابل الزنية فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له». سابعًا: إن السخاء ذخيرة الرجل لأولاده بعد موته، به يكرمون وبسببه ينالون جميل العطف، ويدفع عنهم كثيرًا من نوائب الدهر. فيروى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليّا (كرم الله وجهه) إلى طيء فهرب عدي بأهله وولده، ولحق بالشام، وترك أخته سفانة فأسرها المسلمون. فلما أُتي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت: هلك الوالد وغاب الوافد، فإن رأيت أن تخلى عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويقيل الجاني ويحفظ الجار، ويحيي الزمار، ويفرج عن المكروب، بإطعام الطعام ويفشي السلام، فلا أتاه طالب حاجة ورده خائبا، أنا بنت حاتم الطائي. فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: «يا جارية هذه صفات المؤمنين فقال: خلوا عنها؛ فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق».
أيها المسلمون
هذا هو السخاء والجود والكرم ، وتلك هي منازلهم ودرجاتهم ، وجزاؤهم في الدنيا والآخرة ، ألا فكونوا من الأسخياء الكرماء ، لتفوزوا برضوان ورحمات رب الأرض والسماء ، في جنة عرضها السماء والأرض أعدت للمتقين .
الدعاء