خطبة عن أسس وأسباب السعادة ، وحديث ( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ )
أكتوبر 2, 2021خطبة عن ( قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا )
أكتوبر 16, 2021الخطبة الأولى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في محكم آياته : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (27) ،(28) الانفال
إخوة الإسلام
لقاؤنا اليوم -إن شاء الله- مع القرآن الكريم ، والذكر الحكيم ، مع آية من كتاب الله ،نتلوها ، ونتدبرها ،ونتفهم معانيها ،ونسبح في بحار مراميها ،ونعمل بما جاء فيها ،مع قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الأنفال (27) ، فقد جاء في تفسيرها في التفسير الميسر : يا أيها الذين صدَّقوا الله ورسوله ،وعملوا بشرعه ، لا تخونوا الله ورسوله بترك ما أوجبه الله عليكم ،وفِعْل ما نهاكم عنه، ولا تفرطوا فيما ائتمنكم الله عليه، وأنتم تعلمون أنه أمانة يجب الوفاء بها. وقال السعدى : يأمر الله تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم اللّه عليه من أوامره ونواهيه، فإن الأمانة قد عرضها اللّه على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ،فمن أدى الأمانة استحق من اللّه الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها ،بل خانها ،استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا للّه وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي الأمانة. ومن المعلوم أن الخيانة والنفاق واحد، إلا أن الخيانة تقال اعتبارًا بالعهد والأمانة، والنفاق يُقال اعتبارًا بالدين، ثم يتداخلان؛ فالخيانة: مخالفةُ الحق بنقض العهد في السر، ونقيض الخيانة الأمانة،
أيها المسلمون
ولقد نهى الله المؤمنين عن خيانة الأمانة فقال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الانفال: 27]، كما أمر بأداء الأمانات إلى أهلها فقال الله تعالى : {إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا} [النساء: 58]، وجعل الله تعالى رعاية الأمانة من الصفات الموجبة وراثة الفردوس فقال الله تعالى في وصفهم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المعارج: 32]، وكان تضييع الأمانة علامة ودليلا على فساد الحياة ،وقرب قيام الساعة، ففي صحيح البخاري : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – فِي مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحَدِّثُ ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ سَمِعَ مَا قَالَ ، فَكَرِهَ مَا قَالَ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ لَمْ يَسْمَعْ ، حَتَّى إِذَا قَضَى حَدِيثَهُ قَالَ « أَيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ » . قَالَ هَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ « فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » . قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا قَالَ « إِذَا وُسِّدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » ، والأحاديث النبوية المُطهرة بها ما يسدُّ الذرائع أمام هذه الآفَة الخطيرة بكلِّ أشكالها، ما صغر منها وما كبر، وما قلَّ منها وما كثر، فقد روى البخاري في صحيحه : (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ،وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ،وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ » ، وفي الحديث المتفق عليه: ( أن عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ – رضى الله عنهما – يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « خَيْرُ أُمَّتِى قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » . قَالَ عِمْرَانُ فَلاَ أَدْرِى أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا « ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ » . وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ قِيلَ وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ قَالَ الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ ».(رواه ابن ماجه). وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَنْ تَقَوَّلَ عَلَىَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَمَنِ اسْتَشَارَهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ رُشْدٍ فَقَدْ خَانَهُ وَمَنْ أَفْتَى بِفُتْيَا غَيْرِ ثَبْتٍ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ » رواه احمد، وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرْفَعُ لَهُ بِقَدْرِ غَدْرِهِ أَلاَ وَلاَ غَادِرَ أَعْظَمُ غَدْرًا مِنْ أَمِيرِ عَامَّةٍ ». (رواه مسلم) ، وفي سنن البيهقي : (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : الْقَتْلُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ ذَنْبٍ إِلاَّ الأَمَانَةَ يُؤْتَى بِصَاحِبِهَا وَإِنْ كَانَ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقَالَ لَهُ : أَدِّ أَمَانَتَكَ فَيَقُولُ : رَبِّ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا فَمِنْ أَيْنَ أُؤَدِّيهَا فَيَقُولُ : اذْهَبُوا بِهِ إِلَى الْهَاوِيَةِ حَتَّى إِذَا أُتِىَ بِهِ إِلَى قَرَارِ الْهَاوِيَةِ مَثُلَتْ لَهُ أَمَانَتُهُ كَيَوْمِ دُفِعَتْ إِلَيْهِ فَيَحْمِلُهَا عَلَى رَقَبَتِهِ يَصْعَدُ بِهَا فِي النَّارِ حَتَّى إِذَا رَأَى أَنَّهُ خَرَج مِنْهَا هَوَتْ وَهَوَى فِي أَثَرِهَا أَبَدَ الآبِدِينَ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنَّ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)
أيها المسلمون
وللخيانة صور متعددة ، ومنها : أولا : أن يخون الله ورسوله : بأن يظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين الإيمانَ في الظاهر ، والنصيحةَ, وهو يستسرُّ الكفر والغش لهم في الباطن, فيدلُّون المشركين على عورتهم, ويخبرونهم بما خفى عنهم من خبرهم، فعن عروة بن الزبير في هذه الآية : أي لا تظهروا له من الحق ما يرضى به منكم، ثم تخالفوه في السر إلى غيره، فإن ذلك هلاك لأماناتكم، وخيانة لأنفسكم، وقال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور عند تفسير هذه الآية: فالإيمان والطاعة لله ورسوله عهد بين المؤمن وبين الله ورسوله فكما حذروا من المعصية العلنية حذروا من المعصية الخفية، وتشمل الخيانة كل معصية خفية فهي داخلة في لا تخونوا، وقال ابن كثير : قال عبد الله بن أبي قتادة والزهري : أنزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر ، حين بعثه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى بني قريظة لينزلوا على حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فاستشاروه في ذلك ، فأشار عليهم بذلك – وأشار بيده إلى حلقه – أي : إنه الذبح ، ثم فطن أبو لبابة ، ورأى أنه قد خان الله ورسوله ، فحلف لا يذوق ذواقا حتى يموت أو يتوب الله عليه ، وانطلق إلى مسجد المدينة ، فربط نفسه في سارية منه ، فمكث كذلك تسعة أيام ، حتى كان يخر مغشيا عليه من الجهد ، حتى أنزل الله توبته على رسوله . فجاء الناس يبشرونه بتوبة الله عليه ، وأرادوا أن يحلوه من السارية ، فحلف لا يحله منها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، فحله ، فقال : يا رسول الله ، إني كنت نذرت أن أنخلع من مالي صدقة ، فقال : يجزيك الثلث أن تصدق به . ثانيا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : أن يضيع حق الله ،وحق رسوله صلى الله عليه وسلم في الأوامر والنواهي ، فلا يمتثل ما أمر به ،ولا يجتنب ما نهي عنه، أو أن يوالي أعداء الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ظاهرا وباطنا ، فكل من فعل شيئا من ذلك فهو خائن لله ورسوله وأمانته، والأمانات تعم جميع ما يجب على المسلم من حقوق الله عز وجل على عباده : من التوحيد ،والطهارة، والصلاة، والزكاة ،والصيام ،والكفارات ،والنذور، وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ولا يطلع عليه العباد، كما تشمل أيضا حقوق العباد بعضهم على بعض : كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض ،من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، فالتفريط في هذه الواجبات كلها، أو نقصها من الخيانة لله ورسوله، والمؤمنين . ثالثا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : خيانة أمانة الولاية، فهذا الوالي، وذاك الحاكم ، والملك ، والرئيس ، إن لم يحكم بين الرعية بما أمر الله ورسوله فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ، وهذه (فاطمة بنت عبد الملك) زوجة الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز، تروي أنها دخلت على عمر زوجها يوماً في مصلاه، فوجدته واضعاً يده على خده ودموعه تسيل، فقالت له ؟ ما بالك وفيما بكاؤك ؟ ، قال: ويحك يا فاطمة إني قد وُليتُ هذا الأمر، ففكرت في الفقيرِ الجائع، والمريضِ الضائع، والعاريْ المجهول، واليتيمِ المكسور، والمظلومِ المقهـور، والغريب، والأسير، والشيخِ الكبير، والأرملةِ الوحيدة، وذي العيالِ الكثير والــرزقِ القليل، وأشباهِهم في أطرافِ البلاد، فعلمتُ أن الله سيسألني عنهم جميعاً يومَ القيامة، وأن خصميْ دونهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فخشيت ألا تَثْبُت حجتي، فلهذا أبكي. فإذا سلمك الله مقاليد البشر، فهذه أمانة الولاية، لذلك جاء في صحيح مسلم : (عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ « يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا ». رابعا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : خيانة النفس: وذلك أن يفعل المرء من الذنوب ما لا يطلع عليه إلا الله، ويخون به أمر الله تعالى بألا يفعل، مثلما وقع من بعض المسلمين من الرفث إلى النساء ليلة الصيام، فعن ابن عباس قال: كان المسلمون في شهر رمضان إذا صلوا العشاء حرم عليهم النساء والطعام في شهر رمضان بعد العشاء منهم عمر بن الخطاب، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: (عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ) [البقرة: 187] خامسا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : الخيانة في الأموال: وتتمثل في أكل المال الذي يؤتمن عليه الإنسان، ومن ذلك مال الوديعة، قال ابن عثيمين في قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا اؤتمن خان)) قال: (إذا ائتمنه إنسان على شيء خانه، فمثلًا إذا أعطي وديعة، وقيل له: خذها احفظها، دراهم أو ساعة أو قلم أو متاع أو غير ذلك، يكون فيها يستعملها لنفسه، أو يتركها فلا يحفظها في مكانها، أو يُظْفِرُ بها من يتسلَّط عليه ويأخذها، المهم أنه لا يؤدي الأمانة فيها))
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
الحمد لله رب العالمين . اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان .ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد أيها المسلمون
ومن صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : إفشاء السر: فقد تكون خيانة الناس بإفشاء السر الذي يُؤتمن عليه الإنسان، إلا إذا كان في ذلك الإفشاء مصلحة أقوى، مثل: إظهار الحق، ونصرة المظلوم، وإعانة أهل العدل، وصيانة مصلحة الأمة. ولكن أكثر ما تكون الخيانة في إفشاء الأسرار الخاصة التي لا تهمُّ غير صاحبها، مثل عورات البيوت، وأسرار العائلات، والأزواج.. فليتقِ الله من يطَّلع على شيء من ذلك إذا ائتمنه عليه أصحاب الشأن؛ لاستشارة أو لقيام بينهم بصلح. كما يكون ذلك الإفشاء وخيانة الأمانة ممن يطلعون بحكم علمهم على أسرار الناس، كالأطباء والممرضات فهؤلاء يعلمون من أسرار المرضى ما لا ينبغي أن يُذاع، وكذلك من يقومون بغسل الموتى، وتكفينهم، ودفنهم، فقد وجب عليهم ألا يخونوا أماناتهم، وأن يحفظوا ما علموا سرًّا .ويُروى أنَّ معاوية رضي الله عنه أسرَّ إلى الوليد بن عتبة حديثًا، فقال لأبيه: يا أبت، إنَّ أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا، وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به؛ فإنَّ من كتم سرَّه كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال: فقلت: يا أبت، وإنَّ هذا ليدخل بين الرجل وبين ابنه؟! فقال: لا والله يا بني، ولكن أحب أن لا تذلل لسانك بأحاديث السرِّ، قال: فأتيت معاوية فأخبرته. فقال: يا وليد، أعتقك أبوك من رقِّ الخطأ) . سابعا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : الخيانة في النصيحة: وذلك كمن يزكِّي فاسقًا، أو يخفي مالًا مسروقًا، أو يؤوي مجرمًا، أو يعين قاطع طريق. أو من ينصح غيره بما يؤذيه في الدنيا أو الآخرة من الإفساد وقطيعة الرحم .ثامنا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين : الخيانة الزوجية: وهي من أبشع صور الخيانة: خيانة الزوجة لزوجها في ماله وعرضه، بالسرقة والزنا، وخيانة الرجل لزوجته بالسرقة والزنا كذلك.. تاسعا : من صور خيانة الله ورسوله والمؤمنين :الخيانة في الولايات: كأن يكون الإنسان وليًّا على يتيم؛ على ماله وحضانته وتربيته، فيهمل ماله، ولا يقوم بالواجب، أو يأكل ماله وقد قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) [النساء: 10]. عاشرا : ومن صور الخيانة أيضًا: عدم القيام بواجب التربية في الأهل والأولاد، وقد ائتمنه الله عليهم قال جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم 6، ومنها أيضاً: خيانة أمانة العلم التي هي من أسوأ أنواع الخيانات.. حين يقف العالـِم أو الداعية مع المجرمين داعماً ومؤيداً.. يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل.
أيها المسلمون
فأبواب الخيانة مُتعددة، ومداخلها مُتشعبة، وعلى كلِّ عاقل أن يحترز لنفسه حتى لا يورِدها المهالك، والخيانة لا تتجزَّأ؛ فهي صفة مَذمومة ومشؤومة بكلِّ المقاييس والأحوال، ولكن تخفُّ حدَّتها حسب ما هو مترتب عليها، قال الإمام الذهبي: “الخيانة قَبيحة في كلِّ شيء، وبعضها شرٌّ من بعض، وليس مَن خانك في فَلْسٍ كمَن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم”.
الدعاء