خطبة ( نماذج وصور من خلق الوفاء )
يناير 13, 2016خطبة عن (خلق الوفاء بالعهد )
يناير 13, 2016الخطبة الأولى ( خلق الوفاء )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :﴿ وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ، ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 152]، وقال الله سبحانه ( وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) النجم 37 ، وروى الإمام أحمد في مسنده (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلاَّ قَالَ « لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ »
إخوة الإيمان
حديثنا اليوم -إن شاء الله تعالى – عن خلق من أخلاق الإسلام الراقية ، وصفة من صفات النفوس الأبيّة ، خلق إذا انتشر بين الناس ملأ حياتهم صفاء ونقاء ، وظللهم بروح المودة والإخاء والمحبة والألفة. إنه الوفاء!! وما أجمله من خلق! وما أرقها من خصلة! وما أسماها من صفة! ، فالوفاء خلق جميل، وكنز ثمين. هو خلق من أخلاق المؤمنين ، وصفة من صفات الموحدين ، والوفاء هو : (حفظ العهود والوعود، وأداء الأمانات، واعتراف بالجميل، وصيانة للمودة والمحبة ). ، وذكر عن الأصمعي أنه قال: (إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وبكائه على ما مضى من زمانه ). ، والوفاء خلق لا يقدره إلّا القليلون، ولقلّة وجود ذلك في النّاس قال تعالى: ﴿ وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ﴾ (الأعراف/ 103)، وقد ضرب به المثل في العزّة فقالت العرب: «هو أعزّ من الوفاء».
وللوفاء أنواع عديدة، فباعتبار الموفَى به هناك: الوفاء بالوعد، والوفاء بالعهد، والوفاء بالعقْد. ، وباعتبار الموفَى له هناك: الوفاء لله، والوفاء لرسوله صلى الله عليه وسلم، والوفاء للناس ، والوفاء من صفات الله عز وجل: قال تعالى : ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111] ، وقال سبحانه ﴿ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 6].
والوفاء من صفات المرسلين: يقول الله تعالى : ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ) [النجم: 36 – 37]. ، وقال سبحانه ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا )مريم: 54 والوفاء من أخلاق وصفات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ففي صحيح البخاري (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَخْبَرَهُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ . قَالَ وَهَذِهِ صِفَةُ نَبيٍّ) . ، بل بلغ من وفائه صلى الله عليه وسلم أنه كان وفيا مع أعدائه من الكفار ففي العام السادس الهجري، عقد المشركون مع المسلمين صلح الحديبية، وكان من شروط الصلح أنه إذا أسلم أحد من المشركين، وذهب إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- رده إلى قومه. وبعد عقد الصلح مباشرة، جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو، وأعلن إسلامه، فلما رآه أبوه سهيل بن عمرو الذي كان يعقد الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم قام إليه وعنفه، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قَدْ وَلَجَتِ الْقَضِيَّةُ بَيْنِي وَبَيْنَكَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ هَذَا. قَالَ: «صَدَقْتَ» وَصَاحَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَأُرَدُّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي جَنْدَلٍ: «أبا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ، فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا، إِنَّا قَدْ صَالَحْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ وَجَرَى بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الْعَهْدُ، وَإِنَّا لا نَغْدِر». أخرجه الإمام أحمد والبيهقي.، وفي صحيح مسلم (حَدَّثَنَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قَالَ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَشْهَدَ بَدْرًا إِلاَّ أَنِّى خَرَجْتُ أَنَا وَأَبِى – حُسَيْلٌ – قَالَ فَأَخَذَنَا كُفَّارُ قُرَيْشٍ قَالُوا إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ مُحَمَّدًا فَقُلْنَا مَا نُرِيدُهُ مَا نُرِيدُ إِلاَّ الْمَدِينَةَ. فَأَخَذُوا مِنَّا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَنَنْصَرِفَنَّ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ نُقَاتِلُ مَعَهُ فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ فَقَالَ « انْصَرِفَا نَفِى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ».
والوفاء سمة من سمات المؤمنين المتقين ، وخلق من أخلاق المقربين ولذا، فقد وصف الله عباده المؤمنين بالوفاء بقوله تعالى : ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177]. ، ويقول سبحانه ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية ( خلق الوفاء )
الحمد لله رب العالمين ..اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك .. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .. اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله واصحابه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
وأعظم الأدب هو الأدب مع الله، وأعظم الوفاء ما كان مع الله، والوفاء مع الله يكون بطاعته، وعبادته، وتوحيده. .ففي صحيح البخاري (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ « نَعَمْ . حُجِّي عَنْهَا ، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَةً اقْضُوا اللَّهَ ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ » ، والله سبحانه وتعالى قد أخَذَ على آدمَ وذريَّتِه عهدا أنْ يَعبُدوه ولا يُشرِكوا به شيئًا؛ قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 172، 173]. ، وقال تعالى : ﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾ [يس: 60، 61]. ، فمن أطاع ربه والتزم بشرعه، وامتثل أمره واجتنب نهيه ووقف عند حدوده… كان من أهل الوفاء مع الله سبحانه الذي أوجده من العدم، ورباه بالنعم، وكرّمه وفضله، وأمره أن يعبده وحده دون سواه ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]. ، ويقول سبحانه ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا ﴾ [الأحزاب: 23]. ، ومن الوفاء مع الله الوفاء بالنذر- وهو ما يلزم به العبد نفسه من طاعة الله من غير ما افترضه الله عليه ، فقد روى البخاري في صحيحه (عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ « مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ »
إخوة الإسلام
فأين الوفاء مع الله؟ ممن ينتهك الحرمات، ويواقع المنكرات؟ ، وأين الوفاء مع الله؟ ممن فرط في طاعة الله، فضيع فرائضه واعتدى على حدوده؟ ، وأين الوفاء مع الله؟ ممن انشغل بدنياه عن عبادة خالقه ومولاه؟.. ونستكمل الموضوع في لقاء قادم إن شاء الله تعالى
الدعاء