خطبة عن (خلق الوفاء )
يناير 13, 2016خطبة عن ( نماذج لأصحاب القلب السليم )
يناير 13, 2016الخطبة الأولى ( الوفاء بالعهد )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والإيمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام …وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين: ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) (34)الاسراء
إخوة الإسلام
يأمرنا الله تعالى في هذه الآية من كتابه العزيز بالوفاء بالعهد،والوفاء بالعهد أدب رباني حميد، وخلق نبوي كريم. وسلوك إسلامي نبيل.جعله الله صفة لأنبيائه والصالحين من عباده ..فقال تعالى في إبراهيم: ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) النجم (37) . وقال تعالى في إسماعيل:( وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ) مريم (54) . ومدح سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بقوله تعالى 🙁 وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) البقرة (177) ..وجعل الله الوفاء بالعهد صفة لأوليائه.. فقال في أولي الألباب: ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ) (19) ،(20) الرعد
أيها الموحدون
معنى الوفاء بالعهد :هو قيام المسلم بما التزم به…سواء أكان التزامه إيمانا وتصديقا.. أو قولاً.. أو كتابة ..أو عملا…فكل أمر ألزمت به نفسك فهو عهد ووعد .والعهد ينقسم إلى قسمين: عهد بين الله وبين الناس..وعهد بين الناس بعضهم بعضاً.. .فأما العهود التي بين الله وبين الناس فهي كثيرة:… أولها إيمانك بالله وتصديقك لرسوله… هذا عهد يجب عيك الوفاء به …فالتزامك بدين الله.. وإتباعك لشرع الله ومنهج رسوله ..هذا عهد…قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كل ما أحل الله وما حرم.. وما فرض في القرآن فهو عهد”… فمن تهاون في أداء الصلاة أو إيتاء الزكاة أو في صوم رمضان أو أداء الحج مع القدرة فقد نكث عهده مع الله ومن تخلق بغير أخلاق المؤمنين .. فكذب إذا حدث أو خان إذا اؤتمن أو أخلف إذا وعد .. فقد نكث عهده مع الله … ومن ساءت معاملته مع العباد ..فعق والديه.. أو قطع رحمه.. أو أساء إلى جاره ..أو غش في بيعه وشرائه .. أو أضاع زوجته وأولاده .. فقد نكث عهده مع الله … ومن والى الكفار ..وعادى المؤمنين الأبرار .. وانتصر للباطل ..واخفق الحق .. فقد نكث عهده مع الله …وعلى الإجمال …فالمعرضون عن دين الله.. أولئك نكثوا عهدهم مع الله.. وتهاونوا بشرع الله… بل وأبرموا عهداً مع الشيطان. بمخالفتهم لشرع الرحمن .وكذلك.. نشر العلم وبيانه عهد… قال تعالى(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) آل عمران (187) . قال قتادة:.. هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم.. فمن تعلم علماً.. فليعلمه للناس. وإياكم وكتمان العلم . فإن كتمان العلم هلكة…. فيا سعادة عالم ناطق. ومستمع داع.. هذا تعلم علماً فبلغه. وهذا سمع خيراً فقبله. وبيع النفس والمال بالجنة عهد. قال الله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) التوبة (111)
إخوة الإسلام
وأما العهود التي بين الناس بعضهم بعضاً؛ فهي كثيرة أيضاُ… فإذا اتفق اثنان على أن يقوم كل منهما للآخر بشيء. يقال:. أنهما تعاهدا.. فعقد الزواج عهد لأنه التزام بين الزوج والزوجة قال صلى الله عليه وسلم: كما في البخاري(عَنْ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ » ) .فلابد للمسلم أن يؤدي ما التزم من الشروط على عقد الزواج. لأنه استحل بها الفرج.. فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها؛ فقد خدعها…..بل ويجب علي كل من الزوج والزوجة أن يكونا من الأوفياء في الحياة وبعد الممات.. فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وفيا مع خديجة حتى بعد موتها ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ – رضي الله عنها – قَالَتِ اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ ..عَلَى رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – ، فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاعَ لِذَلِكَ ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ هَالَةَ » قَالَتْ فَغِرْتُ…فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ… قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا ) وفي رواية الإمام احمد (قَالَ « مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ »…هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيا لها حتى بعد موتها
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (الوفاء بالعهد )
الحمد لله رب العالمين .. اللهم لك الحمد حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد …وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ..وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ..اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وما زلنا مع الوفاء بالعهد … فتربية الأولاد عهد على الوالدين يجب الوفاء به .. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) .. فمن أهملهم… لم يوف بما عهد إليه…بل ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعد الإنسان أحد أولاده بوعد ولا يفي له به …. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:(لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له…فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( العدة عطية) رواه الطبراني . وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال جاء رسول الله إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي( يا عبد الله تعال أعطيك) فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم )..(ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أعطيه تمرا..قال( لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة) رواه أحمد. والوفاء يكون في البيع والشراء ففي صحيح البخاري (عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ – رضي الله عنه – قَالَ.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا – أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا – فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا.. بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا …وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » والوفاء بالوعد يكون في المواعيد والاتفاقات … فإذا أعطيت أخاك موعدا فلا تخلفه .. وإذا اتفقت معه على أمر فلا تماطله ….والوفاء يكون أيضا في العهود والمواثيق … وفي الشروط والمصالحات …وفي إنجاز الأعمال وأداء الواجبات …وفي كل أنواع المعاملات .. ما لم يكن في محرم .. فلا وفاء في أمر حرام.. يخالف الشرع والدين. .وقد كان صلى الله عليه وسلم أعظم خلق الله وفاء بالوعد حتى جاء عن عبد الله بن أبي الحمسا رضي الله عنه أنه قال:(بايعت النبي قبل أن يبعث… وبقيت له بقية فوعدته أن آتيه بها في مكانه… فنسيت ثم ذكرت بعد ثلاث… فجئت.. فإذا هو في مكانه فقال يا فتى… لقد شققت على ..أنا هاهنا منذ ثلاث انتظرك) رواه أبو داود
أيها المسلمون
وما جزاء من لم يف بالعهد ..واخلف في الوعد … الإجابة نسمعها في هذا الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (العدة دين.. ويل لمن وعد ثم أخلف .ويل له.. ويل له .ثلاثا) وعن ابن بريدة عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما نقض قوم العهد قط… إلا كان القتل بينهم. وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت ..ولا منع قوم الزكاة .إلا حبس الله عنهم القطر
الإخوة والأخوات
عليكم بالوفاء بالعهد. والصدق في الوعد …ولا تلزموا أنفسكم بما لا تستطيعون أداءه …ولا تتحملون الفاء به. واعلموا أن من أخلف الوعد ولم يفي بالعهد .. فقد تخلق بأخلاق المنافقين ..لان الرسول صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه البخاري (قَالَ : « آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ »
فاللهم خلقنا بأخلاق المؤمنين الصالحين .. واجعلنا من الذين يوفون بعهدهم إذا عاهدوا ..ويصدقون في وعدهم إذا وعدوا ، اللهم طهر قلوبنا من النفاق .. و ألسنتنا من الكذب .. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا من كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر .. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا .. وشاف مرضانا وارحم موتانا ..إنك على ما تشاء قدير