خطبة حول قوله تعالى ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ )
فبراير 1, 2025الخطبة الأولى (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
يقول الله تعالى في: (وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (64) العنكبوت، وقال تعالى 🙁تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (83) القصص، وقال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) (19) الاسراء، وقال تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (145) آل عمران، وقال تعالى: (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) (32) الانعام
إخوة الإسلام
إن الدار الآخرة بلا شك هي أفضَل من الدنيا، لأن متاع الدنيا مهما كثُر، ومهما عظُم، فإنه يزول وينفد، وأما نعيم الدار الآخرة، فإنه باقٍ أبد الآباد، يقول الله تعالى: ﴿مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ﴾ [النحل:96]، فالعاقل مَن لم تشغله الفانية عن الباقية، بل العاقل مَن يُقبل على ما فيه صلاح آخرته، مع قيامه بما يحتاج إليه مِن أمر معاشه، قال تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ [القصص:77]،
وإذا تفكر المؤمن في أنواع الأعمال والطاعات والكنوز التي ترفع رصيده في الدار الآخرة، فذلك يجعله مثابرًا حريصًا، متحفِّزًا على كل ما يزيد في هذا الرصيد العظيم، ولذلك كان السلف – رحمهم الله- مِن الصحابة والتابعين ومَن بَعدهم، كانوا حريصين على التسابق إلى الأعمال الصالحة، التي لها ثواب عظيم، وعطاء جزيل من الله سبحانه وتعالى، ومن أمثلة ذلك ما جاء في صحيح مسلم: (أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ. فَقَالَ «وَمَا ذَاكَ». قَالُوا يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ وَيُعْتِقُونَ وَلاَ نُعْتِقُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَفَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ». قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ مَرَّةً». قَالَ أَبُو صَالِحٍ فَرَجَعَ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلْنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ»، وإذا أدرك العبد أن العمل الصالح هو زاده إلى الدار الآخرة، فحينئذ سيدرك أن التسبيحة الواحدة في الدنيا خير له من الدنيا وما فيها، ففي سنن ابن ماجه: (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بِهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا فَقَالَ «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا الَّذِي تَغْرِسُ». قُلْتُ غِرَاسًا لِي. قَالَ «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ لَكَ مِنْ هَذَا». قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ « قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ يُغْرَسْ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ».
ودُور الجَنَّة تُبنى في هذه الحياة الدنيا، وإنما يكون بناؤها بالعمل الصالح، ففي صحيح مسلم: (أن رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ»، وكذلك يكون غرس الأشجار في الجنة بكثرة ذكْر الله جل وعلا، ففي سنن الترمذي: (عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ وَأَنَّهَا قِيعَانٌ وَأَنَّ غِرَاسَهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ».
وقد تمايَز الناس واختلفوا في هذه العمارة، فمنهم مَن عمَر الدنيا ،ومنهم مَن عمَر الآخرة، فإذا دخل جَنَّتَه كان أعرف الناس بها، قال تعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ) {محمد:6}، وفي صحيح البخاري: (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ – رضي الله عنه – عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ حُبِسُوا بِقَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيَتَقَاصُّونَ مَظَالِمَ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا نُقُّوا وَهُذِّبُوا أُذِنَ لَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ – صلى الله عليه وسلم – بِيَدِهِ لأَحَدُهُمْ بِمَسْكَنِهِ فِي الْجَنَّةِ أَدَلُّ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا»
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان حريصا على أن تنال أمته أعلى الدرجات والمنازل في الجنة، فقد حث أمته ورغبها في بعض العمال الصالحة التي تُنال بها تلك المنازل والدرجات، ففي الصحيحين: (عن أَنَس بْن مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم – «لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ غَدْوَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ أَوْ مَوْضِعُ قِيدٍ – يَعْنِى سَوْطَهُ – خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»،
فيُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أجْرَ الجهادِ في سَبيلِ الله، فيقول: «غَدْوةٌ في سَبيلِ اللهِ أو رَوحةٌ خيْرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها»، والغَدْوةُ: هي السَّيرُ أوَّلَ النَّهارِ إلى الظُّهْرِ، والرَّوحةُ: السَّيرُ مِنَ الظُّهرِ إلى آخِرِ النَّهارِ، فالمشي في سَبيلِ اللهِ في الغزْوِ في وقْتِ الصَّباحِ أو وقْتِ المساءِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنيا جميعًا، ومن لم يستطع الجهاد فعليه أن يرعى مصالح المجاهدين، وأسرهم، ففي الصحيحين: (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا»، وفي مسند أحمد: (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ «لأَنْ أُشَيِّعَ مُجَاهِداً فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَكْنَفُهُ عَلَى رَاحِلَةٍ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا»،
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: «ولَقابُ قَوسِ أحدِكم» والمرادُ: أنَّ فَضْلَ استعمالِه في سَبيلِ اللهِ تعالى يجازى عليه صاحِبُه مَنزِلةً في الجنَّةِ، وتلك المنزِلةُ هي خيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها، وكذلك موضِعُ قَدَمِ المجاهِدِ، وفي روايةٍ عند البُخاريِّ: «مَوضِعُ قَيدٍ» وهو السَّوطُ الذي يُساقُ به الفَرَسُ الذي يُجاهَدُ به في سَبيلِ اللهِ، يجازى عليه في الجنَّةِ بمنزلةِ وقَدرِ هذا القَوسِ، خيْرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها؛ وذلك لِأنَّ الدُّنيا فانيةٌ، وكُلَّ شَيءٍ في الجَنَّةِ -وإنْ صَغُرَ في التَّمثيلِ لنا، وليس فيها صَغيرٌ- هو أدْوَمُ وأبْقى مِنَ الدُّنيا الفانيةِ المُنقَطِعةِ، فكانَ الدَّائِمُ الباقي خَيرًا مِنَ المُنقَطِعِ.
ويقول: «ولو أنَّ امرأةً مِن نِساءِ أهلِ الجنَّةِ» والمرادُ بهِنَّ الحُورُ العِينُ، أظهرت نَفْسَها إلى الأرضِ؛ لَأضاءتْ ما بيْن السَّماءِ والأرضِ، ولمَلأتْ ما بيْنهما رِيحًا طيِّبةً؛ وذلك لكَمالِ خَلْقِهنَّ، «ولَنَصيفُها» يعني الخِمارَ وما تُغَطِّي به رأسَها، وقيل: النَّصيفُ الْمِعْجَز وهو ما تلويه المرأةُ على رأسِها، وهو كالعصابةِ تَلُفُّه على استدارةِ رأسِها، «خيْرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها» من متاعِها، وهذا إخبارٌ عن أنوارِ جمالها، وعن طِيبِ رِيحِها، وعن ظاهِرِ مَلبوسِها؛ فكيف بجَمالِها وباطِنِ مَلبوسِها الذي هو نعيمٌ مِن نِعَمِ الجنَّةِ؟!
وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أُمَّتَه الأعمالَ الفاضلةَ، ويُبيِّنُ أجْرَها وثَوابَها، حثًّا لهم وتَرغيبًا على فِعلِها، ومن هذه الأعمال الصالحة والطاعات التي رغب رفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لتنال الدرجات العالية في الجنة: المحافظة على ركعتي الفجر، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا». والمرادُ بهاتين الركعتين سُنَّةُ الفجرِ، وهما الرَّكعتانِ بيْن أذان الفجر والإقامةِ، وهاتان الركعتان من السنن الرواتب لصلاة الفجر. وقوله عليه الصلاة والسلام: «خَيرٌ مِنَ الدُّنيا وما فيها»؛ أي: إنَّ الأجرَ والثواب المُترتِّبَ على صلاة سُنَّة الفجر أعظَمُ وأفضلُ في الآخرةِ من جميع نَعيمِ الدُّنيا الزائل الفاني، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مُتعاهِدًا وحَريصًا على صلاة السنن والرواتب بمثل ما كان حريصًا على صلاة السنَّة القبلية لصلاة الفجر، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَكُنْ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ مُعَاهَدَةً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ).
ومن هذه الأعمال الصالحة والطاعات التي رغب رفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لتنال الدرجات العالية في الجنة: المحافظة على اقامة الصلاة في آخر الزمان، وزمن الفتن والهرج، ففي صحيح البخاري: (أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :«وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَدْلاً فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ حَتَّى تَكُونَ السَّجْدَةُ الْوَاحِدَةُ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
ومن هذه الأعمال الصالحة والطاعات التي رغب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لتنال الدرجات العالية في الجنة: الشهادة في سبيل الله تعالى، ففي سنن الترمذي: (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيَأْمَنُ مِنَ الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ»، وفي سنن ابن ماجه: (ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «لاَ تَجِفُّ الأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَضَلَّتَا فَصِيلَيْهِمَا فِي بَرَاحٍ مِنَ الأَرْضِ وَفِى يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».
أقول قولي وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)
الحمد لله رب العالمين. اللهم لك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، حمدا يوافي النعم ويكافئ المزيد. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد أيها المسلمون
ومن هذه الأعمال الصالحة والطاعات التي رغب رفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لتنال الدرجات العالية في الجنة: تلاوة القرآن، ففي مسند أحمد: (عَنْ عُمَرَ بْن ِالْخَطَّابِ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ شَيْءٍ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ قَالَ فَقُلْتُ لِنَفْسِي ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْكَ قَالَ فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي فَتَقَدَّمْتُ مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ قَالَ فَإِذَا أَنَا بِمُنَادٍ يُنَادِي يَا عُمَرُ أَيْنَ عُمَرُ قَالَ فَرَجَعْتُ وَأَنَا أَظُنُّ أَنَّهُ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- «نَزَلَتْ عَلَىَّ الْبَارِحَةَ سُورَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) ». وفي مسند أحمد: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) إِلَى آخِرِ الآيَةِ مَرْجِعَهُ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَصْحَابُهُ مُخَالِطُو الْحُزْنِ والْكَآبَةِ فَقَالَ «نَزَلَتْ عَلَىَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا جَمِيعاً». قَالَ فَلَمَّا تَلاَهَا نَبِيُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ هَنِيئاً مَرِيئاً قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ لَكَ مَاذَا يَفْعَلُ بِكَ فَمَاذَا يَفْعَلُ بِنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الآيَةَ الَّتِي بَعْدَهَا (لَيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) حَتَّى خَتَمَ الآيَةَ. وفي سنن الدارمي: (عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالاَ: مَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ فِي لَيْلَةٍ كُتِبَ لَهُ قِنْطَارٌ، وَالْقِيرَاطُ مِنَ الْقِنْطَارِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَاكْتَنَزَ مِنَ الأَجْرِ مَا شَاءَ اللَّهُ.
ومن هذه الأعمال الصالحة والطاعات التي رغب رفيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته لتنال الدرجات العالية في الجنة: الدخول في الاسلام، والعمل بالطاعات، ففي صحيح مسلم: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ». وفي مسند أحمد: (عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ الرَّجُلُ يَأْتِي النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَيُسْلِمُ لِشَيْءٍ يُعْطَاهُ مِنَ الدُّنْيَا فَمَا يُمْسِي حَتَّى يَكُونَ الإِسْلاَمُ أَحَبَّ إِلَيْهِ وَأَعَزَّ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا)
الدعاء