خطبة عن ( مجالات الصبر وحاجة الناس إليه)
مارس 10, 2016خطبة عن ( صور البر للوالدين بعد وفاتهما)
مارس 12, 2016الخطبة الأولى ( الصبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان 17 ، ووصف عباده المؤمنين بقوله تعالى 🙁 وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) البقرة 177، وروى البخاري في صحيحه ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ ، وَمَا أُعْطِىَ أَحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وَأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ »
إخوة الإسلام
الصبر معناه الحبس والمنع، وهو ضدّ الجزع ،والصبر هو أن يلتزم الإنسان بما يأمره الله به فيؤديه كاملا، وأن يجتنب ما ينهاه عنه، وأن يتقبل بنفس راضية ما يصيبه من مصائب وشدائد. وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك. وقد جعل الله للصابرين من الأجر والجزاء ما ليس لغيرهم؛ فقال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} البقرة 156 ، 157، والصابرون هم أهل الإمامة في الدين, قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا} السجدة 24 ، والصـبر خلـق الأنبيـاء: فقد ضرب أنبياء الله – صلوات الله عليهم- أروع الأمثلة في الصبر وتحمل الأذى من أجل الدعوة إلى الله.
أيها المسلمون
وللصبر أنواع كثيرة، منها: 1- الصبر على الطاعة: فالمسلم يصبر على الطاعات؛ لأنها تحتاج إلى جهد وعزيمة لتأديتها . 2- الصبر عن المعصية: فالمسلم يقاوم المغريات التي تزين له المعصية، وهذا يحتاج إلى صبر عظيم. 3- الصبر على المصائب: فالمسلم يصبر على ما يصيبه في ماله أو نفسه أو أهله, وقال الإمام علي: ( إن صبرتَ جرى عليك القلم وأنتَ مأجور (لك أجر وثواب)، وإن جزعتَ جرى عليكَ القلم وأنت مأزور (عليك وزر وذنب)، 4- الصبر على أذى الناس: قال صلى الله عليه وسلم : كما في سنن الترمذي :« إِنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الْمُسْلِمِ الَّذِى لاَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ » ، فأيها المسلم! أنت محتاج للصبر على طاعة الله، وعن معاصي الله، وعلى أقدار الله المؤلمة. وأنت تحتاج للصبر على الطاعة شكراً للمنعم ، وأنساً بالخالق ، واستجلاباً لراحة القلب ، وطمأنينة للنفس، وتحتاج للصبر على الطاعة ، لطول الطريق، وقلة الرفيق، وكثرة الأشواك، كما تحتاج للصبر عن المعاصي لقوة الداعي وكثرة الفتن، وضعف النفس، وكيد الشيطان وغروره، وأماني النفس بتقليد الهالكين، وتحتاج للصبر لآفات الذنوب والمعاصي عاجلاً، وقبح المورد على الله آجلاً، كما تحتاج للصبر على أقدار الله حين تطيش النفس بفقدان الحبيب، وتعلو خفقات القلب للنازلة المفاجئة، وتصاب الحيرة والاضطراب للمصيبة الجازمة. أجل إن الله يفتح بالصبر والاحتساب على عباده آفاقاً لم يحتسبوها، ويغدو البلاء في نظرهم نعمة يتفيئون ظلالها، ويأنسون بخالقهم من خلالها، ويتحول الضيق في تقديرهم إلى سعة يغتبطون بها، ولسان حالهم ومقالهم يقول: ( نخشى أن تكون طيباتنا عجلت لنا في الحياة الدنيا )، وربما ذهبت إلى مصاب مبتلى في نظرك، فتجاسرت على تعزيته في مصيبته، فكان المعزي هو المعزي، وعاد المعزي يذكر لك من نعم الله عليه ما خفف المصاب عليه وأنسى، فلا إله إلا الله، لا يتخلى عن أوليائه في حال الضراء إذا كانوا معه في حال السراء، وما أجمل الصبر عدة للمؤمن في حال الشدة والرخاء. وللصبر ثمرات وفوائد فمن ثمـــرات الصــبر: 1- ظفرهم بمعية الله سبحانه لهم, قال تعالى {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الانفال (46) ، 2- مضاعفة أجر الصابرين على غيرهم, قال تعالى :{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} الزمى (10) ، 3- الفوز بالجنة والنجاة من النار, قال تعالى: {إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ } المؤمنون (111) ، 4- حصول المحبة من الله, قال تعالى{وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} آل عمران (146) ، وهناك أمور ودوافع تعين المسلم على الصبر منها : 1- تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر. 2- اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله تعالى. 3- العلم بأن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه. 4- استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون. 5- أن يعلم أن زمن البلاء ساعة وستنقضي.
أيها المسلمون
والصبر عبادة الضراء، وعدة المسلم حين نزول البلاء، وزاد المؤمن حين وقوع الابتلاء. هو الطاقة المدخرة في السراء، والحبل المتين في الضراء، إنه الصبر تبدو مرارته ظاهرة، ويصعب الاستشفاء به عند الضعفاء، لكن مرارته تغدو حلاوة مستقبلاً، ويأنس به رفيقاً الأقوياء. لذا قال القائل :
وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
ويكبر في عين الصغير صغيرها وتصغر في عين العظيم العظائم
وجعل الله الصبر جواداً لا يكبو، وفارساً لا ينبو، وجنداً لا يهزم، وحصناً حصيناً لا يهدم، وكما قيل: يجول المؤمن ثم يرجع إليه، مثله للإنسان كمثل العروة الوثقى في الأرض، وهو ساق إيمان المؤمن، فلا إيمان لمن لا صبر له. وإن كان إيمانه ضعيفاً، وصاحبه ممن يعبد الله على حرف، فإن أصابه خير اطمأن به، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، فخير عيش أدركه السعداء بصبرهم، وترقوا إلى أعالي المنازل بشكرهم، فساروا بين جناحي الصبر والشكر إلى جنات النعيم، و (ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) [الجمعة:4].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( الصبر )
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
لا غنى للإنسان عن الصبر في هذه الحياة، وإذا استوى الأبرار والفجار في حاجتهم بالصبر على نكد العيش، ومفجعات الحياة، فاز الأبرار بالثواب العظيم على صبرهم؛ لأنهم يصبرون في ذات الله، وخاب الفجار؛ لأنهم لا يرجون من صبرهم جزاء ولا شكوراً. وإذا كانت مرارة الدواء يعقبها الشفاء، فقد رتب الله عز وجل على الصابر المحتسب عظيم الجزاء، قال سبحانه: ( إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )[الزمر:10]. قال الأوزاعي رحمه الله في تفسيرها : ليس يوزن لهم ولا يكال، وإنما يغرف لهم غرفاً. وإذا كان المسلم محتاجاً للصبر في كل حال، فحاجته إليه أشد إذا مرجت العهود وضعفت الذمم، واختلت المقاييس والقيم، وكثرت الفتن خصوصاً في زمننا هذا. نعم نحن نحتاج للصبر إذا خون الأمين، وسود الخائن، وألبس الحق بالباطل، وسكت العالمون، وتنمر الجاهلون.
واعلم أخي المسلم
أن الصبر المشروع ليس يأساً مقْنطاً، ولا عجزاً متلفاً، إنه الثبات على الحق، والنصح بالتي هي أحسن من خلقه، والشعور بالعزة الإيمانية مع الظلم والهضم، والثقة بنصر الله وإن علت رايات الباطل برهة من الزمن، فالصبر والنصر -كما قيل- أخوان شقيقان، والفرج مع الكرب، والعسر مع اليسر. وقد عرف السلف للصبر مكانته وقدره، فقال علي رضي الله عنه: ( ألا إن الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا انقطع الرأس بان الجسد، ثم رفع صوته فقال: ألا لا إيمان لمن لا صبر له ). وقال عمر رضي الله عنه: ( وجدنا خير عيشنا بالصبر. ) علقه البخاري. وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: (ما أنعم الله على عبد نعمة فانتزعها منه، فعوضه مكانها الصبر ما عوضه الله خيراً مما انتزعه). ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء