خطبة عن ( الأسباب التي تعين المسلم على الصبر)
مارس 10, 2016خطبة عن ( خلق الصبر: معناه وأنواعه وثمراته وما يعين عليه)
مارس 10, 2016الخطبة الأولى ( مجالات الصبر وحاجة الناس إليه)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى : ( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) (155): (157) البقرة
إخوة الإسلام
الصبر : أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن ، حتى لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة موضع، وما ذلك إلا لدوران كل الأخلاق عليه، وصدورها منه، فكلما قلبت خلقاً أو فضيلة وجدت أساسها وركيزتها الصبر، فمثلا فالعفة: صبر عن شهوة الفرج والعين المحرمة، وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن، وكتمان السر: صبر عن إظهار مالا يحسن إظهاره من الكلام، والزهد: صبر عن فضول العيش، والقناعة: صبر على القدر الكافي من الدنيا، والحلم: صبر عن إجابة داعي الغضب، والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش، والشجاعة: صبر عن داعي الفرار والهرب، والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام، والجود: صبر عن إجابة داعي البخل، والكيس: صبر عن إجابة داعي العجز والكسل . ومن هنا ندرك كيف علق القرآن الفلاح على الصبر وحده ، فقال وقوله الحق : (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) الانسان 12 ، وقوله تعالى : (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا ) الفرقان 75، وأيضا ترجع عناية القرآن البالغة بالصبر إلى ماله من قيمة كبيرة في الحياتين الدنيا والأخرى، فليس هو من الفضائل الثانوية، بل من الضرورات اللازمة التي لا انفكاك للإنسان عنها، فلا نجاح في الدنيا ولا نصر ولا تمكين إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة ولا فوز ولا نجاة إلا بالصبر، فلولا صبر الزارع والدارس والمقاتل وغيرهم ماظفروا بمقاصدهم: وانظر إلى قول القائل : وقلّ من جدّ في أمر يحاوله *** واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر ، وقال آخر:
لا تيأسن وإن طالت مطالبة *** إذا استعنت بصبر أو ترى فرجا
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلجا
وإذا كان هذا شأن الصبر مع كل الناس، فأهل الإيمان أشد الناس حاجة إليه لأنهم يتعرضون للبلاء والأذى والفتن ، قال تعالى (ألم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) العنكبوت 1 : 3 ، وقال الله تعالى : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ )) البقرة 214، وكان التأكيد أشد في قوله(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)آل عمران 186، وحديث القرآن عن فضائل الصبر كثير جداً، وهذه العجالة لا تستوعب كل ما ورد في ذلك لكن نذكر منها ما يلي : علق الله الفلاح بالصبر في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )) آل عمران 200. 2- وقال تعالى: ((نَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ )) الزمر 10 . 3- وظفرهم بمعية الله لهم :في قوله تعالى(وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الانفال 46. 4- وأنه جمع لهم ثلاثة أمور لم تجمع لغيرهم: في قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) البقرة.156 ، 157، 5- وأنه تعالى جعل الصبر والتقوى جنة ووقاية عظيمة من كيد العدو ومكره فما استجن العبد بأعظم منهما فقال سبحانه (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) آل عمران 120. 6- وأن الملائكة تسلم في الجنة على المؤمنين بصبرهم ، قال تعالى :(وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد 23 ، 24، . 7- وأنه سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح فقال سبحانه (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)) هود 11. 8- وأنه تعالى قال عن خصال الخير: إنه لا يلقاها إلا الصابرون: كما في قوله تعالى : (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) فصلت 35، هذا غيض من فيض في باب فضائل الصبر ولولا الإطالة لاسترسلنا في ذكر تلك الفضائل والمنازل، ولعل فيما ذكر عبرة ودافع على الصبر
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( مجالات الصبر وحاجة الناس إليه)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
أما عن مجالات الصبر في القرآن الكريم ، فأولها : أ – الصبر على بلاء الدنيا : فلقد أخبرنا الله تعالى بطبيعة الحياة الدنيا، وأنها خلقت ممزوجة بالبلاء والفتن فقال تعالى : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ) البلد 4 ، أي في مشقة وعناء، وأقسم على ذلك بقوله تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ) البقرة 155، ب – الصبر على مشتهيات النفس: وهو ما يسمى بالسراء فإن الصبر عليها أشد من الصبر على الضراء، قال بعضهم : ( البلاء يصبر عليه المؤمن ، والعافية لا يصبر عليها إلا صِدِّيق )، وقال عبد الرحمن بن عوف: “ابتلينا بالضراء فصبرنا، وابتلينا بالسراء فلم نصبر” ، ج – الصبر على طاعة الله تعالى: فإن الصبر على طاعة الله أعظم مجالات الصبر وهو لذلك أشدها على النفوس وقد جاءت صيغة الأمر بالصبر على الطاعة مغايرة لغيرها فقال تعالى: ((رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)) مريم 65، وقال الله تعالى : (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) طه: 123، د – الصبر على مشاق الدعوة إلى الله: فالداعية إلى الله يحتاج للصبر لتبليغ رسالته ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله
الدعاء